عدن والفن التشكيلي

> «الايام» أحمد السقاف:

> كنا مساء الخميس الماضي في حالة استرجاع للذاكرة عن نشوء وتطور الفن التشكيلي في مدينة عدن، من خلال معلومات ضافية سردها لنا الكاتب والباحث والفنان التشكيلي الجميل بجمال مدينة عدن، علي محمد يحيى، في محاضرة قيمة استضافها منتدى خور مكسر الثقافي الاجتماعي.وإنصافاً للحقيقة والواقع نقول لايمكن لأحد منا أن يذكر حركة تطور الفنون الجميلة- كما كان يطلق سابقاً على الفن التشكيلي بأنواعه- في مدينة عدن، من دون ذكر أستاذ الأجيال، متعدد المواهب والملكات، المطلع على شتى مجالات الثقافة والمعرفة، الصديق والأخ العزيز علي محمد يحيى، وإن كان قد توارى سنوات طويلة ولم يعد له صلة بالفن التشكيلي ممارسة، لأسباب ذكرها في المحاضرة، ولكن روح الفنان مازالت تتملكه فإذا ما أمسك بالريشة أو قلم الرصاص أظهر لنا الدرر التي يقف لها الكل مبهوراً.

تتبع المحاضر بدايات حركة الفن التشكيلي في عدن بدءاً من المركز البريطاني الذي كان يقيم معارض للرسامين من كل الجاليات الساكنة بمدينة عن، ثم بدء تجارب الرواد من أمثال الدكتور محمد عبده غانم رحمه الله، وطيب الذكر أحمد حسن مكاوي، الذي أنهكت قواه الشيخوخة وأقعدته في بيته دون ذكر له من قبل من تقع عليهم مسؤولية الاهتمام برواد الفكر والفن.

ذاكرة أستاذنا علي محمد يحيى تختزن الكثير و الكثير من المحطات والتجارب في إقامة المعارض السنوية على مستوى الجمهورية الوليدة بعد الاستقلال، وقد ذكر في محاضرته بعضا من تلك التجارب وأغفل البعض، إما مخافة الإطالة، أو السهو على ما أظن لتزاحم الكم الكبير من الأفكار في رأسه، كعملة في التلفزيون في أواخر الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي، مصمماً للديكور، وفي تلك المرحلة أبدع الكثير والكثير مما لايزال أرشيف التلفزيون يحتفظ ببعضها والبعض الآخر أتلف أو أن أيادي اختطفته إلى خارج مدينة عدن لأسباب يعلمها العارفون ببواطن الأمور.

الأستاذ علي السيد رئيس المنتدى أسر إليَّ بالقول إنه كان يظن أن علي محمد يحيى فنان تشكيلي كأي فنان آخر، ولكنه أكد لي أن الدهشة تملكته وهو يستمع إلى تلك المعلومات التي تختزل تاريخ مدينة عدن، مؤكداً أنه يقف أمام قامة فنية لا يستهان بها.

ذكر الأستاذ علي محمد يحيى في محاضرته أن المدارس الحكومية والأهلية كانت تهتم بمادة الرسم فنشأ في ذلك الحين رسامون كثر صقلوا مواهبهم بالتمرين المستمر.. نعم كانت كذلك، إلى جانب فنون أخرى كالموسيقى التي كانت مادة دراسية تدرس مرتين في الأسبوع، ومن منا في مدينة عدن لايتذكر أستاذ الأجيال، خالد الذكر، يحيى مكي، الذي كان يطوف مدارس عدن لتعليم الصغار الموسيقى، فنشأت على يديه فرق موسيقية صالت وجالت وأمتعتنا أيام الزخم الثقافي والفني الذي أصبح مجرد ذكرى وأثراً بعد عين.

الجمال هو الملهم لكل شاعر وفنان، وهذا دون شك، أما حين نفتقده تموت فينا المشاعر وتصبح حياتنا جافة كأوراق الخريف.. قديما كان البحر متنفسا للعائلات؛ بحر صيرة وبحر حقات وساحل أبين، وقد حيل بيننا وبينه.. وكانت البساتين ملاذا آخر لنا كبستان الطويلة وبستان الكمسري حيث يجد المتعبة نفسه متعة من حوله الخضرة وشقشقة العصافير، التي هي الأخرى اختفت من سمائنا فلم نعد نسمع سوى نعيق الغربان ولم نعد نرى غير أعمدة إسمنتية.

وقد شدني هذا الحديث إلى الخميس الذي سبق المحاضرة حين أطلق أستاذنا حسين السيد دعوة للخيال، طالباً إلى الحاضرين أن يتخيلوا مثلاً جبل صيرة يتحول إلى قبلة ومزار للسياح الأجانب من كل حدب وصوب، خاصة وأن سفرا من التوراة يتحدث عن أن قابيل لجأ إلى صيرة بعد قتله أخاه هابيل .. كلام جميل، ولكنه يا أستاذي يبقى أضغاث أحلام سرعان ما نفيق منها لنصطدم بواقع مرير.. لا بل واقع طارد ليس للاستثمار السياحي فحسب، ولكن لكل ماهو جميل ويمت للجمال بصلة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى