حبان:أنموذج حي لحضارة العمارة الطينية في محافظة شبوة (4 - 3)
> «الأيام» د. صلاح سالم أحمد:
> سواقيها..كرفانها.. جوابيها.. متاحف حية لتراث حضارة حصاد مياه الأمطار والسيول فرضت الظروف الطبيعية السائدة في محافظة شبوة أن يفكر السكان في ماهية الوسائل والتقنيات التي تمكنهم من ترويض البيئة الجافة لتلبية حاجاتهم من المياه سواء لأغراض الشرب أو الري أو العمران.
يمكننا أن نقف أمام أهم تلك التقنيات الشائعة في شبوة عامة وحبان خاصة.
طبيعتها:
يتم بناؤها بشكل طولي أو عرضي تبعاً لموقع الأراضي الزراعية من مجرى مياه السيول وتمتد لمسافة طولها أكثر من 100متر وبارتفاع يصل ما بين 3-2 أمتار تقريباً والغرض منها تحويل كمية من مياه السيول من مركز الوادي إلى قنوات فرعية تتوزع بين الحقول لترويها وتغمرها بمياه السيول وتستمر عملية الري من حقل إلى آخر وفقاً لحدود كميات المياه المتدفقة عبر الساقية الرئيسية أثناء جريان السيل وقد يحدث أن تنهار وتنجرف مثل هذه الحواجز الترابية أمام قوة وسرعة المياه وبالتالي تحرم الأرض الزراعية من استمرار جريان المياه نحوها لفقدان قناة التحكم الأساسية فتعاود السيول تدفقها في مركز الوادي حتى تلقى في طريقها حاجزاً ترابياً آخر في موضع تال.
وهكذا تنتشر عدد هذه السواقي على طول الوادي ومن خلال المعايشة الميدانية لاحظ الباحث أن بعض السواقي شيدت مداخلها بعناية حيث حفر لها نفق جبلي في جوف الكتل الجبلية التي تقترب من جدار الوادي كما هو الحال عند قرية رباط آل الشقاع بالقرب من حبان.
الكرفان المائية:
ومفردها كريف وهي عبارة عن منخفضات حفرت بمجهود الإنسان بمساحة وانخفاض معينين, ومنها ما وجد طبيعياً والغرض من هذه التقنية خزن كمية من مياه الأمطار والسيول لاستغلالها كمياه للشرب الآدمي والحيواني معاً بل وصناعة (اللبن) المادة الطينية التي هي عنوان الحضارة العمرانية في المنطقة, ناهيك عن أن هذه الكرفان المائية ترفد وترفع منسوب المياه الجوفية. ويتم جمع وخزن المياه في الكريف وفق تقنية تقليدية أبدع الناس في هندستها، ويمكننا وصف نموذج بديع لها وهو كريف مدينة حبان الواقع على الوادي المسمى باسمها وادي حبان وبناءً على ما شاهدناه حفرت لهذا الكريف قناة مائية على هيئة نفق داخل جبل من الحجر الرملي بطول 30 متراً تقريباً وارتفاع 3 أمتار من مستوى قاعدة النفق وبعرض 5-4 أمتار تقريباً وقد تم حفره في القرن التاسع الهجري.
وحين تأتي مواسم الأمطار والسيول تمتلئ مساحة الكريف البالغة 200 متر بالمياه بعمق 4 أمتار ويوجد في أحد جدرانه منفذ مبني بالأسمنت يسمح بانسياب المياه الفائضة عن سعته إلى مجرى الوادي مرة أخرى وقد كان هذا الخزان الأرضي بمثابة حنفية الشرب المباشرة لسكان المدينة البالغ عددهم آنذاك نحو ألفي نسمة.
واستمر الحال حتى فترة الستينات من القرن الماضي, وفي الوقت الراهن أهمل هذا الموروث التقني خاصة بعد أن اتجه السكان نحو استغلال آبار المياه الجوفية منذ أكثر من ثلاثة عقود مضت وصارت الكرفان أشبه بمتاحف حية على الطبيعة تملأ قنواتها الرواسب بعد أن كانت مصدراً للحياة والحضارة.
الجوابي المائية:
ومفردها جابية وهي عبارة عن منخفضات طبيعية توجد بين التكوينات الجبلية والهضبية القريبة من المناطق والقرى المأهولة بالسكان وعلى جوانب الشعاب والروافد التي تغذي أحواض الوديان الرئيسية بمياه السيول. استغلها الإنسان في الشرب ووجد فيها رعاة الماشية ملاذهم ، سعتها التخزينية في المتوسط بعمق 5 أمتار وطول 3 أمتار وعرض 4 أمتار وتختلف أحجامها من مكان إلى آخر نسبياً.
للحفاظ على حصاد مياه الأمطار والسيول فيها حتى أعلى مستوى لسطحها اجتهد السكان في بناء ما انخفض من جوانب الجابية ليتوازى ارتفاعها وكي لا يتسرب وينحدر الماء منها. وقد تفنن السكان في بناء وتشكيل تلك الخزانات المائية الجبلية (الجوابي) الواقعة عند مساقط المياه القريبة من مراكز الاستيطان البشري من خلال تسوية قيعانها وطلائها بمادة النورة البيضاء وعمل الكثير من النظم لضمان امتلائها بالمياه دون انحدار الرواسب والكتل الصخرية إلى داخلها بل وغرسوا الأشجار حولها لتظللها وتحجب عنها حرارة الشمس الساطعة بهدف خفض نسبة التبخر للمياه المخزونة بها.
دفاعات الجابيون:
هي عبارة عن شباك حديدية يتم تعبئتها بقطع الأحجار وتبدو وكأنها بناء يمتد بأطوال وارتفاعات معينة كالجدران وتستخدم كدفاعات لحماية الأرض الزراعية من جرف السيول ويشيد هذا النوع من التقنيات على حدود الوديان وخاصة حيث المواضع المنهارة والمتصعدة التي تجد فيها السيول منافذ سهلة لاكتساح الأرض وتعريتها، وتنتشر دفاعات الجابيون في الكثير من وديان المحافظة إلا أنها تلاحظ بازدياد في مناطق الروضة وحبان ورضوم وميفعة.
الخلاصة والأفكار المقترحة:
نستخلص من العرض السابق أن التقنيات التقليدية المتبعة في محافظة شبوة وضعت لتحقق أغراضاً كالسواقي للري والكرفان للشرب والبناء والجوابي الواقعة بين المرتفعات لتلبية حاجة الرعاة والمتنقلين بين الشعاب وممرات الوديان.
كما خدمت هذه التقنيات حاجة السكان من المياه في فترة ما قبل التوجه نحو حفر الآبار الجوفية أي ما قبل الستينات من القرن العشرين وما تبقى منها عملياً هي تقنية السواقي التحويلية ودفاعات الجابيون كحماية للأرض الزراعية من الجرف, ولتوجيه مياه السيول صوب الأرض الزراعية. ومن المعروف أن حضارة حصاد مياه الأمطار والسيول في محافظة شبوة ارتكزت على تقنيات مثل الكرفان والجوابي والسواقي الترابية وغيرها وهي تمثل قطعة مهمة من الموروث الحضاري الذي يدل على حسن تكيف الأجداد مع البيئة وتطويعها لصالح الإنسان وتقدير قيمة الماء الذي جعل الخالق منه كل شيء حي.
ولهذا نقترح أن يعاد صيانة وتطوير هذه التقنيات التي توجد بالقرب من القرى والمدن الريفية ويتم استخدام ما تخزنه من مياه لتلبية حاجة الثروة الحيوانية من ماشية وأبقار وإبل وغيرها كمصدر لإرواء ظمأ حيوانات وطيور البيئة الطبيعية المنتشرة بين الشعاب والمرتفعات والهضاب القريبة من مراكز الاستيطان البشري.
كما يمكن أن تبقى مثل هذه التقنيات معلماً سياحياً يستريح بجواره السياح الذين يتوافدون للاطلاع على الآثار والمنشآت التاريخية الموجودة في مدن محافظة شبوة.
وهذا المقترح الأخير ليس من باب الوصف الخيالي بل يمكن للجهات المسئولة بالتعاون مع جمعية حماية الآثار والموروث الشعبي بالمحافظة تطبيق هذه الفكرة كنموذج مثالي بالقرب من وادي حبان حيث تنتصب مدينة حبان التاريخية وتتميز بوجود شتى أنواع التقنيات القديمة وهي مزار دائم لأفواج السياح الأجانب. وبهذه المقترحات المستوحاة من واقع البيئة المحلية عسى أن نكون قد وفقنا في تقديم شيء يحمل أبعاداً بيئية وتنموية اقتصادية تخدم منطقة حبان.
مدينة حبان وواديها
يمكننا أن نقف أمام أهم تلك التقنيات الشائعة في شبوة عامة وحبان خاصة.
طبيعتها:
يتم بناؤها بشكل طولي أو عرضي تبعاً لموقع الأراضي الزراعية من مجرى مياه السيول وتمتد لمسافة طولها أكثر من 100متر وبارتفاع يصل ما بين 3-2 أمتار تقريباً والغرض منها تحويل كمية من مياه السيول من مركز الوادي إلى قنوات فرعية تتوزع بين الحقول لترويها وتغمرها بمياه السيول وتستمر عملية الري من حقل إلى آخر وفقاً لحدود كميات المياه المتدفقة عبر الساقية الرئيسية أثناء جريان السيل وقد يحدث أن تنهار وتنجرف مثل هذه الحواجز الترابية أمام قوة وسرعة المياه وبالتالي تحرم الأرض الزراعية من استمرار جريان المياه نحوها لفقدان قناة التحكم الأساسية فتعاود السيول تدفقها في مركز الوادي حتى تلقى في طريقها حاجزاً ترابياً آخر في موضع تال.
وهكذا تنتشر عدد هذه السواقي على طول الوادي ومن خلال المعايشة الميدانية لاحظ الباحث أن بعض السواقي شيدت مداخلها بعناية حيث حفر لها نفق جبلي في جوف الكتل الجبلية التي تقترب من جدار الوادي كما هو الحال عند قرية رباط آل الشقاع بالقرب من حبان.
الكرفان المائية:
ومفردها كريف وهي عبارة عن منخفضات حفرت بمجهود الإنسان بمساحة وانخفاض معينين, ومنها ما وجد طبيعياً والغرض من هذه التقنية خزن كمية من مياه الأمطار والسيول لاستغلالها كمياه للشرب الآدمي والحيواني معاً بل وصناعة (اللبن) المادة الطينية التي هي عنوان الحضارة العمرانية في المنطقة, ناهيك عن أن هذه الكرفان المائية ترفد وترفع منسوب المياه الجوفية. ويتم جمع وخزن المياه في الكريف وفق تقنية تقليدية أبدع الناس في هندستها، ويمكننا وصف نموذج بديع لها وهو كريف مدينة حبان الواقع على الوادي المسمى باسمها وادي حبان وبناءً على ما شاهدناه حفرت لهذا الكريف قناة مائية على هيئة نفق داخل جبل من الحجر الرملي بطول 30 متراً تقريباً وارتفاع 3 أمتار من مستوى قاعدة النفق وبعرض 5-4 أمتار تقريباً وقد تم حفره في القرن التاسع الهجري.
وحين تأتي مواسم الأمطار والسيول تمتلئ مساحة الكريف البالغة 200 متر بالمياه بعمق 4 أمتار ويوجد في أحد جدرانه منفذ مبني بالأسمنت يسمح بانسياب المياه الفائضة عن سعته إلى مجرى الوادي مرة أخرى وقد كان هذا الخزان الأرضي بمثابة حنفية الشرب المباشرة لسكان المدينة البالغ عددهم آنذاك نحو ألفي نسمة.
واستمر الحال حتى فترة الستينات من القرن الماضي, وفي الوقت الراهن أهمل هذا الموروث التقني خاصة بعد أن اتجه السكان نحو استغلال آبار المياه الجوفية منذ أكثر من ثلاثة عقود مضت وصارت الكرفان أشبه بمتاحف حية على الطبيعة تملأ قنواتها الرواسب بعد أن كانت مصدراً للحياة والحضارة.
الجوابي المائية:
ومفردها جابية وهي عبارة عن منخفضات طبيعية توجد بين التكوينات الجبلية والهضبية القريبة من المناطق والقرى المأهولة بالسكان وعلى جوانب الشعاب والروافد التي تغذي أحواض الوديان الرئيسية بمياه السيول. استغلها الإنسان في الشرب ووجد فيها رعاة الماشية ملاذهم ، سعتها التخزينية في المتوسط بعمق 5 أمتار وطول 3 أمتار وعرض 4 أمتار وتختلف أحجامها من مكان إلى آخر نسبياً.
للحفاظ على حصاد مياه الأمطار والسيول فيها حتى أعلى مستوى لسطحها اجتهد السكان في بناء ما انخفض من جوانب الجابية ليتوازى ارتفاعها وكي لا يتسرب وينحدر الماء منها. وقد تفنن السكان في بناء وتشكيل تلك الخزانات المائية الجبلية (الجوابي) الواقعة عند مساقط المياه القريبة من مراكز الاستيطان البشري من خلال تسوية قيعانها وطلائها بمادة النورة البيضاء وعمل الكثير من النظم لضمان امتلائها بالمياه دون انحدار الرواسب والكتل الصخرية إلى داخلها بل وغرسوا الأشجار حولها لتظللها وتحجب عنها حرارة الشمس الساطعة بهدف خفض نسبة التبخر للمياه المخزونة بها.
دفاعات الجابيون:
هي عبارة عن شباك حديدية يتم تعبئتها بقطع الأحجار وتبدو وكأنها بناء يمتد بأطوال وارتفاعات معينة كالجدران وتستخدم كدفاعات لحماية الأرض الزراعية من جرف السيول ويشيد هذا النوع من التقنيات على حدود الوديان وخاصة حيث المواضع المنهارة والمتصعدة التي تجد فيها السيول منافذ سهلة لاكتساح الأرض وتعريتها، وتنتشر دفاعات الجابيون في الكثير من وديان المحافظة إلا أنها تلاحظ بازدياد في مناطق الروضة وحبان ورضوم وميفعة.
ساقية نقب آل الشقاع
نستخلص من العرض السابق أن التقنيات التقليدية المتبعة في محافظة شبوة وضعت لتحقق أغراضاً كالسواقي للري والكرفان للشرب والبناء والجوابي الواقعة بين المرتفعات لتلبية حاجة الرعاة والمتنقلين بين الشعاب وممرات الوديان.
كما خدمت هذه التقنيات حاجة السكان من المياه في فترة ما قبل التوجه نحو حفر الآبار الجوفية أي ما قبل الستينات من القرن العشرين وما تبقى منها عملياً هي تقنية السواقي التحويلية ودفاعات الجابيون كحماية للأرض الزراعية من الجرف, ولتوجيه مياه السيول صوب الأرض الزراعية. ومن المعروف أن حضارة حصاد مياه الأمطار والسيول في محافظة شبوة ارتكزت على تقنيات مثل الكرفان والجوابي والسواقي الترابية وغيرها وهي تمثل قطعة مهمة من الموروث الحضاري الذي يدل على حسن تكيف الأجداد مع البيئة وتطويعها لصالح الإنسان وتقدير قيمة الماء الذي جعل الخالق منه كل شيء حي.
ولهذا نقترح أن يعاد صيانة وتطوير هذه التقنيات التي توجد بالقرب من القرى والمدن الريفية ويتم استخدام ما تخزنه من مياه لتلبية حاجة الثروة الحيوانية من ماشية وأبقار وإبل وغيرها كمصدر لإرواء ظمأ حيوانات وطيور البيئة الطبيعية المنتشرة بين الشعاب والمرتفعات والهضاب القريبة من مراكز الاستيطان البشري.
كما يمكن أن تبقى مثل هذه التقنيات معلماً سياحياً يستريح بجواره السياح الذين يتوافدون للاطلاع على الآثار والمنشآت التاريخية الموجودة في مدن محافظة شبوة.
وهذا المقترح الأخير ليس من باب الوصف الخيالي بل يمكن للجهات المسئولة بالتعاون مع جمعية حماية الآثار والموروث الشعبي بالمحافظة تطبيق هذه الفكرة كنموذج مثالي بالقرب من وادي حبان حيث تنتصب مدينة حبان التاريخية وتتميز بوجود شتى أنواع التقنيات القديمة وهي مزار دائم لأفواج السياح الأجانب. وبهذه المقترحات المستوحاة من واقع البيئة المحلية عسى أن نكون قد وفقنا في تقديم شيء يحمل أبعاداً بيئية وتنموية اقتصادية تخدم منطقة حبان.