وما أنــا..

> فضل النقيب:

> الأوائل الكريتوية التي نشرتها الأحد الماضي نسبة إلى كريتر أشجت وأبكت، لأن هذه المدينة الدهرية قد نسيت طعم النجاح الذي يصنعه عادة الأوائل في العلوم والفنون والصنائع والتجارة واقتحام فضاءات العالم بسماواته وبحاره وصحراواته، فكنت بذلك كمن يذكر الحزينة البكاء، فما أوردته قد يليق بقرية نائية أو ضاحية نائمة، لكن وكما يقول المثل فإن «الجود من الموجود» وما أنا إلا..:

وما أنا إلا من غزية إن غوت

غويت وإن ترشد غزية أرشدِ

وكنت قد قابلت الليلة السابقة بعد أن أسدل الليل سدوفه صديقي سعيد عولقي على جادة حزب (التجمع) الذي تيتم بعد رحيل قمره المضيء عمر الجاوي، فسألته عن الحال فأجابني بما ذكرني بقول البردوني لأبي تمام:

ماذا أتعجب من شيبي على صغري

إني ولدت عجوزا كيف تعتجبُ

سعيد عولقي قال لي إنه اعتزل الكتابة، ونعاها في إعلان للقراء، ونصحني إن كنت أحب الحياة أن أفعل مثله، فقلت له لكل أجل كتاب، ومع ذلك فإن النصيحة غالية «الطلب رخيص، والطالب أغلى» ويا ابن العولقي:

إذا أردت كميت اللون صافية

وجدتها وحبيب النفس مفقود

لقد جربت ولكن اللا حرف أمعن في الضياع من الحرف، فـ «دعني أبادرها بما ملكت يدي» كما يقول طرفة بن العبد.

من ذلك الركن الأثير إلى قلبي التفت صوب مطعم البحر الأحمر، وتذكرت العم علي العرشي الذي ما وضع يده في أمر إلا جاء آية في الجمال والذوق الرفيع، ومثلما أصيب التجمع في عمر أصيب المطعم الشهير في تقاعد العم علي، وهو اليوم مغلق، رغم أن اسمه بالنسبة لعدن هو مثل تويوتا لليابان وماكسيم لباريس ورولزرويس للندن، أما من مستثمر يعيد الحياة إلى هذا المعلم؟ وأن الأمر كما قال الشاعر:

لقد أسمعت لو ناديت حيا

ولكن لا حياة لمن تنادي

قلت أمر على صديقي جعفر مرشد في (البخّار) المضياف، الذي نسميه بيتا من باب التفاؤل، كما نسمي الأعمى بصيرا، وكانت المفارقة أن صديقي نجم عوالم الرياضة والكتابة والتوثيق أصبح يجاور قطب الأموال السائلة الصراف الشهير (الصيفي)، وطبعا جعفر قديم في المكان قدم شمسان، ولكن الصيفي هو الجديد بأضوائه وحركته الدائبة وحشود المتسولين على أبوابه، فسبحان من جمع النّيّرين!.

المهم، أعطاني جعفر مجلدا لجريدة «فتاة الجزيرة» يحوي أعداد عام 1942، وكان المجلد رفيقي في ليالي الأرق الطويلة بفندق (العامر)، ولكنه نعم الرفيق، فقد سعدت بقراءة افتتاحيات محمد علي لقمان المحامي التي صالت وجالت بأستاذية في مختلف الشؤون العالمية والعربية والمحلية، كان كاتبا عقلانيا مثقفا واسع الرؤية وشديد الوطنية مع فصاحة وجزالة واستغراق في شؤون الحياة الملموسة وتياراتها المتدافعة، وقد وجدت بغيتي بعد ذلك في المجلد الذي أصدره الدكتور أحمد علي الهمداني لافتتاحيات العقد الأول 1940-1950 من تلك الجريدة الرائدة، فشكرا له.

يبدو إذا لم آخذ بنصيحة صديقي سعيد عولقي أنني سأحدثكم قليلا عن ذلك الزمن الذي نسيه الزمن عشية الحرب العالمية الثانية في عدن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى