عدن: منبر الإشعاع وعراقة التاريخ

> «الأيام» فردوس العلمي:

>
الأمس هو أحداث اليوم تكتب تاريخ الغد، وهو رؤية تحكيها الأيام وتسطرها الأحداث لترسمها على صفحات الزمن لتبقى تاريخ إنسان ووطن، لذا لكل منا تاريخ يحكي ماضيا تتعرف من خلاله على أحداث مضت، كونت ثورات إنسان وتاريخ وطن، ولعدن تاريخ، مهما مرت السنون يبقى شامخا يحكي حكايات وبطولات شاهدتها الأرض عبر التاريخ، ورسمت ملامحها على واجهات مبانيها وفوق جبالها.. فلكل شيء أصل وعدن أصل التاريخ والعراقة.

وخلال الفترة الماضية تعالت الصرخات الغيورة تحاول وقف عبث طال واستهدف معالم عدن التاريخية والأثرية، وفي الأمس ضاع تاريخ ديني عريق حواه مسجد تاريخي عتيق.. وباسم التجديد وبجرة قلم ضاع ذاك التاريخ ولم يبق من مسجد أبان غير اسم يحمل عبق المكان وتاريخ محي من الوجود ولكن بقي خالدا في ذاكرة إنسان عاش ذاك الزمن.

هذه الحال دفعت ذوي الشأن وأهل الاختصاص إلى إعلان دعوة لحماية التاريخ ولبقاء مدينة عدن محمية تاريخية لها جذورها التاريخية التي تحكي عراقة المدينة وأصالة الإنسان.

مبررات هذه الدعوة والهدف من جعل عدن محمية تاريخية نعرفها من ذوي الاختصاص، وسنسطر هنا بعض الذكريات ممن عاصروا هذه المدينة، وسنعرف في حال ما إذا تعاقبت الأحداث في حاضرنا لتمحو ماضينا هل يستطيع هذا الحاضر بكل تقنياته أن يمحو الماضي إذا كان الماضي في الأساس هو أصل الحاضر؟

«الأيام» تفرد صفحاتها لقراءة أفكار وآراء مختلف الشرائح ليعرف القراء مدى تأصل جذور هذه المدينة في الإنسان وأهمية إعلان عدن محمية تاريخية.

> مبارك سالمين، رئيس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين فرع عدن يؤكد أن «المطالبة بأن تكون عدن محمية تاريخية تأتي كون تاريخ أي مدينة هو ذاكرة شعب وذاكرة أمة في هذا الفضاء».

ويضيف: “هناك شيء من الإهمال واللامبالاة تجاه الآثار والمعالم التاريخية التي تؤرخ هذه الأماكن، وكثير من هذه المنشآت التي تم السطو والاستيلاء عليها كان بالإمكان أن تكون منشآت ثقافية، كلها تحولت إلى منازل خالية من أي معنى تاريخي إلى جانب عدم الإكتراث لترميمها».

مؤكدا أن «بعض تلك المنشآت ممكن أن تكون منشآت ثقافية كما هو حاصل في كثير من الدول العربية وهي تمثل واجهة حقيقية لهذا البلد أو ذاك، وعدن مدينة مهمة في إطار اليمن، ولم يتم الاعتناء بها ولم تنج من العبث المستمر الذي يبرز عدن كفضاء أيديولوجي بحري مفتوح على العالم، لهذا كان لابد من مؤازرة هذه الدعوة التي أطلقتها جمعية التاريخ والآثار، ونحن نعتبر أنفسنا أصحاب شأن في هذا الموضوع».

>هيفاء عبدالقادر مكاوي مدرسة الآثار الإسلامية قسم الآثار كلية الآداب/جامعة عدن تقول:«عدن معالمها وآثارها التاريخية تعرضت للطمس والتدمير تحت مسمى الترميم والاستثمار»، وتؤكد أن «عملية التأهيل الجارية حاليا لبعض المواقع الأثرية تتم بصورة غير علمية للآثار، وتمت من قبل أناس لا يمتون للآثار بصلة، وهو ما قد يغير معالمها التاريخية، أو ربما يتم إزالتها مثل مدرسة أبناء السلاطين التي سوف تنهار بسبب أعمال التكسير الحاصلة بالقرب منها في جبل حديد، وإعلان عدن كمحمية تاريخية سيعيد الاعتبار لهذه المدينة ذات الشهرة التاريخية الموغلة في القدم، سوف يحافظ على معالمها وآثارها العديدة والمتمثلة بالمساجد والكنائس والمعابد والقلاع والأبراج والأسوار والصهاريج والأسواق والمنازل القديمة ذات الطراز المعماري المميز، وسيحد من العبث ويقف أمام الراغبين بالاستثمار كيفما كان وإن كان على حساب آثار ومعالم عدن، مطالبة بضرورة الإسراع بهذا الإعلان إلى جانب حصر وتوثيق معالم وآثار عدن، وإعداد خارطة بمواقعها الأثرية، وكذا إيقاف مشروع هدم بريد عدن، الذي قد يؤدي بدوره إلى هدم منارة عدن، كما نطالب بفتح مجمع جبل حديد أمام السياحة خاصة الذي يحتوي على عدد لابأس به من المواقع الأثرية».

وتحدثت عن ما أصاب مسجد أبان الذي لم يتبق منه غير الاسم فقط وما يزيد قلقها أن يطال هذا الطمس ما تبقى من أثر مثل برج الصمت وكهوف البوميس ومعابد الهندوس وبعض مدارس عدن القديمة.

> ويؤكد الزميل نجيب يابلي الكاتب الصحفي المعروف أن «العناية بالآثار والمعالم وصيانتها سلوك دأبت المجتمعات الحضرية والمتحضرة على التمسك به من ناحية وتفصح عن ثقافة أصحاب ذلك السلوك من ناحية أخرى، ولو ذهب أحدنا إلى أي مدينة من مدن الشرق أو الغرب لشاهد الكلاسيك في العمران والمرافق الأخرى، فهذا وذاك محوره الإنسان».

ويوضح أن «أسباب إعلان عدن محمية تاريخية عديدة منها: أن الآثار تكمن قيمتها في أنها أدت وظيفتها في زمن من الأزمان الغابرة، لكن صهاريج عدن تعتبر أثرا مايزال يؤدي وظيفته».

ويضيف اليابلي: «معالم مدينة عدن متنوعة وذات طابع كوسموبوليتاني فتجد فيها معالم هندوسية وفارسية (طائفة الفرس في الهند) وكاثوليكية ويهودية جنبا إلى جنب مع المعالم العربية والإسلامية، والتعدد في الديانات والثقافات هو من سمات المجتمع المدني، بل هو جوهر الديمقراطية وتعايش الديانات والثقافات، وهذا أمر لا يسر ولا يسعد قوى معينة تتغذى بالعصبية وتقتات بالجهل، وهي من أكبر المعوقات في طريق النهضة والتقدم».

ويواصل قائلا:«إن حماية الآثار والمعالم حق من حقوق الإنسان المكفولة للمجتمعات المحلية في الأساس، فلكل مدينة خصوصياتها، وعلينا احترام تلك الخصوصيات، ومنها ننطلق بصناعة النسيج الوطني وبدون احترام المحليات يصبح الحديث عن الوطن مجرد مزحة».

> وتقول د.أسمهان العلس في هذا الصدد: «دعوتنا إلى إعلان عدن محمية تاريخية لها أسسها الجغرافية والتاريخية والثقافية، إذ إننا قد حددنا الإطار الجغرافي لهذه المحمية بعدن القديمة فقط والمعروفة (كريتر)، أما الأسس التاريخية لهذا الإعلان، فإنها تستقيم على عراقة التاريخ التي تختزن عدن ملامحها القديمة والإسلامية والحديثة، ومن هنا فإننا نطالب بعدن محمية تاريخية لا آثارية فقط، بسبب ما تحتفظ به هذه المدينة من معالم ما زالت شاهدة على خصوصية عدن، ومن هذه المعالم مظاهر التخطيط الحضري والبناء المعماري المتميز واستخدامات مواد البناء، وهذه ثروة معمارية يجب المحافظة عليها، بل أن ملامح النشاط الثقافي لعدن الذي تأسس منذ نهاية القرن التاسع عشر يشكل دافعا آخر وراء دعوتنا لإعلان عدن محمية تاريخية. إن موروث عدن الأثري والمعماري والثقافي والإنساني مفخرة قومية لليمن بأسرها فقد كانت عدن السباقة بهذه النشأة على مستوى الجزيرة العربية».

وتضيف د.أسمهان: «مسألة أخرى أوجهها للأخ محافظ عدن أن الدعوة لإعلان عدن مسألة ملحة نظرا لاعتبارات عديدة، لكن الأهم من ذلك أن نوقف أعمال الترميم والبيع والهدم لكل المواقع التاريخية سواء الواقعة تحت سلطة المحافظة أم المملوكة للأهالي، والإسراع بتفعيل الإجراءات الكفيلة بعدم تغيير ملامح هذه المواقع أو هدمها.

إن الجمعية في دعوتها لا تمنع المواطن المالك لبيوت أو عقارات ذات سمة معمارية من الاستفادة من أملاكه، لكنها تدعوه إلى الترميم والتوسيع والاستثمار وفق الطراز المعماري الفريد الذي يعد فخرا لعدن ولليمن، بل أن الجمعية لاتقف في دعوتها لإعلان عدن محمية تاريخية ضد توجهات الدولة في الاستثمار أو بناء المرافق التطويرية، لكنها تدعو إلى كل ذلك في إطار المحافظة على معالم عدن وعدم استهدافها، بل إن إعلان عدن محمية تاريخة هو الاستثمار بعينه، لأنه يوظف معالمها لخدمة السياحة وتنشيط الأعمال الثقافية وتشغيل الشباب بالأنشطة المتصلة بالسياحة والأعمال الحرفية وهذا هو الاستثمار الصحيح.

إن ما يجري في مبنى المجلس التشريعي وجبل صيرة وهضبة عدن وجبل حديد أمر مؤسف وخطير، لأنه يجري دون إشراف الهيئة العامة للآثار والمتاحف -عدن، أو إشراف المتخصصين اليمنيين، بل إن جرف الحجارة والتربة ونزع الأبواب والنوافذ بموقع المجلس التشريعي جريمة ثقافية، هذه المعالم تعيش اليوم ما عاشه بالأمس مسجد أبان الذي هدم، ورميت محتوياته إلى الشارع دون حسيب أو رقيب.. أنادي المحافظ بوقف هذا العبث تحت مسمى الترميم للمواقع التاريخية، وهذا الوقف هو أول إجراء عملي على طريق إعلان عدن محمية تاريخية».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى