لمصلحة من تثار الزوبعة حول مصافي عدن؟

> «الأيام» متابعات:

> اطلعنا على ما نشرته صحيفة «الأيام» الغراء في الأعداد (5459) و(5460) و(5461) الصادر تباعا في 20، 21، 22 يوليو 2008م، وأود أن أقول إن ما ورد في تقرير لجنة التنمية والنفط والثروات المعدنية لمجلس النواب الخاص بأوضاع شركة مصافي عدن الصادر في 16 يوليو 2008م الذي قامت بإعداده اللجنة بعد عدة زيارات للمصفاة في عدن، وتوجيه عدة أسئلة إلى المسئولين فيها بناءً على تحليل الأرقام التي وردت من الميزانيات والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، وخلصت اللجنة إلى نتائج مرعبة.

أولا: كيف سكت الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة عن الهبوط الفاحش للسنوات 2002 حتى 2006م ولم يتنبه، وإن تنبه لم ينبه وزارة المالية ولا مجلس الوزراء مباشرة اكتشافه لأول مرة عن انخفاض الإيرادات لعام 2002 إلى مئتين وعشرة مليارات وقد كانت في العام 1992م (كسنة أساس) 8.804 مليار.

ثانيا: المعلوم أن أسعار النفط الخام منذ عام الأساس 1992م صارت في ازدياد مستمر بين يوم وليلة، حيث تضاعفت أسعار النفط الخام بالدولار خلال السنوات الخمس من 2002 إلى 2006م كالتالي: 1.78 ضعف ثم + 2.2 ضعف + 2.2 ضعف + ثم 3.86 ضعف ثم 4.25 ضعف ثم 4.84ضعف..وارتفاع سعر سلعة يؤدي إلى ارتفاع مداخيلها، كما يؤثر في أسعار السلع المرتبطة بها إنتاجا أو تصنيعا، ولكن تقرير اللجنة رصد لنا الارتفاع في أسعار النفط، ولم يفرض أو يفترض أنه يجب أن يتبعه ارتفاع في الإيرادات القائمة على مبيعات المصفاة من المشتقات الأعلى سعرا من النفط الخام، وسكت حتى تفاقمت القضية ليثيرها لغرض محدد.

ثالثا: المصروفات لعام 1992م سنة الأساس كانت 600 مليون ريال، وارتفعت في عام 2002م أي بعد عشر سنوات إلى 210 مليار ريال أي بنسبة 350% ولم يتنبه الجهاز المركزي لمراجعة الحسابات ولا غيره أن يتخذ الإجراء اللازم في حينه لوقف هذا الهدر لأموال الدولة - إن كان حقا - لأنها أموال الشعب، بل سكت وانتظر، في عام 2003م كان 280 مليار ريال وسجل ارتفاعا عن عام الأساس بنسبة 467%، وهكذا استمر سكوت المسئولين واستمر الارتفاع الجنوني الذي ذكره في تقريره عاما بعد عام وبلغ في عام 2004م 377 مليار ريال بنسبة 628.3%.. وفي عام 2005م كان 573 مليار ريال وسجل ارتفاعا عن عام الأساس قدره + 955%، وعام 2006م بلغت نسبة الزيادة 1326.6%!! ولنا أن نتساءل وتساورنا الشكوك في مضمون هذا التقرير أين مراجع الحسابات المقيم الموظف في المصفاة؟ وأين المحاسبون ذوو العلاقة الذين عليهم مسئولية المراقبة والحد من أي خلل في بدايته وإصلاح مسير العملية الاقتصادية؟ وأين موظفو الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة؟ ما الذي أسكتهم؟! أم أنهم لم يكتشفوا ما يوجب الوقوف عليه لتصحيحه حتى جاءت صيحة الإنذار من غيرهم!!

أقول إن هذا حال لا يقبله عقل عاقل إلا إذا كان الأمر في ارتفاع الصرفيات قد قصد به استهلاك الأرباح كي تظهر مصفاة عدن خاسرة بل مهلكة أرباحها ومنشآتها لتحقيق غاية مقصودة لسبب سنذكره.

وإذا نظرنا إلى صافي الربح في عام الأساس 1992م كان2.2 مليار ويهبط في عام 2002م إلى 0.4 مليار بنسبة 18 من المائة، ثم إلى 23 من مائة، 36 من المائة، 55 في المائة، وفي العام 2006م إلى 63 في المائة.. كل هذا جرى كما جرت الأمور في ما أثرناه أعلاه من مخالفة الأمور لحقائقها المتحققة من غاية كل عمل اقتصادي واستثماري.

إن أقل ما يمكن أن يكون مقبولا ومعقولا مقارنة الأرباح بنسبة ارتفاع أسعار النفط الخام وزيادة عشرة دولارات تكلفة تكرير وربح، وهو ما تجري عليه عملية التبادل التجاري في أسواق التكرير وبيع منتجات النفط.

ونأتي إلى البند الأخير في كشف المقارنة الحسابية الذي نشرته صحيفة «الأيام» وتناولناه بعاليه، وأعني به بند العوادم والنفايات الذي كان في 1992م عام الأساس -(0.156) (أي مائة وستة وخمسين مليون دولار)، ثم بلغ القمة اللا معقولة وغير المحددة النسبة ورصد لها الرقم (43) مليار دولار! أين توزيعه على مدار السنوات الخمس؟ إن المتفق عليه مع معظم مصافي التكرير هو خمسة في المائة من المتفق عليه على تكريره بين المالك للشحنة والمصفاة، وهذا الفاقد تخصصه المصفاة من جملة الكمية المقرر تكريرها لصاحبها وليس مالا مصروفا، وهناك فاقد آخر يتفق عليه بين ملاك سفن النقل البحري للخام ومشتقاته بنسبة للفاقد محددة بنصف الواحد في المائة، فإن زاد عن نصف الواحد استحق المستأجر للناقلة قيمة الفاقد كله وإن انخفض عن نصف الواحد في المائة فليس لصاحب الناقلة مطالبة صاحب الشحنة بفارق القيمة.. فلماذا احتسبت للفاقد قيمة دخلت كمصاريف للمؤسسة؟

إننا نسمع منذ العام 2002 إشاعات عن خصصة المصفاة، ولما قامت معارضة من بعض الحريصين على بقاء المصفاة كمؤسسة سيادية لا يمكن التفريط بها، هدأت تلك الإشاعة، وظهر منذ أواخر عام 2005م التلويح بالتهم والشكوى من ضعف الإدارة، وسوء التعامل مع ما يحفظ للدولة مواردها من العبث القائم في معظم مفاصل الإدارة، ولكن هذا ما تطلقه الألسن، ولا تثبته التحقيقات المباشرة القائمة على الشفافية منذ ظهور البوادر الأولى لكل ما يشتكى منه اليوم ضد إدارة المصفاة، والمطلوب من الإدارة أن تكون أكثر حرصا على الدفاع عن سمعة أعضائها إداريا، وماليا، وشرفا وكرامة.

والشارع اليوم يتساءل هل وراء الأكمة ما وراءها؟ وهل مثيرو هذه العاصفة ضد مصفاة عدن ومدرائها يهدفون إلى تحقيق أغراضهم لتسقط الثمرة المتجددة العطاء في أحضانهم وملك الديزل، أو ملك النقل، أو غيره مما يتردد اسمه على مسامعنا يفرك كفيه ليتلقاها مغنما، ويخرج العاملون من المصفاة إلى الشوارع يستجدون وظيفة فلا يجدونها ويقعد الفنيون والكفاءات العالية يرقبون من يستدعيهم من الشركات العربية في دول الجوار؟!! إن الشعب اليمني قاطبة لن يقبل أن تمس مصفاة عدن بسوء أي سوء، ولن يقبل أن يقعد صامتا عاجزا لا يتحرك لإيقاف السعي الحديث لنهبها، ولا دولة اليمن وعلى رأسها فخامة الرئيس علي عبدالله صالح سيرضى أن تباع أو تخصص، ولكن كل خطأ له ما يصححه بالجد والعمل والسعي إلى قطع الفساد حيثما كان مصدره أو منشؤه.

أعلم ويعلم غيري ممن اطلعوا على البيانات الخاصة بميزانية مؤسسات الدولة أن المصفاة قد رصدت لستة مشاريع ليتم تنفيذها في عامنا هذا عام 2008م بمبلغ 360 مليارا وأربعمائة ألف ريال بتمويل ذاتي.. وإنا لمنتظرون أن يتحقق التصحيح اللازم، وأن تتحقق المشاريع كلها. أريد أن أقول من تجاربنا أن أصحاب المؤسسات قد يلجؤون إلى بيع مؤسساتهم، ولكنهم يختارون الوقت المناسب للبيع، والظروف المحسوبة عند الاقتصاديين للبيع أن يجري في حالات محددة يمكنني تلخيصها فيما يلي:

1- عندما تكون المؤسسة معرضة لمشاكل قانونية حكومية أو غير حكومية.

وفي حالة ما يثار اليوم حول مصافي عدن فإن الموضوع معد مسبقا، وقد ذكر في البند الأول من سلسلة التوصيات المقدمة من اللجنة إلى مجلس النواب، وهو إحالة المسئولين عن المخالفات والتجاوزات إلى نيابة الأموال العامة. لماذا لم تذكر لجنة مجلس النواب غيرهم من مفتشي الحسابات ومراجعي الميزانيات والمصادقين عليها كل عام وأرقام الصرفيات تتضاعف وأرقام الإيرادت تذوي وتذبل؟!

2- عندما تعجز المؤسسة عن سداد الضرائب المستحقة عليها أو الأجور وتجد أنها ستضطر إلى إعلان إفلاسها.. وهذا العجز قد نسب في التقرير ضد المصفاة، وهي تؤكد ونشرت مدفوعاتها للدولة في صحيفة «14أكتوبر» الغراء عدد يوم الأحد 16/12/2007.

3- عندما تجد أن منتجاتها قد فقدت رواجها في السوق وهي عاجزة عن المنافسة في النوع والأسعار.

4- عندما تجد المؤسسة أن أرباحها قد تجاوزت الحدود المعقولة بنسبة كبيرة قد يعقبها هبوط مفاجئ تعجز عن التحكم فيه مجاراة للسوق المماثل.

في الحالتين الأوليين اتخاذ القرار بالبيع يكون ضروريا وفي الحاليتين 3 و 4 ينصح الخبراء بالتروي عامين على الأقل مع حفظ السرية التامة لما تعانيه المؤسسة لتتمكن من استرداد موقف متوازن يتيح لها الحصول على السعر المناسب.. فهل تحظى المصفاة بدراسة شاملة لتصحيح ما هو أجدى إلى التصحيح؟!

ولنا نتساءل أولا: هل منتجات مصفاة عدن رائجة ومطلوبة وهي تشكل عاملا إستراتيجيا في سد احتياجات السوق المحلية أم أن منتجاتها غير مطلوبة؟.

ثانيا: هل تعاني مصفاة عدن من عجز دفع أجور العاملين فيها وأصبحت عبئا على خزانة الدولة؟.. الإجابة عن كل هذه الأسئلة تصب في صالح مصفاة عدن يعرفها العالم والجاهل في الداخل والخارج.. وتؤكد وجوب استمرارها عاملة ومملوكة للدولة.. فلماذا اقتراح بيع المصافاة وخسخستها لا خصخصتها لفائدة أطراف معينين؟

إن مصافي عدن تمثل قاعدة إستراتجية بإنتاجها وعمالها وفنييها ومينائها الذي يخشى لو بيع أن يصبح ميناء للتهريب والتهرب الضريبي ومنع تدفق الزيت الخام القادم من حقول نفطنا إلا بإذن الملاك وبحسب شروطهم ورسومهم.. وبمستشافها الذي يتفرد عن كل المستشفيات في بلادنا دون مبالغة: نظافة ورعاية وتمريضا وتطبيبا وتزويد دواء للعاملين وللمتقاعدين وأسرهم ومن تلجئه الضرورة ليلقى العلاج على مدار الساعة بإخلاص وتفان.. ومصفاة عدن هي الراعية الأساسية لمدارس أبنائنا وإصلاح طرق المدينة وتزيينها والمحافظة على بناء المساجد وترميمها وتوسعتها.. وهي مدرسة فنية وراعية للنشاطات التربوية والنوادي الرياضية المتنوعة.. وإن التفريط بكل هذا لهو جريمة لا تغتفر.. حفظ الله لنا المصفاة وأدام شعلتها مضيئة سماء اليمن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى