بمناسبة مرور 70 عاما على (إحلال السلام في حضرموت) دراسة لتجربة تاريخية في القضاء على الثأر القبلي 1953-1933

> «الأيام» علي سالم اليزيدي:

>
سيئون حصن السلطان الكثيري - تصوير فان در ميولين عام 1931م
سيئون حصن السلطان الكثيري - تصوير فان در ميولين عام 1931م
لماذا هذا الكتاب عن الصراع القبلي في حضرموت ودراسة لتجربة القضاء على الثأر وإحلال السلام؟ المصدر الأساس للفكرة هو الأستاذ عبدالعزيز القعيطي وشاركه في العمل د.محمد سعيد القدال أستاذ التاريخ رحمه الله، وعاشق حضرموت الذي أفرد لها في حياته مؤلفات وترجمات عديدة.

تأليف: السفير المتقاعد عبدالعزيز علي القعيطي ود. محمد سعيد القدال

تقديم: رئيس الوزراء السابق عبدالقادر عبدالرحمن باجمال

وجاءت الدوافع لإصدار هذه الدراسة والتجربة في كتاب سيصدر في العاصمة البريطانية (لندن) عن المطبعة العربية هناك، من خلال النظرة للمؤلف عبدالعزيز القعيطي التي ينظر من خلالها بإعزاز إلى تجربة حضرموت الرائدة في القضاء على الصراع القبلي، كما أن دراسة تلك التجربة لها أهميتها حتى يستهدي بها المجتمع اليمني، بالإضافة إلى أن والده السلطان علي بن صلاح القعيطي من القيادات السياسية التي تصدت لمحاربة الصراع القبلي.

فانكب عبدالعزيز على الوثائق في المتحف البريطاني بلندن، وشكلت القاعدة التي ارتكزت عليها هذه الدراسة، ثم أخذ يجمع الوثائق اليمنية، وعندما بدأ تأليف الدراسة (الكتاب القادم) أصدر الرئيس اليمني علي عبد الله صالح مرسوما دعا فيه لمحاربة الثأر، ويقول المؤلفان في التمهيد: «واجهتنا بعض العقبات لعل أشقها أن محاربة الصراع القبلي تمت تحت التأثير المباشر للإدارة البريطانية التي كانت تستعمر البلاد ما يستدعي ضرورة الفصل بين السياسية الاستعمارية والصراع القبلي، والصعوبة الثانية هي وفرة الوثائق وضرورة الفحص والدقة، وهناك مكانة القبيلة في الحياة الاجتماعية والسياسية في حضرموت، وفي كل البلاد العربية، وهنا لابد من فهم دور القبيلة في التاريخ الحضرمي والتشابك والتصادم وفي الشرق الأوسط في القرن العشرين، أدى إلى التحطيم الطوعي أو القهري للأشكال التقليدية لسلطة القبيلة والولاءات القديمة، ومن ثم بروز تجمعات احتفظت ببعض الخصائص القبلية».

في المقدمة التي كتبها لهذه الدراسة في 2007/2/15م الأستاذ عبدالقادر عبدالرحمن باجمال رئيس الوزراء آنذاك، قال: «من طوالع الصدف أن يكون قد مر على اتفاقية حل قضية الثأر بين السلاطين وبين القبائل في حضرموت قرابة السبعين عاما، حيث وقعت الاتفاقية في العام 1936م، وما أشبه الليلة بالبارحة فمازالت تلك الثقافة وتقاليد الحياة الاجتماعية ماثلة أمامنا.

إن هذا الكتاب له قيمة كبيرة في مضمار الخبرة التاريخية لحل الثأر في حضرموت، لأن الحلول التي تم التوصل إليها لكبح جماح الثأر قد قامت على أساس صدق النوايا، ونزاهة المقاصد، وقوة النظام، وبذل القادرين على العطاء السخي المعقول والموضوعي، فالسلام الاجتماعي هدف الجميع بكل ألوانهم، وهدف إنساني سام ونبيل، ويعود الفضل لثلاثة رجال ممن يستحقون التقدير والعرفان وهم السلطان علي بن صلاح والسيد أبوبكر بن شيخ الكاف والسلطان علي بن منصور الكثيري، يضاف إليهم رجال آخرون قدموا جهودهم وقدراتهم ضمن لجنة السلام،

والشكر موصول للأخ السفير عبدالعزيز القعيطي ود.محمد سعيد القدال اللذين أخرجا هذا الكتاب والوثائق إلى حيز الوجود».

ويشمل الكتاب (القادم) الجزء الأول: الخلفية التاريخية ثم خمسة فصول تناولت خريطة حضرموت، وخصوصية حضرموت والصراع القبلي والسياسة والصلح القبلي الأول ثم الثاني، وفصل عن المستشار السياسي المقيم وليام هارولد انجرامس، وخريطةحضرموت أعدها انجرمس، أما الجزء الثاني فعبارة عن وثائق مهمة للمعاهدات والأحلاف والمراسلات وقسم عن لجنة أمان حضرموت.

الفصل الأول: خصوصية حضرموت وجاء فيه أولا: الجغرافيا وتقسيم حضرموت إلى ثلاث مناطق جغرافية تختلف كل واحدة عن الأخرى، وهي الشريط الساحلي والثانية هي وادي حضرموت الكبير الذي يضم وادي دوعن ووادي حضرموت والأودية الأخرى، أما المنطقة الثالثة فهي المنطقة الجبلية الصحراوية التي تمتد من وادي المسيلة شمالا إلى البحر جنوبا، وتسكن فيها قبائل الحموم وسيبان ونوح والدِّين والعوابثة.

ثانيا : التراتب الاجتماعي، ويذكر تميز حضرموت بتراتب اجتماعي له خصوصية شدت انتباه الباحثين، ويختلف التراتب الاجتماعي SOCIAL STRATIFICATION عن التركيب الطبقي CLASS STRUCTURE، ولعل عبدالله بوجرا، وهو من أصل حضرمي كيني أول من كتب عن ذلك في كتابه المنشور عام 1971م، ويفسر هنا الترتيب من السادة ثم المشايخ والقصد العلماء للتراث الديني ثم القبائل ويبقى في الدرجات الأدنى من التراتب الاجتماعي فئات أخرى، ورغم أنها تقف على هامش ذلك الصراع، إلا أن ثقلها يميل إلى محاربة الصراع القبلي ولعبت دورا إيجابيا في تلك المعركة.

الهجرة: أشار الكتاب إلى ظاهرة الهجرة، باعتبارها من خصوصيات المجتمع الحضرمي، ولقيت ظاهرة هجرة الحضارم اهتماما كبيرا من العلماء، وعقد عدد من المؤتمرات في بريطانيا والسويد والنرويج وهولندا وماليزيا، وهناك كتب عديدة، وربط الكتاب بين الهجرة وتأثيرها على السلام في حضرموت، مستبينا ماحدث من وعي وتراكم الثروات والتطلع إلى الاستقرار والسلام في حضرموت.

بروز قيادات مستنيرة:

ويتطرق إلى خاصية مهمة تميز بها المجتمع الحضرمي، وهي بروز قيادات مستنيرة في النصف الأول من القرن العشرين، فقد برز حينئذ السلطان صالح بن غالب القعيطي سلطان الشحر والمكلا والساحل والوادي، والسلطان علي بن منصور الكثيري سلطان سيئون وتريم أي حضرموت الداخل، والسلطان علي بن صلاح نائب السلطان صالح في شبام، وبعض السادة والمستنيرين منهم وأشهرهم أبوبكر بن شيخ الكاف وكذا سعيد عوض باوزير.

تلك القيادات المستنيرة كانت تقف ضد الصراع الطبقي، فلماذا برزت تلك القيادات في تلك الفترة، والمصادفة هنا وحدها لاتكفي لتفسير أحداث التاريخ! لقد جاء ظهورها جزءا من إفراز المجتمع الحضرمي بتراكماته عدة سنوات، وتزامن مع سيطرة الاستعمار على حضرموت ورموا بثقلهم في هذا الصراع.

صورة لأحد اجتماعات الصلح والسلام مع القبائل
صورة لأحد اجتماعات الصلح والسلام مع القبائل
الاستعمار البريطاني وحضرموت:

الخصوصية هنا هي طبيعة الوضع مع الاستعمار البريطاني فقد استعمر البريطانيون عددا من البلاد العربية وغير العربية، احتلوا الهند بالقوة وعدن بالقوة ومصر بعد هزيمة العرابيين المشهورة، والسودان بحد السيف بعد هزيمة الدولة المهدية، ولكن اختلف الحال بالنسبة لحضرموت عنه في الحالات الأخرى، إذ عقدت مع السلطنة القعيطية معاهدة حماية عام 1888، وفي عام 1918م عقدت اتفاقية بين الكثيري والقعيطي دخلت بموجبها سلطنة الكثيري الحماية، ثم معاهدات الاستشارة مع السلاطين، وأصبح لبريطانيا مستشار مقيم، وهو يوجه سياستها إلا في الأمور المتعلقة بالدين والعادات.

ولم يكن دخول بريطانيا إلى حضرموت بالقوة وإنما باتفاق مع حكامها، يقول الرحالة فان دير ميولين: «إن السيد أبابكر الكاف كان يتوقع نشوب صراعات كثيرة بين البدو في المستقبل، وكان مقتنعا أن الطائرات هي الوسيلة لإخضاعهم للنظام ووقف الحروب لعدة قرون.

وكان دخول بريطانيا إلى حضرموت سلميا، ومر عبر عدة مراحل، فلم يكن لبريطانيا وجود عسكري، ولهذا هو نقطة الالتقاء بين الطرفين».

الفصل الثاني: الصراع القبلي في معترك الحياة السياسية الحضرمية:

يلخص المؤرخ محمد عبدالقادر بامطرف الموقف فيقول:«لم تعرف حضرموت في تاريخها القريب والبعيد سلطة مركزية تشمل الإقليم كله، وجدت دويلات صغيرة ظلت تنازع بعضها البعض».

ويتطرق الكتاب (تحت الطبع) إلى القوى التي تداخلت في الصراع السياسي بحضرموت، وأولها الدولة الكثيرية والدولة القعيطية وثانيها القبائل، والقوة الثالثة هي بريطانيا العظمى، ولأن المنطقة تتمتع بموقع استراتيجي زاد هذا الصراع الدولي على المنطقة وبرزت قوى تتطلع إلى هذا المكان، وهي الإمبراطورية العثمانية وإمام اليمن والمملكة العربية السعودية. وأشار المؤخر بامطرف إلى ذلك قائلا: «بيد أن هناك من كان يراقب الموقف الحضرمي بصورة أدق، وهم الإنجليز والأتراك، وصراعهم في البحر الأحمر والبحر الأبيض». وهذه هي القوة الرابعة في نظر المؤلف.

ورسم الرحالة الهولندي فان در ميولين جانبا من صور الصراعات القبلية آنذاك عند زيارته لحضرموت عام 1931م فقال إنه شاهد العديد من مظاهر الحروب التي تفت عضد المجتمع وتهد قواه.

وأصبح الصراع القبلي يخيم على سماء حضرموت، ووصل الأمر إلى مرحلة الأزمة، فقد وصف المؤرخ الشاطري الحال إلى حد بيع الأحرار ونهب الأموال وقطع الطرق وترويع النساء والأطفال.

ويقول انجرامس: «حتى عام 1937م كانت السمة البارزة لحياة الحضارم في بلادهم أنهم في نزاع داخلي مزمن، رغم مقدرتهم على جمع المال في الخارج». وتحدث بإسهاب عن فقدان الأمن والخوف والغارات خارج المدن.

لقد أصبح القادة في حضرموت يؤرقهم الشوق إلى الأمن والاستقرار، وأفصحوا عنه للأجانب الذين زاروا البلاد، وفي هذا المنعطف برزت رغبة بريطانيا للتدخل في حضرموت، فكيف جاءت معركة القضاء على الثأر والتراكمات، وما الذي نتح عنها؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى