حبان:أنموذج حي لحضارة العمارة الطينية في محافظة شبوة (4 - 4)

> «الأيام» د. صلاح سالم أحمد:

>
مدينة حبان التاريخية
مدينة حبان التاريخية
شبوة.. التي أعرفها.. شبوة الموقع والمساحة والسكان.. تقع محافظة شبوة في القلب الجغرافي للجمهورية اليمنية.. وتمتد حدودها الإدارية شمالا نحو صحراء الربع الخالي المتداخلة بين اليمن والمملكة العربية السعودية. وتطل جنوبا على خليج عدن والبحر العربي... وشرقا تحدها حضرموت وغربا تجاورها محافظات مأرب والبيضاء وأبين اليمنية بينما تشغل شبوة فلكيا خطي طول 30, 45 -48 شرقا وأدنى حد جنوبي لها يتطابق مع دائرة العرض 13 شمالا أي شمال خط الاستواء.

تبلغ مساحة محافظة شبوة نحو 73908 كم مربعة, أي مايقرب حوالي 13,3 % من أرض اليمن . بينما يصل عدد سكانها (468352) نسمة، وفقا للتعداد السكاني لعام 2004م وأكثر جهات المحافظة سكانا شمالها الغربي وجنوبها الشرقي، ويعتبر عدد سكان شبوة قليلا مقارنة بالمساحة الجغرافية التي تشغلها.

ومن المتوقع أن تشهد شبوة نموا سكانيا بفعل النشاط العمراني والتجاري فيها ووعوديتها بالموارد الخام المعدنية في مقدمتها النفط والغاز. ولعل ما يبرهن على ذلك أن محافظة شبوة سجلت أعلى معدل نمو سكاني في العاصمة عتق ، حيث وصل هذا المعدل إلى 29.82 % سنويا وهو أعلى معدل نمو على مستوى عواصم محافظات الجمهورية اليمنية (راجع تعداد 1994) وهذا يدل على أن هناك هجرة داخلية من الريف إلى الحضر حيث يتدفق سكان الأرياف للاستقرار في مدن المحافظة وخصوصا عاصمتها بدافع الارتباط بالعمل أو البحث عن عمل وتحسين مستوى المعيشة أو نتيجة لتوفر الخدمات ..ناهيك عن الهجرة الداخلية من محافظات الجمهورية إلى محافظة شبوة كالأيدي العاملة وأصحاب الوظائف الحكومية وبعض المستثمرين.. إلا أن هذا النمو السريع يشكل أثرا سلبياً من خلال ازدياد الضغط على إمكانيات الخدمات المتوفرة ، الأمر الذي يضع على عاتق السلطة المحلية التفكير بالمخطط الذي يربط بين التوسع السكاني وتحديث وتقوية خدمات الكهرباء والمياه والمجاري الصحية وغير ذلك من الأشياء الضرورية للاستقرار.

أهمية موقع شبوة عبر التاريخ

أطلق اسم شبوة على المحافظة نسبة إلى مدينة شبوة التاريخية التي كانت آنذاك عاصمة مملكة حضرموت اليمنية القديمة.. وعرفت بالمركز التجاري لها حيث كانت تجمع فيها سلع البخور واللبان.. ومنها تنطلق القوافل التجارية إلى سائر أنحاء الجزيرة العربية وصوب مناطق البحر المتوسط..لازالت آثار هذه المدينة تحتفظ ببقايا الجذور الحضارية في الجزء الشمالي الشرقي من المحافظة ضمن مديرية عرمه.. وقد عثر فيها الكثير من نقوش وأطلال القصور وهياكل السدود. وقد اشتهرت محافظة شبوة تاريخيا بمينائها البحري الشهير (قنا) الذي مثل شريان التجارة مع شرق أفريقيا وبلاد السند وفارس وعمان . ومنذ العصور التاريخية الموغلة في القدم كان مرفأ قنا ملتقى لسلع البر والبحر.. ومنه تصدر سلع اليمن كالبخور واللبان والأحجار الكريمة ..وإليه ترد سلع شرق أفريقيا النفيسة وتوابل الهند.. ولازالت آثار مدينة قنا ماثلة للعيان في المنطقة الساحلية الجنوبية لمحافظة شبوة من خلال الكتابات الأثرية والصهاريج وبقايا الحصون والقلاع ومستودعات خزن السلع الواقعة بجوار أرض المرفأ وهي خير شاهد على حضارة سادت.. ويتوقع إحياؤها إذا ما تم تحقيق استثمار الموارد الإستراتيجية التي تكتنزها هذه المحافظة على أكمل وجه. ولم تقف الأهمية الجغرافية لموقع هذه المحافظة عند حد عاصمتها التجارية القديمة شبوة.. وحيوية مينائها قنا بل كانت معظم مناطقها عنونا بارزا في تشكيل ملامح لاتنسى من صفحات التاريخ اليمني.. ففي أحضان وادي بيحان الذي تجري مياه سيوله في الجزء الشمالي الغربي من المحافظة، هناك أرست مملكة قتبان قواعدها الحضارية وعاصمتها تمنع التي لاتزال تشاهد آثارها في منطقة هجر كحلان. وفي ميفعة تبدو آثار حصن نقب الهجر الذي يعد متحفا تاريخياً لحضارة الحميريين. بينما تحكي لنا أرض مرخة وتروي قصة نشوء وتطور تاريخ مملكة أوسان اليمنية التي لازالت آثار عاصمتها مسورة مطمورة في ثنايا تربتها ذات الخصب الحضاري. وهكذا كان موقع شبوة عبر التاريخ ..ألم يكف لتأكيد أهميته قيام ثلاث ممالك يمنية في هذه الأرض.. حضرموت - قتبان- أوسان..؟!

ساقية نقب آل الشقاع إحدى سواقي المياه في حبان
ساقية نقب آل الشقاع إحدى سواقي المياه في حبان
آثار شبوة في متاحف العالم

كانت شبوة ولازالت أغنى مواقع التاريخ اليمني وما تدفق علماء الآثار والمؤرخين إليها منذ مطلع القرن التاسع عشر إلا خير برهان على ما تحتويه من كنوز أثرية, حيث زارها الأمريكي ويدل فلبس والبريطاني فلبي والعالمة الفرنسية جاكلين بيرن والعالم السوفيتي سيرجي شيرنسكي .. وتحتل نقوشها وقطعها الأثرية أجنحة بارزة في المتاحف اليمنية مثل المتحف الوطني في عدن وفي المتاحف الدولية في كل من ألمانيا وتركيا وبريطانيا والنمسا.. ولازالت أفواج السياح الأجانب تحرص على زيارة معالم شبوة التاريخية مثل مدينة حبان .. التي تحتفظ حتى اليوم بطرازها المعماري وكأنها تحفة تاريخية أثرية بحجم مدينة، تقاوم معاول الزمان ولم تتخل عن أصول المكان.

شبوة وتنوع الموارد الاقتصادية

تعد محافظة شبوة من بين أهم المحافظات اليمنية المتميزة بتعدد مواردها الاقتصادية سواء الزراعية كالقمح والنخيل أو موارد النفط والغاز والمعادن الأخرى.. أو البحرية كالأسماك والأحياء البحرية الأخرى..أو السياحية من خلال انتشار المناطق والمعالم التاريخية والأثرية فيها.. وكذا سياحة الطبيعة. ففي شبوة تزرع أجود أنواع القمح البلدي في كل من نصاب وبيحان، وبها أجود أنواع ثمار النخيل في كل من واحات النخيل في غيل بن حبتور وفي خورة وهدى وعزان ولماطر ومناطق أخرى من شبوة. بينما تتمتع مديرية عرمه والطلح ..وبيحان بكنوز الأرض من النفط والغاز.

شبوة بلاد النفط والغاز

تتوفر في أرض شبوة القباب المحلية التي تشكل أفضل مصايد النفط والغاز ويكاد يكون النصف الشمالي من شبوة معظمه صالح للتنقيب والاكتشافات النفطية لتوافر الشروط الممتازة التي تؤشر إلى إمكانية وجود النفط.

وكما هو معروف تعتبر شبوة محافظة نفطية منذ إعلان اكتشاف النفط فيها (أبريل 1986م) وإلى اليوم تتهافت عليها عشرات الشركات العالمية (وفي هذا الموضوع لنا مقالة علمية خاصة سنتناول فيها جيولوجية وجغرافية النفط في شبوة ، سوف نقوم بنشرها في عدد لاحق إن شاء الله).

شبوة... الشهد الجرداني

تنتج محافظة شبوة مايقارب %25 من إنتاج العسل اليمني الممتاز ذي المنفعة الصحية والغذائية مثل العسل الجرداني الذي تغنى به الشعراء وشبهوا حلاوته ومذاقه بالمحبوبة، وكذا عسل يشبم ويطلق على أجودة تسمية (البغية)) الذي يمتص النحل رحيقه من ثمار شجرة السدر (العلب) ويصدر بكميات كبيرة إلى الدول المجاورة.

شبوة... السياحة

تعد محافظة شبوة متحفا سياحيا يمكن للسائح والزائر أن يتجول في أروقته على الطبيعة حيث لاتخلو مديرية من مديرياتها من وجود مواقع أثرية وسياحية وتاريخية بدءا من الآثار التي تدل على حضارات العصور القديمة ممثلة بالممالك والدويلات أمثال قتبان وأوسان وحضرموت ومرورا بالمدن التاريخية المطمورة والظاهرة على سطح الأرض والتي تعود إلى مئات السنين وانتهاءً بسياحة الطبيعة كواحات النخيل والسواحل الدافئة حيث المناظر الخلابة عند واحات غيل بن حبتور وشواطئ ساحل أمبح وبئر علي برماله البيضاء التي تفوح منها رائحة اللبان، ناهيك عن سياحة الأماكن الصحية والعلاجية حيث توجد عيون وينابيع المياه الكبريتية الحارة والدافئة في منطقتي رضوم والحوطة.. كما تتزين (حيود شبوة)-جبالها- بانتشار ظاهرة النقوش على جدرانها والماثلة للعيان في العديد من المواقع والمواضع الجغرافية على جبال الصعيد وجبل العقله وفي وادي عبدان ومناطق أخرى متفرقة.

شبوة... والموروث الاجتماعي الأصيل

تتميز شبوة بكونها زاخرة بفنون تراثية وعادات وتقاليد.. ففيها الحرف التاريخية كحياكة المعاوز الشبوانية الأصيلة، والحدادة.. والصناعة الخزفية العريقة.. وفي شبوة الشعر والشعراء الشعبيون على مستوى عال.. تجدهم في كل مديرية ومنطقة وقرية (يشلون) الزوامل في المناسبات الدينية والأعراس ..في شبوة الحكمة والحكماء وبها الأمثال الشعبية التي لا تبلى مع الزمان وبها رجال حباهم واجتباهم الله بالخلق الكريم والعلم.. رجال حلم وقوة وعفو عند المقدرة.. فتشوا عنهم ستجدوهم ولاتغرنكم قضايا الثأر فيها... هكذا هي شبوة عندما ننظر لها بعيون ثاقبة تستلهم الماضي الحضاري وترنو للمستقبل ، فسنجدها محافظة عميقة الحضارة وذات موقع جغرافي عبقري.. غزيرة في الموارد.. ورائعة في طبيعتها الخلابة.. وكريمة وأصيلة في عادات إنسانها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى