الشاعر عارف كرامة.. القصيدة المعفرة والرمز المكنون

> «الأيام» سند حسين شهاب:

> يجمع العديد من المهتمين والمثقفين والمتابعين للشأن الثقافي والفني في لحج أن الامتداد الحالي للعمل الثقافي والأدبي والفني بكل ما تحمله الكلمة من معنى، سواء من حيث النص أم من حيث الشخوص، لم يكن بمستوى رصانة وجزالة وعطاء ما كان سابقا في الفترة التي اتفق على تسميتها بالمرحلة الذهبية لثقافة وفن لحج.

ويذهب هؤلاء إلى أن هذا القول لايمكن أن يعتبر شاملا أو يسري على الجميع كمنظومة متكاملة، ذلك أن هذا الامتداد لايخلو بين الفينة والأخرى من ظهور أصوات أو أعمال أدبية تشكل امتداداً فعليا للأصوات والأعمال السابقة بما تحمله هذه الأعمال من صور جمالية وإبداعية تجبر المتلقين، وفي المقدمة منهم النقاد والمقيمون والمتابعون، على الانشداد إلى هؤلاء المبدعين الجدد ودراسة أعمالهم وتحليلها ووضعها في مصاف الأعمال التي لايمكن إلا أن تشكل إبداعا مضيئا في ظل هذه العتمة إن جاز التعبير.

وإذا كانت الفترة التاريخية الأخيرة التي يردها البعض تحديدا إلى العقود الأربعة الأخيرة شهدت انحسارا ملحوظا في النهضة الأدبية والفنية بلحج، مقارنة بما شهدته لحج في الخمسينات والستينات من زخم نتيجة لعوامل كثيرة، أهمها عدم الاهتمام الكافي من قبل الجهات المختصة، وكذا وفاة العديد من الأعلام الذين كانت بصماتهم واضحة في هذه النهضة، إلا أن لحج أثبتت أنها مدينة ولادة، ظلت تفرز لنا بعض من يمكن أن نطلق عليهم رجال الإبداع الجديد الذين نستعرض منهم اليوم أحد الوجوه الأدبية من هذه الأجيال ونتاجاته المتميزة.

عارف كرامة شاعر فينيقي، انبعث من تحت رماد تاريخ لحج ليوثق فصوله، ورغم أن هذا الابتعاث جاء متأخرا بعض الشيء، إلا أنه أتى متميزا ليلبي رغبة جامحة ظلت تراود أهل هذا الشأن، وهناك جملة من المميزات امتلكها عارف كانت سبيله للوصول إلى هذا المستوى المتميز في منطقة لايخلو بيت فيها من وجود شاعر، وأهم هذه المميزات أن الشاعر مسكون بحب حوطته، وهذا وحده يكفي لتفجير مكامن الإبداع في شخصيته.

فمن يقرأ أو يستمع إلى شعر عارف يجده شعرا معفرا بتراب حوطته، فلا تخلو قصيدة من قصائده من ذكر لحج، سواء أكانت هذه القصيدة ظاهرية أم رمزية.

صباح الخير يا كل الحلا والزين

عايش العقل كم يهوس

جمالش زين ينوسه

صباح الخير وأم الضيف

والمسكين وطيب العيش

والملبس وذي بالله محروسة

ولحج هذه لاتمر مرور الكرام في شعر عارف، ولكنك تجدها بيت القصيد وعنوانه، ومع هذا الشاعر ترحل مع تاريخ يعبق بأريج الحوطة بكل طقوسها موثقا تراثا كاد الإهمال أن يطويه، لهذا تأتي القصيدة سلسة تلهج بمفردات أهلها، لأنها تبكىء على توظيف مفردات ومعالم المدينة.

صباح الخير أم السيل والوادي

نصيف الليل لا نسنس

يرد روحي بنسنوسه

صباح الخير أم أهلي وأولادي

وحال القلب لا وسوس

ذكر أحلام ميئوسة

شكلت الرمزية بدلالاتها المتعددة أحد أهم الأركان في مسيرة الشعر اللحجي، وقد جاءت هذه الأعمال الرمزية لتعبر عن حاجات معينة ظل ينشدها الإنسان، غير أن عوامل كثيرة كانت تقف في وجه من يحاول بثها، فجاءت الرمزية من قبل الشعراء لتلبي هذه الرغبات التي عمقها كثيرا في النفوس أن لغتها كانت قريبة من الناس وملامسة لأوجاعهم لكونها استخلصت من تراث حياتهم. استنتج عارف كرامة أن الرمز كان ولايزال وسيظل هو الرئة التي يتنفس الناس من خلالها، وراح من خلال رمزياته التي كتب بعضها عرضا على قصائد سابقة يجسد ما يراه بشكل واقع الحياة في ظرفها الزمني الحالي متكئا على مسار الحياة بكل عناصرها وإيقاعها اليومي.

وزنا القملي والثور لحمر

وجدنا القملي رجح وقيه

لأنه مجتهد بالأمر أفكر

ومتعرف على خبر البنيه

وحجم المخ هواء في وزن أكبر

شبيه الحب في صدر الغبيه

تصون من مدح فيها وأثر

وباتت للهوى ترقص رضيه

لها جعبل نفخ حلقه وزمر

وصوت يفقع على طبلة نديه

سلا الهبلى عبث في وسط محضر

لها رقصه وقفزه خنفطيه

وحتى القملي وضح وفسر

وأعطى الفرق في حب الذكيه

لها أسلوب به تلعب وتسحر

بشأن الحب رتبتها عليه

وهدت في الهوى دولة وعسكر

وداستها قلوب جمع البقيه

أذيه بعمد والعاشق منه أتخبر

على اللي حبته من صدق نيه

هبيلاء دوبها منه اتخبر

(وسلمى بت حرز) تقلي قليه

تقص لها على قصه مكرر

تشابه حبها في اللاذقيه

يبدو الشاعر عارف كرامة رجلا بسيطا، وهو بهذا يمثل صورة مصغرة لابن لحج المبدع على مدى التاريخ رغم بساطته.

ويعتقد كرامة متفلسفا بالشعر أن بساطة الحياة وإنسانها جاءت كنتاج لعدد من العناصر البسيطة التي شكلت في مجملها قيمة الإنسان، غير أن عارف يتألم وهو يرى أنه لايمكن حتى استرجاع هذه العناصر لكونها قد انتهت بفعل عوامل كثيرة أفضت إلى تعقيد الحياة، فها هو هنا يتماهى مع مقدمة أبيات كتبها الشاعر صالح فقيه، ذهبت تصور هذا الحال:

ملل ملل يا صاح ياصاحب ملل

ليلي وأنا ترقب توضع بالجنين

قد طالت المدة على هذا الحبل

جنينها مكند فيها من سنين

شيء عاد من مخرج لها باقي وحل

أو بنها حسبه لرب العالمين

قالوا الدواء موجود لها بأربع خصل

خصله وراء خصله وربك بايعين

في الأول: كسرة على قشرة بصل

وماء عرق شاقي يقطر عالجبين

والثانية: شمعة تنور بالمحل

تضفي على الحبلى شواعر بالحنين

والثالثة: شمله كساها والبدل

حاكو سوانلها ردافه من ثنين

والرابعة: كلمه بها نعطي السهل

الطلق للمولود في لحظه وحين

من فين لي قدره على هذا وصل

قطر العرق نشف وحب قرصي دفين

والنوب قد سدس شموعه للعسل

لو نطلبه شمعه قبص وأودى طنين

والحيك ماتوا ذي يحيكو في الشمل

حتى دلل لشمال هجوا من بحين

والصعب في الكلمه رجالتها قلل

من حرفها الواحد يصيغوا كلمتين

شفت الخبر مش هوه ولاباين أمل

شفت الحضل مطلوب لها الجهد الثمين

وين الذي سووا لذي الحبلى عمل

يجو يفكوا الرزع والفكه يقين

من قبل أن تصبح عشا أهل الجبل

وفدوها بقري من النوع السمين

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى