من تاريخ القصة القصيرة النسائية في عدن

> «الأيام» نجمي عبدالمجيد:

> منذ متى ظهرت الإسهامات النسائية في أدب القصة القصيرة في الصحافة العدنية ؟يظل الرد على هذا السؤال حالة زمنية مفتوحة أمام أي كاتب أو باحث في هذا المجال، والسبب في هذا هو غياب العديد من الصحف والمجلات الصادرة في عدن قبل عام 1967م وما فقد منها بعد ذلك العام الشيء الكثير، وهذا الفقدان يجعل مسألة الرصد في مجال القصة القصيرة النسائية في صحافة عدن غير محدد بفترة زمنية نقف أمامها عندما نؤرخ لهذا الجانب .

تذكر الأديبة ربا أحمد، في كتابها (يوم كان السرد أنثى) الصادر عن مركز عبادي للطباعة والنشر الطبعة الأولى عام 2008م، أن أول قصة قصيرة نسائية صدرت كانت في صحيفة «صوت الجنوب» بعدن بتاريخ 3/9/1962م بـقلم الآنسة ف. أحمد، وعـنوانها (ظالم يامجتمع) .

لكن هذا التاريخ الذي يشير إلى صدور أول قصة نسائية في الصحافة العدنية غير صحيح، فمجلة «فتاة شمسان» تقدم لنا عدة نصوص قصصية نسائية ظهرت مع ظهور هذه المجلة الذي كان بتاريخ يناير 1960م، ونحن هنا نقدم عناوين كل القصص القصيرة التي نشرتها المجلة في ذلك العام .

1- أين أبي ؟ بقلم الآنسة فوزية العدد 2 يوم الإثنين 1 فبراير 1960م.

2- وفي العدد نفسه نشرت في باب ركن الطالبات قصة قصيرة عنوانها (رسالة إلى السماء) دون ذكر اسم الكاتبة .

3- في العدد 3 من مجلة «فتاة شمسان» في 1 مارس 1960م في باب ركن الطالبات نشرت هذه القصة (المغفل والشاطر) بقلم الطالبة بنت الكلية .

4- في العدد 4 بتاريخ 1 إبريل 1960م نشرت المجلة في باب ركن الطالبات هذه القصة (ثمن الحرية) دون ذكر اسم الكاتبة .

5- في العدد 5 الصادر في 1 مايو 1960م نشرت قصة عنوانها (شقاء صغيرة) في باب ركن الطالبات بقلم الطالبة عيشة سعيد ناليه، من كلية البنات العدنية .

6- في العدد 6 الصادر في 10 يونيو 1960م نشرت هذه القصة (فتاة مظلومة من تعليمها) في باب ركن الطالبات بقلم الطالبة شريفة عبدالله محمد، كلية البنات.

7- أما في العدد 7 الصادر في 1 يوليو 1960م نشرت قصة العدد الفائزة بالجائزة الأولى وعنوانها (القدر) بقلم الآنسة هند علي بريك .

8- وفي العدد نفسه نشرت قصة (إنسانية) في باب ركن الطالبات بقلم سميرة سعيد عبدالله ملهي الأسودي، كلية البنات خور مكسر .

9- في العدد 8 الصادر في 1 أغسطس 1960م نشرت القصة الفائزة بالجائزة الثانية وعنوانها (زميلتي ن) بقلم فطوم عثمان شوالة .

10- ونشر العدد 9 الصادر في 1 سبتمبر 1960م قصة العدد الفائزة بالجائزة الثالثة عنوانها (يد الله) بقلم فاطمة عبدالباري .

11- وفي العدد نفسه نشرت قصة (فتيات الجيل الصاعد - النهاية المحزنة) بقلم نبيلة محمد راحج، كلية البنات خور مكسر .

12- في العدد 11 الصادر بتاريخ 1 نوفمبر 1960م نشرت القصة الخامسة في مسابقة أحسن قصة، وعنوانها (عرفني بالحياة) بقلم الآنسة نجاة محمد عبادي .

وكانت مجلة «فتاة شمسان» قد نشرت في عددها الأول قصة عنوانها (إن أمامك أعمالاً أخرى يامحمد) دون ذكر اسم الكاتب أو الكاتبة، ولذلك يكون من الصعب علينا حسب هذه القصة على إسهامات المرأة العدنية في أدب القصة القصيرة، كما نشرت المجلة عدة قصص لكتاب، أما القصة المترجمة التي نشرتها المجلة فكانت للكاتب الأمريكي إرنست همنجواي، وهي (لقد خسرت الاثنين) في العدد 4 دون ذكر اسم المترجم أو مصدر نقل القصة .

عرفني بالحياة

بقلم : نجاة محمد عبادي

من بين تلك القصص اخترت هذه القصة لتقديمها للقارئ والباحث نظراً لواقعيتها وقربها من هموم الحياة والناس في مجتمعنا حتى اليوم، وهذه القصة تدل على المستوى الجيد الذي وصلت إليه كتابة القصة القصيرة النسائية في الصحافة العدنية.

«حين كنت سائرة في قرية مصعبين العبدلية تلك القرية الرملية ذات البنايات القديمة المبنية من الطين والتي تبعد عن بلدي الشيخ عثمان ببضعة أميال.

شعرت بجوع خبيث وسألت نفسي : هل أمد يدي فأسرق حبة أو حبتين من هذا الزيتون ؟.. لن يلحظ العجوز شيئاً ، فهو يغط في نوم عميق.

وأنا جائعة واشتهت نفسي حبات الزيتون التي تتوهج في قاع السلة وتخطف بصري وتثير الجوع الخبيث في أحشائي .. هل أمد يدي إلى السلة ؟

مضى ذلك الخاطر اللعين يتسرب إلى عقلي دون انقطاع والطرقات مقفرة والشمس ساطعة والجو خانق ساخن والرجل العجوز يغط في نوم عميق .

كان العجوز في قميص ممزق الأكمام وقد امتد جسده النحيف اليابس على الأرض وأخفى رأسه بين ذراعيه .. ولاشك أنه بائع الزيتون أتعبه الصياح فلاذ بظل الشجرة حتى نام .

لم أستبين من ملامح وجهه سوى زاوية من فمه، المنفرج الذي كان الذباب يغوص فيه ويلهو .. وكانت السلة إلى جواره والزيتون في أسفلها، فهل أمد يدي فآخذ حبة أو حبتين أم أغادر المكان ؟

وحاصرت عيناي جسد الرجل وامتدت يدي في خفة حتى غابت داخل السلة وعادت بزيتونة واحدة .. كانت لذيدة ممتعة حلى لي مذاقها وهي تلين تحت أسناني كأنها لحم الدجاج الشهي حتى إذا استقرت في جوفي انفتح فمي مرات وغابت فيه حبات، وأحسست بالحياة تدب في جسدي وبالوجود المرتعش يستقر من حولي.

لم أستطع أن أمنع نفسي بعد أن ذقت أول حبة، فأخذت ألتهم الحبة إثر الأخرى والإحساس الطاغي يستزيد بلذة الطعام والشبع .

وكانت يدي قد سلكت طريقها إلى السلة وانسابت في جوفها حين فزع الرجل العجوز من نومه فجأة كالملسوع .. خائفاً .. مذعوراً واستوى جالساً يجيل النظر حوله مرتاباً قلقا، كان وجهه معروقاً مجهداً باهتاً كورقة نقد بالية، لقد شاهدني ورأى كل شيء .

فاتسعت عيناه وملامحه وصرخ في وجهي بازدراء سارقة .. كنت تسرقي !

تم جذب السلة إليه وأسرع ملهوفاً يطل إلى داخل السلة وعاد يسلط عليّ عينيه الحمراوين ويصرخ في حنق شديد (كنت تسرقي)؟

لم أجب ..وظل الرجل العجوز يلفح وجهي بنظراته الحامية ثم جاء صوته الباتر يزعق: لصة لصة .

كان وجهي جامداً صلباً وكانت نفسي مرتعا لآلاف المشاعر الثائرة بالسخط والنقمة على الوجود والبشر والدنيا بأسرها .. تقابلت نظراتنا فبصق الرجل العجوز على الأرض ثم اعتدل في جلسته وانفجرت منه ضحكة متكسرة خرجت من فمه الخرب وساد الصمت ..ومضت لحظات قليلة كأنها ساعات .. أتى بعدها صوته يسأل في هدوء فاتر: هل أخذت كفايتك؟ ظننته يمزح في سخرية ويلعب بمشاعري .. فزاد انقباضي، إلا أنه مد يده بالسلة وقدمها إلي، وسالت في وجهه بسمة طبيعية وقال بألفة وحنان: خذي ما تشائين .. إنه زيتون ولاشك أنك جائعة .

ولمعت عيناه العسليتان ببريق باسم، لم أجب فقد أذهلني تحوله واضطرب جسدي ثم خبط كتفي مداعباً لاتبتئسي هكذا كلنا نعرف الجوع ..إنه كافر لعين !! وبصق على الأرض في احتقار وعاد يبتسم وكنت لا أزال جائعة والزيتون يلوح مغرياً في قاع السلة، إلا أنني لم أقوَ على مد يدي .

ولاح لي أن الكهل على اتصال خفي بما يختلج في نفسي، فقد مضى يتبسط معي في الحديث ويتودد إلي كأنه يستميل كلباً ضارياً .

لماذا أنت منقبضة هكذا يا بنتي ؟ هل أتيت ذنباً ؟ نحن لانذنب حين نكون جياعاً ..

وأضاف قائلاً : أراك لم تأخذي شيئاً من الزيتون يابنتي مدي يدك، وقرن جملته بأن مد يده إلى السلة فأخذ حبة غيبها في فمه وتحركت شفتاه المضمومتان في حركات مضحكة، فبان كأنه يمتصها .. بينما كانت عيناه تشعان بنظرات قوية واثقة ..وابتدأت أستكين إليه، وأخذت تنساب في مسارب نفسي بعض المشاعر الإنسانية الكريمة الباقية التي أفتقدها منذ زمن بعيد .

أحسست بالخجل والاضطراب وامتدت في نفسي خيوط الاحترام لذلك الرجل الطيب ذي المشاعر الإنسانية.

سألني وهو يحول وجهه إلى نهاية الطريق : من أين أنت يا ابنتي ؟

فأجبته بصوت منخفض من الشيخ .. وأسرع يقاطعني سائلاً: من الشيخ الدويل ؟

أجبته: لا بل من الشيخ عثمان.

ثم صمت لحظات وجاء صوته هامساً يقول : الحياة صعبة وطويلة .. ولكن يجب أن نسيرها أن نعمل شيئاً حتى لانموت جوعاً إنني أحمل سلتي كل يوم وأظل أتجول في الطرقات لكي أبيع هذا الزيتون حتى أحس بنفسي تكاد تزهق وبقلبي يكاد يقف وأقدامي تكاد تسقط من السير الذي أقطعه طوال اليوم من هذه القرية إلى بلدك الشيخ عثمان.

وأخيراً ربما أتوقف وأبيع بستين سنتاً أو بشلن . وهكذا أسلك هذه الحياة .. ازدريها، ولكن مادمنا قد أتينا إليها فلا أحسن من الصبر حتى ننتهي وينتهي فيها دورنا .

ومضى الرجل العجوز يحدثني عن نفسه وبؤسه ربما لأنه شعر أنني بائسة فقيرة مثله .

وسكت الرجل العجوز لحظات وقال بنغمة شاكية : لقد تعبت من الحياة.

وشعرت أنه إنسان يعيش ويدوس على شوك الحياة الطويلة ويتألم، ولم يجد من يشكو إليه.

وقلت له : إنني لا أعرف الحياة يا أبتي .

أخذ يهش الذباب عن قدميه وسهمت عيناه وتجمعت ملامحه في قسوة، وكنت قد استرحت إلى حديثه حينما كان يحدثني عن كفاحه في سبيل العيش .

«ها أنا كما ترين .. رزقي على الله»

وهز رأسه وتابع حديثه قائلاً : هذه الحياة اللعينة تهزأ بنا !! لقد أوجدت الحاجة إلى ثلاث وجبات يومياً وها أنا أسعى وراء وجبة واحدة ولا أجدها بعد مشقة كبيرة .

وصمت لحظات. أمسك بجذع الشجرة وقام في تثاقل حتى اعتدل واقفاً ليرمي بنظرة ساهمة إلى نهاية الطريق ويتنهد في تكاسل قائلاً : لقد حانت عودتي إلى الشقاء يا ابنتي.

وحول رأسه في تأثر، ويقول : مع السلامة.. وفقك الله يابنتي وأتمنى لك حياة سعيدة. ورفع سلته وراء ظهره وابتدأ يسير ببطء .

هممت أن أقول له وفقك الله، لم أستطع أن أحول وجهي إلى الخلف، بل وقفت مضطربة أحس بقلق وانقباض .. وإنما ظليت أرقب ذلك الرجل العجوز وهو يسير على مهل ينقل قدميه في إجهاد وسلته الصغيرة خلف ظهره، والشمس ساطعة والحر شديد والطريق أمامه ممتدة طويلة، إنه إنسان عرف الحياة.

بل إنه أيضاً عرفني بالحياة».

مسابقة فتاة شمسان

أحسن قصة عدنية

من أجل توسيع دائرة المشاركة في كتابة القصة النسائية في مجلة فتاة شمسان، كانت تنظم عدة مسابقات للمشاركة في كتابة هذا النوع من الأدب وتدفع بأكبر عدد ممكن من النساء للمشاركة، وفي العدد 4 نشر مايلي: «وأخيراً قررت هذه المجلة النسائية أن تقيم مسابقة لأحسن قصة وأن تقدم جوائز خاصة للناجحين من المتسابقين رغبة منها في تشجيع كتابة القصة بين قارئات وقراء هذه المجلة ..ولن تكون هذه آخر مسابقة تقيمها هذه المجلة، بل ستتبعها مسابقات عديدة.

وقد قررت هذا المجلة أن تفتتح مسابقاتها بالقصة لأنها تعتقد أن هناك عدداً لابأس به من الكاتبات والكتاب القصصيين الذين سوف يجدون في هذه المسابقة خير حافز لهم على إظهار مواهبهم القصصية وإبراز منتجاتهم للقراء الكرام والقارئات الكريمات.

وقد قررت هذه المجلة أن تتصل بثلاثة من الكتاب العدنيين المعروفين ليكونوا قضاة في هذه المسابقة وكلمتهم هي التي ستكون القول الفصل في من سيكون الفائز الأول والثاني والثالث .

شروط المسابقة

أولا : أن يكون الموضوع من صميم الواقع العدني يتناول مشاكل المجتمع أو العادات القبيحة أوغيرها من المواضيع التي سوف تكون ذات فائدة عامة للقراء والقارئات .

ثانياً : أن لاتكون القـصة قد نـشرت من قبل في أية صــحيفة أو مجلة في عدن أو في الـخارج .

ثالثاً : أن لاتزيد عدد كلمات القصة عن 1000 أو أقل من ذلك .

رابعاً : آخر ميعاد لاستلام القصص هو يوم 15 من شهر مايو حتى نستطيع أن نقدمها للقضاء ليدرسوها وليقدموا لنا نتائج المسابقة وحتى نتمكن من نشر القصة الفائزة الأولى في عدد يونيو عام 1960م .

إنسانية

وهذه قصة أخرى من مجلة فتاة شمسان نقدمها كنموذج لإسهامات تلك المرحلة في هذا المجال، وقد نشرت في العدد 7 .

«كانت الفتاة المسكينة الفقيرة التي تعمل خادمة في أحد المنازل تبكي بكاءً مراً في الشارع العام، وكانت تلبس ثياباً رثة، وكان وجهها يدل على حزن عميق.. ومر ثلاثة من الأولاد الصغار فرأوها تبكي فتألموا لها ألماً، ولاسيما وأن مظهرها كان يدعو إلى الشفقة والرحمة فتوقفوا فجأة واقتربوا منها، وسألوها: لماذا تبكي ؟

فأجابت بأن سيدة المنزل التي تعمل فيه كخادمة، قد أعطتها عشرة شلنات وأنها وقعت من يدها وكانت الريح تهب بشدة فأخذت معها ورقة العشرة شلنات .. فضاعت ولم تجدها وظن الأولاد أنها كانت تكذب وأنها أرادت أن تسرق هذه النقود أو أنها تريد أن تثير العطف والرحمة إليها .. ولكن الأولاد الصغار عرفوا أنها كانت صادقة في قولها ورأوا دموعها وهي تنهمر كالسيل المتدفق من مآقيها .

فتشاوروا فيما بينهم وقرروا مساعدتها.. ولكن من أين لهم بالنقود وكيف يحتالون على أهلهم لجلب عشرة شلنات لإعطائها لهذه الفتاة اليتيمة الفقيرة (الخادمة الصغيرة) المسكينة لإنقاذها من غضب سيدة المنزل فأخبروها أن تأتي معهم وكانوا يسكنون في منازل متجاورة، وأخبروا آباءهم بالأمر ووجدوا المساعدة وقدموا لهذه الفتاة المسكينة النقود، فأخذتها هذه الفتاة واشترت من عند البقال ما أرسلتها من أجله سيدة المنزل، وعادت وهي تشكر هؤلاء الأولاد على نبلهم وإنسانيتهم».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى