درويش. إنه أكثر من خلاف لغوي

> «الايام» د. سعيد الجريري:

> رحل محمود درويش أم نحن الراحلون؟.. سؤال الفجيعة مازال مثخنا بنا، ومازلنا به مثخنين، لكنه سؤال يستولد يقينه في حضرة الغياب.

فكما أوصيتنا، نقف الآن باسمك كي نشكر مشيعيك إلى هذا السفر الأخير، وندعوهم إلى اختصار الوداع، والانصراف إلى عشاء احتفالي يليق بذكراك.

ياسيدي يا درويش: «الصمت اطمئنان الصاحب للصاحب، وثقة الخيال بنفسه بين مطر وقوس قزح/ قوس قزح هو تحرش الوحي بالشاعر، بلا استئذان.. وافتتان الشاعر بنثر القرآن/ فبأي آلاء ربكما تكذبان/ وغائبان أنا وأنت، وحاضران أنا وأنت، وغائبان/ فبأي آلاء ربكما تكذبان».

منذ حين، والكلمات تصل إلى أقاصي المعاني، لكنها ترتد باهتة كأن بها صفرة، أو رمادا، كلمات تدور في فراغ حروفها، ولاتقول.

منذ حين، والقصائد تشعل الغابات في مطر الحنين، لكنها تجثو على وثن كأن الريح جذوته الخرافية، في بيداء روح إذ تنوح.. منذ حين ندور حول ما لانقول، كأننا نحن، نضل نضل في وديان تيه كالهشيم.

منذ امرئ القيس الوالغ في ذات، وشهوات، وملك مضاع.. والحنين كالكلمات، كالقصائد والقصائد كالحنين، مطلسمة كالرؤى المخاتلة.

ومنذ غد، سيعدو الحنين على خدر القصائد في البراري، وتغدو اللغة أمرا تبوح ورودها، وتضج في غسق المعاني كأنها تلد الزحام من الزحام، وتظل عمياء خرساء، لكن الحنين الفذ يعلوه جدار فاغر قيظا، يلعثم الروح المهجر في حمى اللغة الحرام، ومن قول إلى قول نفاجأ أن ما قيل الهباء المر، والمطر المرجى في العيون المرجأة.

أنعود من سفر؟ أيعود من جزر الهواجس، أم تراه يظل يهزأ بالمعلقة العقيم، وبالجباه المطفأة؟ إن في الكلمات أسرارا كأسراب القصائد والحنين.. لكنما قمر الكلام على جدار الرعب مصلوب، وفوق شفاهنا مطر الحرائق يستباح!.

أنعلنه مدارا خارج اللغة، ونلبث قابضين على جمر، يبرعم منطق اللغة الرؤوم؟.

هو أكثر من خلاف لغوي مع امرئ القيس يا محمود، لكنه في حضرة الغياب خروج من سراديب الكلام المفخخ بالسقوط، حتى نعود معا، وتعلو في فضاء الروح أشرعة الحمام.. أدرويش رحل أم نحن الراحلون؟.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى