أطفال اليمن يعيشون و يكبرون في الشوارع ويتركون للمجهول

> «الأيام» الخضر عبدالله محمد:

>
اطفال يبحثون عن قنينات المياه الفارغة لبيعها
اطفال يبحثون عن قنينات المياه الفارغة لبيعها
تتألم عندما تشاهد طوابير من الأطفال العاملين في الشوارع والجولات وأسواق الخضار والفواكه، وفي المطاعم، ومواقف الباصات، يمارسون مختلف المهن يبيعون الماء ليحصلوا على الماء، يتركون المدرسة ليبيعوا الصحف والأقلام على قارعة الطريق، يبيعون الضوء ليحصلوا على قيمة الشمع، يبيعون صور وأخبار الوزراء والنواب وهم الصورة والخبر والموضوع والقضية ويبيعون الصحف في الشوارع والأزقة من أجل كسب لقمة العيش لهم ولآبائهم وإخوانهم. هكذا هي حياة أطفال اليمن منذ خروجهم مبكراً أي قبل بزوغ الفجر حتى غروب الشمس، وهم يبحثون في الشوارع ومنهم من يقضي نحبه في حادث مرور أو غيره فتكون حياته بدايتها في الشوارع ونهايته فيها.. نعم.. تتألم لكن ستتألم أكثر وستبكي بحرقة عندما تنزل إليهم وتسمع منهم حالات أسرهم الموشحة بلون المأساة، أخرجتهم الظروف وضاق بهم البيت ولم يسعهم الشارع.

أطفال الشارع وعزة النفس

أنا لست متسولاً أو شحاذا.. قالها طفل صغير لم يتجاوز الثامنة من العمر كان يحمل في يده كرتوناً صغيراً ويعرض على الناس: ياعم! يا أستاذ! ياحاج!.. تشتوا حاجة؟؟ يدعوهم ويحاول عرض بضاعته مستخدماً كل أساليب ووسائل العرض والترويج المتاحة، بإلحاح شديد لا تملك إلا أن تشتري منه ولو حتى من باب العطف والتشجيع، أحدهم أخرج نقوداً وأعطاه إكرامية.. واحمر وجه الطفل، وطأطأ رأسه خجلاً فقال:«يا هذا تشتري مني أنا لست متسولاً أو شحاذا»، تمنى الرجل لو أنه لم يعطه ، حاولنا إقناعه، ولكن رفضها الطفل القانع الإنسان بأنفة كبيرة وعزة نفس عالية.

ثلاثة أشقاء يعملون من أجل علاج أبيهم

مررت بأحد الشوارع فرأيت ثلاثة أشقاء عمر أكبر واحد لا يصل الثالثة عشرة، يعملون في الشارع سألتهم عن الأسباب ولماذا تركوا منزلهم، فأجابني أحدهم وهو يتنهد وكاد أن يذرف الدموع:«أبونا عاجز عن العمل ولا يستطيع أن يعمل، لأنه مريض بفشل كلوي، ورجله مكسورة، ولا يوجد لديه أي مال».

أطفال يكابدون الحياة القاسية في الشوارع

في تلك الجولات تحت حرارة الشمس المحرقة أو أمام تلك المطاعم المتخمة بأنواع الوجبات وألذ الأطعمة أطفال جياع، قصص مبكية، ومشاهد ما أقساها، مواقف تثير في النفس الرهبة والرعب ومصادفات تدهشك فيها حياة أطفال بطعم العلقم.. حذاء أحدهم البلاستيكي ممزق، وبدلته البالية في حالة رثة، تلبيسات مقود السيارة ملفوفة على عنقه، ويتأبط ملصقات وميداليات وزين السيارات في غترة قماشية مربوطة بشكل محكم.. أطفال أيديهم تحمل عروضاً لأنواع البضاعة التي يحملونها، ويغامر أحدهم بالمشي بين السيارات غير آبه بما قد يحصل ومستعد لأن يتعلق على السيارات إلى أبعد الجوالات لاستيفاء الحساب.

يا للعار..!! أطفال لم تصل أعمارهم العاشرة بعد يعملون من أجل تخفيف الأعباء، أو إعالة مريض، أو إعاشة أسرهم .

> الطفل فهمي مقبل صالح، لم يصل عمره العاشرة بعد، يعمل من أجل تخفيف الأعباء التي تواجه أسرته بإرسال بعض ما اكتسبه من المال إلى قريته ليكمل ما نقص على أسرته من الاحتياجات الضرورية للحياة القاسية في ظل غلاء الأسعار.

أما الطفل ياسر حسين قاسم، يعمل في الشوارع ليلاً ونهاراً ولم يتجاوز عمره الثانية عشرة ، حاملاً بين يديه عروضاً لأنواع البضاعة التي يبيعها ويرسل بعض المال الذي ادخره لوالده لمصاريف العلاج من المرض الذي ألم به والذي جعله عاجزاً عن العمل.

الماء والخبز والكهرباء والمرض

الأطفال عبدالعزيز ناشر وأيمن عبده ومهند، يبيعون صحفاً ومجلات، ومصاحف، موزعين على الشوارع والجولات، أخرجهم هم مشترك وهو الحصول على الماء والخبز والإيجار والكهرباء والمدرسة أو مرض عائلهم وأشياء كثيرة، يزاحمون كثيراً من الباعة الصغار والكبار أيضاً، والمتسولين كذلك، يتسابقون على أبواب السيارات أمام إشارات المرور، تظهر على ملابسهم النظافة والتواضع ، فهم خرجوا مضطرين ، فإذا لم يخرجوا الآن فسيخرجون في أوقات أخرى، لأن أسرهم لا تملك ما يوفر لهم ضروريات الحياة وأساسيات البقاء.

أطفال بين المحاسبة في الحافلات (كراني) وقساوة الشوارع

بعض الأطفال اضطرتهم الظروف القاسية أن يغادروا مع كثير من أقرانهم القرية إلى المدن الحضرية ليعملوا أي عمل كان تاركين دراستهم التي اكتفوا بالتعليق عليها:«أهم شيء أننا نعرف نكتب لآبائنا الرسائل ونقرأ الجواب».

هؤلاء الأطفال فارقوا حنان الأمهات ودفء المنازل تستقبلهم الحافلات (باصات) بين المدينة والأخرى ذهاباً وإياباً، حيث أصبحت هذه الحافلات لهم غرفاً للنوم في وقت متأخر من الليل، ملتحفين ببطانيات المقاعد داخلها، محاسبين في النهار، وحراس في الليل يكابدون البطانيات المحملة بوابل من الأتربة يأخذونها من على مقعد (السواق) وفي الصباح يرجعونها إلى مكانها.

> وأطفال آخرون تؤويهم (بسطات) الخضار في الشوارع والأسواق يدسون أنفسهم فيها تحت غطاء (شمع أو كرتون أو شوالة)، ليمتدوا وسط جدران مرصوصة من كراتين وسلال وصناديق الخشب.

طفل يعمل كهربائي سيارات بإحدى الورش
طفل يعمل كهربائي سيارات بإحدى الورش
أطفال يقومون بعمل يضاهي عمل الكبار

تندهش وتتعجب كثيراً عندما تشاهد أطفالاً صغاراً في السن لا تصل أعمارهم الخامسة عشرة يقوموت بأعمال لا يستطيع أن يقوم بها كبار السن، فترى الأطفال مقسمين بأعمالهم، فأطفال يعملون بالورشة كميكانيكيين ويقومون بتصليح السيارات التي تعرضت للعطب والبعض الآخر يعمل (بنشري)، فيقوم بتصليح إطارات السيارات وتغيير الزيوت لها وعملهم هذا يتكلل بالمكابدة المرة، ومن الأطفال من يشتغل حمالاً في حمالة البضائع وأجرة البسطات (العربات) وعملهم الشاق هذا لايتوقف أبداً حتى يداهمهم النعاس فيرضخون للنوم و تكون الكراتين فرشاً لهم على رصيف الطرقات.

عمال البلدية.. يشكلون رعباً لدى الأطفال

عمال وسيارات البلدية أصبحت تشكل رعباً لدى الأطفال، وتبعث حالة من الارتعاش والترقب وهنا مأساة طفل يترقب كان يدفع عربيته الصغيرة (ثلاثة كفر) بشكل سريع ويتلفت حوله يحاول أن يسرع حتى تقطع حذاؤه البلاستيكي ، خرج من الإسفلت ليدخل حارة شوارعها مائلة ومتعرجة (مطبات) لم تكن معبدة بعد مما أدى إلى تساقط حبات البرتقال التي كان يلتقط بعضها ويترك الأخرى ، في المرة الأخيرة ترك العربية ورجع إلى الخلف يجري لأخذ بعض الحبوب المتساقطة لكن العربية التي كانت في مكان منحنٍ انقلبت!! بكى الطفل الذي لم يبك حتى تلك اللحظة، أخذ يجمعها بمساعدة أطفال صغار، وسألته لماذا تهرب يابطل وتدخل إلى هذه الشوارع المتعبة فأجاب:رأيت سيارة تشبه سيارة البلدية!.

آباء وأمهات يتنازلون عن أطفالهم ..

هناك آباء وأمهات من الذين تنزع الرحمة من قلوبهم يذهبون بعد خلافاتهم الزوجية إلى المحاكم كي يتنازلوا عن أولادهم وبناتهم!! أناس لا يحملون شهادات الإيمان ولا يطبقون شرع الله عز وجل فذلك ما يحدث في مجتمعاتنا.

أمر طبيعي بالنسبة للرجل أن يتنازل عن أولاده، كما سمعنا من أحد الأطفال الذين قالوا بأن أباءهم رفضوا أن يعيشوا معهم بسبب عدم قدرتهم على تحمله مسؤوليتهم وأخطائهم والمدهش والمذهل أن الأم أيضاً ترفض وجود أطفالها معها لوجود زوجها الآخر ،الأم القلب الحنون والرءوف! فأين هي تلك الأمهات من ذلك الوصف؟!

>الأطفال الذين ألقى بهم آباؤهم وأمهاتهم إلى الشوارع في قصصهم من الألم ما يفوق قصص الأطفال الذين يتم التنازل عنهم في أقسام الشرطة أو المحاكم ليتم إيداعهم في دار الأيتام أو دور الرعاية، أطفال الشوارع يتزايدون لا بطائق تعريف ولا أسماء لهم، فهولاء يرتكبون أخطر الجرائم وفي حالة القبض على أحدهم يحبس لمدة شهر ليخرج من السجن أكثر إجراماً مما كان عليه.

حكاية الأطفال المحزنة في بلاد اليمن

بينما كنت أحتسي الشاي في إحدى المقاهي إذا بطفل في الثانية عشرة من عمره يمد يده ويقول لي (ساعدني)، حاد في ملامحه لحوح في طلبه طلبت منه بأن يشتري لي (ورق بياض) من المكتبة عاد ومعه الأوراق وباقي النقود! فشكرته وسألته عن اسمه فقال لي إن اسمه نادر ولا يدرس، لأن والده رفض تعليمه «بسبب ظروفه التي لا تسمح له بتعليمي»، كما أن والده لا يعمل وهو يتيم الأم و يعيش مع والده وأخته و زوجة والده، طلبت منه التقرب والجلوس بجواري وإذا به يحدثني ببراءة طفل ساقته الأقدار لتحمل المسؤولية وعبء الحياة. كان حواراً على الهامش دون علم منه بأننا سنقوم بسرد حكايته، حيث قال:«أنا أعمل في ورشة وأحياناً أحمل لو في بضاعة وأنا سعيد بالعمل وأهم شيء عندي هو إدخال مصروفي ومصروف أختي التي تدرس في الصف الرابع الابتدائي وأنا أصرف عليها ، والدي لا يصرف ريالا علينا كل همه أن أعطيه الفلوس، وإذ لم أعطه يطردني إلى الشارع ويقولي روح بيت خالك، كما أوفر لأختي قيمة كتب ودفاتر وأقلام وحقيبة مدرسة وكذا مصروف»، بعد صمت قال لي: «أنا رجل ممكن أشتغل في أي شيء وأحصل على المال، لكن أختي فتاة من لها غير تعليمها لن ينفعها غير تعليمها»، كان يحدثني وأدهشني بأفكاره ونظراته للبعيد ومدى أهمية العلم بالنسبة للمرأة عكس الرجل.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى