حافة الجنوبيين بالراهدة.. خدمات غائبة وإهمال متعمد وبيئة ملوثة

> «الأيام» أنيس منصور:

>
مقلب القمامة القريب من حافة الجنوبيين
مقلب القمامة القريب من حافة الجنوبيين
حافة الجنوبيين بمدينة الراهدة محافظة تعز من الحارات العريقة التي جمعت بين مساكنها جمعا غفيرا من أبناء الصبيحة الذين خرجوا عبر جبال ووديان القبيطة هربا من الحسابات الحمراء والتقارير العسكرية في سبعينيات القرن الماضي، واستقبلهم نظام الشمال (سابقا) واحتضنهم بالمعونات والمساعدات فترة من الزمن، وسقط منهم شهداء في تراب المناطق الوسطى بسبب صراعات الجبهة القومية، وتكونت مساحة واسعة من أبناء الصبيحة على متسع سكاني ومعماري عرف باسم (حافة الجنوبيين).. فيما عاش بعضهم في قريتي الوعرة والديم.

ما يهمنا حاليا بعد اتصالات عديدة بـ«الأيام» للنزول واستطلاع معاناتهم وهموهم بأسئلة وتعليلات كيف يعيش أبناء صبيحة الجنوبيون بالراهدة؟.. من قتل أحلامهم ورقص على آلامهم ولوث بيئتهم؟.. ولماذا فشلت محاولات النافذين والمستبدين ضمهم إلى جدول المستبعدين ولو حتى مع وقف التنفيذ؟.. تفاصيل وإجابات تقنع حيثياتها باختصار في استطلاعنا التالي:

خدمات غائبة

«الكهرباء دائمة الانقطاعات ومشروع الماء لم نستفد منه» هكذا قال منير علي الصبيحي.. مضيفا «الناس هنا بسطاء ومظلومون، وعرضة للأخطار والاستفزازات، نشتري الماء بالوايتات بثمن باهظ، وندفع مبالغ فاتورة مشروع المياه، مع أنه يصل إلينا في الشهر مرة واحدة.. ثم إن جميع حواري الراهدة مسفلتة ومنارة إلا حافة الجنوبيين التي يتم فيها تفريغ القمامة ومياه الصرف الصحي». وأشار الشاب أحمد دحان بعيرة إلى الجهة الشرقية من الحافة نحو مياه الصرف الصحي والمجاري التي يتم تفريغها في حافة الجنوبيين، وإلى الاتجاه الجنوبي الذي فيه مقلب عام للقمامة والدخان المتصاعد منه الواصل إلى منازل حافة الجنوبيين.. وحالات الرعاية الاجتماعية التي أقصي منها كثير من الفقراء والأرامل واليتامى والمساكين والعجزة المسنين.

فيما لخص علي بن علي ما يحدث لهم قائلا: «إننا أحرار تعلمنا وتجشمنا الحرية ونرفض العبودية والاستذلال لأي شخص، والخدمات هنا ليست بيد سلطة المؤسسات التي تساوي بين الناس ولكنها في يد مشايخ متسلطين وهم يريدون منا فقط الخضوع والتسليم والتسبيح بحمدهم، ولكن سنبقى أحرارا مهما كان الثمن». .. وتحدثت الحجة (ن .س.م) قائلة: «ياصاحب «الأيام» لا تتعب نفسك بالسؤال عن حال الحافة، لأن الإهمال متعمد ومقصود، والصحافة تلفت أنظار السلطة في حالة الحرمان من الخدمات بشكل عفوي، أما نحن فهي استهدافات وتصفية حسابات.. وكيلنا الله في الدنيا والآخرة».

أطفال الصبيحة وهم يبحثون عن المعلبات الفارغة لبيعها بسبب الفقر
أطفال الصبيحة وهم يبحثون عن المعلبات الفارغة لبيعها بسبب الفقر
مسرحون ومفقودون

من يبحث في أرشيف تاريخ حافة الجنوبيين وقرية الوعرة سيجد كشوفات ووثائق للذين كانت لديهم وظائف حكومية ومناصب عسكرية وإدارية في مؤسسات الدولة تم تسريحهم منها، ووجدوا أنفسهم على رصيف النكران والجحود، لا وظائف ولا مرتبات، والقائمة هنا تطول ونكتفي بذكر مصير الشيخ أحمد علي سعيد العامري وحالات الجنون والحالات النفسية التي أصيب بها أبناء حافة الجنوبيين والفقدان أمثال أحمد سعيد وأنور الصبيحي ونبيل محمد صالح وأنور الشردي.. واستعرض مواطنو حافة الجنوبيين بالراهدة الوضع الصحي والإصابات بالشلل والتشريد من وطنهم الأصلي بفعل السياسات العمياء، لكنهم كالمستجير من الرمضاء بالنار، تمارس ضدهم عنجهيات مشايخ الثبور، ويتعاملون معهم كتعامل اللاجئين أو كمواطنين من الدرجة الصفر.. وأوضح سعيد عبده شاهر الآلية الخطيرة وسياسة الحرمان من الوظائف والمناصب التي تذهب هنا وهناك، وحرمان أبناء الصبيحة مع سبق الإصرار، داعيا محافظ تعز لزيارة حافات الراهدة ليرى بأم عينيه وليطلع عن كثب على التمييز العفن ضد القاطنين في حافة الجنوبيين، والتحقيق في قصص وحلقات الخدمات التي تحولت إلى وسيلة ابتزاز، والفواتير التي تذهب إلى جيوب النافدين، والفقر المدقع الذي انتزع أبناء صبيحة الراهدة من المدارس إلى الأسواق والعمل العضلي وقيادة الدراجات النارية لتأمين لقمة العيش.

كما التقينا بعشرات المواطنين الذين وصفوا النفوذ والاعتداءات المتكررة التي تمارس ضد أهاليهم لغرض إلحاقهم تحت الهيمنة والإذلال، حتى دور العبادة والمساجد - كما قالوا - لم تسلم من تدخلات هؤلاء المستبدين، وماحصل في مسجد حافة الجنوبيين القديم والجديد من مؤامرات وفوضى إلا دليل على ذلك.

الصحة.. حدث ولاحرج

«مستشفى الراهدة في حالة الاحتضار بسبب اتساع رقعة الفساد فيه وخلط الجوانب الصحية بالانتماءات الحزبية والتعامل اللا إنساني من قبل بعض الأطباء» هكذا اختصر عبده عبدالله الحوماني حديثه إلينا.. وأضاف:«يتم إسعاف الكثيرين في حالات مرضية عديدة وفقيرة من حافة الجنوبيين إلى المستشفى، أحيانا يكون المريض في وضع صحي خطير، لكنه لم يجد العناية اللازمة».. وذكر نجيب أحمد صالح «أن المستشفى فيه أطباء جيدون يتركون العمل في المستشفى العام ليعملوا في عياداتهم الخاصة بكل إخلاص.. وأدوية صيدلية صندوق الدواء بالمستشفى تباع بنفس أسعار السوق المحلي، على الرغم من أن أدوية المستشفى مدعومة بالتخفيض من وزارة الصحة».

كما تلقينا قصاصة ورقية بخط المواطن فائز سنان الصبيحي احتوت على الأمراض النفسية والالتهابات الرئوية والتحسسية والإسهالات والحميات المنتشرة في حافة الجنوبيين بسبب البيئة الملوثة حوالي الحافة، من قمامات ومياه المجاري وشرب مياه غير صالحة للاستخدام الآدمي، تحت ضغط الضرورة والحاجة، حيث لا يوجد منزل في حافة الجنوبيين إلا ويشكو من وجود مريض والعناية صحية غير موجودة بالأصح.

مدينة الراهدة
مدينة الراهدة
تساؤلات ونداء لمحافظ تعز

بعد تجوال في أزقة ودهاليز حافة الجنوبيين بالراهدة قرابة ساعة وعلى عجل تلبية لنداءات واتصالات الساكنين المتكررة وقياما بالواجب الإعلامي، غادرنا حافة الجنوبيين ونحن نحمل آهات ودموعا تحرق الوجنات، قابلنا المأساة وجها لوجه، ونعتذر للذين قدموا إلينا بعض العبارات والأحاديث الغاضبة المحتوية على التجريح والاحتقان والتذمر نعتذر عن عدم نشرها، لأن الهدف هو نقل المآسي والمطالب والهموم، كما نعتب على بعض الذين تحفظوا على الكلام لـ «الأيام» لأسباب مجهولة.. لقد خرجنا من قلب حافة الجنوبيين وثمة تساؤلات تقول من الذي قتل أحلامهم وحرمهم من الحياة والمواطنة المتساوية؟ ومتى سيذهب ويسقط النفوذ والجبروت والطعن من الخلف؟ ولماذا غابت دولة القانون وقيم العدالة عن هؤلاء البؤساء؟.. ونوجه نداء مهما إلى محافظ تعز المعروف بالإنصاف والانتصار للمغلوبين والمقهورين، ندعوه بصوت وصورة ومداد أسود على الصفحات للاطلاع والمتابعة والتأكيد على قصة مواطنين ومواطنات يمنيين هربوا بحياتهم قديما من نزقات الطائشين والتصفيات والتطفيش، هم حاليا بحاجة إلى لفتة إنسانية خدماتية وإنصافهم من مراكز قوى نفوذ داخلية تسعى وتواصل سعيها حتى اليوم إلى إزهاق حقوقهم وماتبقى لهم من حياة تسرق في وضح النهار.. جميع حارات وحافات الراهدة وخدير تشترك في البؤس والقهر سيكون لنا فيها وقفات قادمة، لكن ماحدث ويحدث لحافة الجنوبيين ليس له مثيل ولايقارن، وكما قالت عجائز الحافة: مصائب الراهدة ثلاث: النفاق والهيمنة والطاعة العمياء، ولن نستطيع الوصول إلى السعادة إلا بتوفر ثلاثة أشياء: الحرية والخدمات وصحافة تتابع وتنقل الواقع.. قال تعالى:(إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس.).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى