وطن آخر نقيض الوحدة والانفصال

> محمد علي محسن:

> كان بودي أن تنصرف الكتابة عن الوحدة والانفصال إلى الحديث عن وطن آخر أكبر وأنفع من النموذجين القائمين، لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، فكيف إذا ما كانت هذه الأمنية تكاد تكون أشبه بالمستحيلات الأربعة، وفي وطن لم يهتد قط لسبيل.

البعض للأسف لم يستوعب بعد مسألة الرفض للوحدة بشكلها الفج والقبيح أو الانفصال كفكرة ووسيلة مشوهتين. أحد قادة الحراك الجنوبي تساءل إزاء مماثلة الباطل الوحدوي بالحق الجنوبي المراد انتزاعه، وزاد من دهشتي واستغرابي عندما اختزل الجنوب وأهله في جمعية أو خيمة، وكذا الشمال في جماعة أو قبيلة ومنطقة.

أعجب كيف أن هذه السنوات كلها في كنف الدولة الفاقدة القدرة على إدارة وتصريف الشأن الوحدوي، ومع كل هذه التجربة الطويلة الزاخرة بالفشل والأخطاء وغياب الإرادة السياسية لم نتعظ أو نتعلم، بل ونعد أنفسنا في معركة من أجل الخلاص، وهي في حقيقة الأمر معركة بلا طائل أو جدوى ما بقيت الجبهة مفتوحة بالثغرات والمخاطر، وما بقي الهدف بعيدا أو متمترسا بغاية المنجز الوحدوي ومشروعية الذود عنه عند الشدائد. نعم هنالك وطن آخر ننشده غير هذا الذي يراد تجسيده وتفصيله على هوى من يحكم ويعبث ويدمر ويقتل ما بقي من روح وقيمة ومشروعية للوحدة، أو ذاك المراد إثباته للوجود نتيجة الحالة المختلة غير العادلة، ولو تطلب الحال البحث في المشاريع الصغرى أداة وهدفا جديرا بالنضال والتضحية.

لسنا ممن يقمط أو يداهن أو ينفي صلته ومناصرته للقضية الجنوبية بكل ما تعني من حقوق مشروعة وعادلة تم النيل منها باسم الحفاظ على الوحدة، كما أننا بنقدنا لشطط ونزق البعض من قادة الحراك أو خطابهم أو تفكيرهم الضيق لايعني مضاهاة الضحية بالجلاد، أو بمثابة الانتقاص من حق أبناء محافظات الجنوب في الشراكة والوحدة، لماذا لاتكون المسألة برمتها مجرد اختلاف في وجهات النظر وفي قضية لاينكرها سوى جاحد، ولماذا علينا ألا نفكر أو نبتدع أو نمضي للمستقبل بغير هذه الثنائية السمجة والمعتادة منذ عقد ونصف؟.

المعجزات وليدة الرجال المتحدين، وفق المثل الهندي، وعليه فإن حالة اليأس والتشاؤم بإمكانية التبدل والتغيير لحال الوحدة قد تبدو أكثر صدقية من التفاؤل الساذج، ومع ذلك يمكن القول إن التفاؤل في الممكن أجدى وأنفع من المستحيل، ولعل ما سطره الشاعر طاغور بهذا الخصوص لأبلغ تعبير ودلالة عما نعيشه، وذلك بقوله: «سأل الممكن المستحيل: أين تقيم؟ فأجابه: في أحلام العاجز».

أيهما الأقرب والأنسب للحديث أو الفعل خارج سياق هذه الثنائية المحبطة.. لا أملك الحق لتحديد ما إذا كانت الوحدة حقا فضيلة تستلزم التضحية والنضال من أناس قتلنا في نفوسهم وحياتهم الأمل بوطن واحد يتسع لكل أبنائه ودون فروقات أو تمييز!. رغم كل ما حدث يبقى ما نسطره مجرد رأي لصاحبه، وليس كلاما من السماء ولا ريب فيه، وطالما المسألة جميعها اختلاف في الرأي فيجب أن ندرك أن محاكمة الإنسان على فكره ورأيه تعد من الأفعال غير اللائقة بالدول العصرية، فكيف بدعاة الحقوق والحريات وهم في الشارع وبلا سطوة أو سلطان؟.

كان بودي الكتابة عن الغالبية الصامته الموجودة على هامش الثنائية القائمة منذ الوهلة الأولى لانحراف المشروع الوحدوي عن مساره وجوهره.. مايزال هنالك متسع للقول بأن ثمة وطن ما بين عنت الشمال وجمود الجنوب، وطن آخر نقيض هذا المتوحد مساحة والممزق إنسانا ومجتمعا، وطن غير المنقسم على ذاته وأهله، وطن مثل الذي ندعو له، قد يعتبره البعض مستحيلا وغير واقعي، لكنه يبقى الأفضل والممكن والمطلوب للملايين المنهكة الواقعة في شرك معادلة مستبدة ومفرطة بالتشاؤم والوهم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى