متع العين أغلى من الذهب وأنفس من اللجين

> «الأيام» مازن سالم صالح :

> عصر السبت 9 أغسطس آثرت بالمصادفة أن أبقى في البيت، وكنت قبلها عازما على الخروج لقضاء بعض الانشغالات، تأخرت حتى بدأ المساء يدنو.. وأنا أرغب على زحام مضطرب برأسي، ما بين الخروج أو تكملة مشاهدة مباراة معادة في كرة القدم النسائية بأولمبياد بكين.

بيد أن وشيجة الترابط بيني وبين بديعية الأجواء أفضت إلى خيار ثالث بتكملة القعدة، ولكن في الباحة.

ومن النظرة الأولى شاهدت السحب وقد وشحت السماء بتلال من الغيوم الفضية التي قاومت من ثم أحكمت قبضتها على أشعة الشمس التي همت بعدها بغروب آفل على غير العادة، ما جعل بعضا من خيوطها المتسللة من مسام الأفق تبدو وكأنها خيوط ذهبية من عيار سماوي في كتلة الفضاء البهيم.

عمدت مستمتعا إلى إطراق النظر بكل ما حولي دون إجهاد الطرف بفضل الإغراء المثير الذي مارسته السماء عليَّ مساء ذلك اليوم الأثير، وجسدت فيه مساءً استثنائيا على غير العادة في مثل هذا الصيف اللاهب الذي قيظ الوجوه وذهب بنصف مائها، فيما ذهبت الظروف وأحابيل الزمن الغادر بالنصف الآخر.

لم أعبأ بما أمليته من خاطري في سطور العبارة الأخيرة، وجددت الموعد المزمع مع النظرة الأحلى، لعلي أسلو، في تحاويم السماء الكسلى لفيض ما تراكم في محيطها من غيوم عجلت بالربيع في غير موعده، وبحلل زاهية وباهية غاية في الروعة، وإن لم تكن بالطبع كحلل البحتري، ولكنها لطفت وآنست الحسن من متع العين السعيدة من كنف الطبيعة التي جادت بما حباها الله وفطر فيها من مآثر، وواتاك جمالها الإلهي.. الذي يكشف حقيقة الماديات ويعريها بحقيقتها الفانية، لكن البشر من غفلتهم وسهومهم على اشتداد في التنافس عليها حتى تزاحموا بالمناكب.

مع أن تلك اللحظة الأثيرة من ذلك المساء المخملي بالسماء السوسنية التي خلعت عليَّ سيما الجمال وكنهه فيها- أي اللحظة- وأغرقتني بالملاحة والإمتاع وأغذقت عليَّ مباهج ضافية من سعادة صافية تؤنس الوحيد وتسعد المستوحش.

إذ استمدت عذريتها البالغة ليلتها بمساء نفيس، لعمري أنه بدا لي وكأنه- رصيد رباني جارٍ- عفت فيه التعلق بمنع الدنيا الفانية، مع أن قيمة الأولى ثابتة وأسهمها أعلى وأغلى في كل فصل وحين من صفاء اللجين، وأزهى وأنقى وأطهر وأجمل وأثمن بمراحل ودرجات بما يعلق من درن بالتبر الأصفر.

بدأت بعدها أرصد بنظرات مريحة من السكون الذي عم أية خطوات أو تغيرات في الجو الأثير، حتى تلحق بهذه الكلمات خطوات أخرى مكتوبة.

لكن السكون الغالب في أثرة لم يبد معتادا من السماء التي لم يكن عهدنا بنا يومها كذلك، بإيثارها قبلها نهارات غير معتدلة في هذا الفصل من دورة الطبيعة الأزلية، والتي طبعت مسائي الجميل يومها بألوان سماوية لم أكن لأحلم بها قبل العرض المغري للانقلاب الخريفي، في أفق الأجواء المدارية التي نادرا ما تتعاقب لدينا، مع أن بلادنا ما شاء الله جنة طبيعية بفصول متعددة في اليوم الواحد، وليس في السنة، لكن فضول الجمال لربما لم يعد يثير أحدا.

والشاعرية سمة لم يعد أحد يريد الاهتداء إليها مع كثرة المواقف المتفضلة من الطبيعة، والمناظر المغرية المتبدية من أفق الكون، لكن الوصل بها ربما يراه البعض اليوم من مآسي (قشتالة) أو صور رابضة من بقايا (أغمات) مع أن اعتمادها لايتطلب الكلفة فقط دع العين تنطلق، في مباهج هذه المتع والانشراح سيعم على غير شراح من مشاهد رحيل (المعتمد)، لكنني تجاهلت كل ذلك بين المفترض والمعتمد، وعمقت الإحساس بجمالية اللوحة المستجدة بأولية الغيوم وخلفية السكون التي قد لاتتكرر، إن لم أكن لأنتظرها حتى انقلاب ربيعي قادم.

ولم أجد من حيلة حينها إزاء ذلك المشهد سوى تعميد المكوث وإغراق البصر بالنظر المسترسل، فالأمر يتعلق بي وحدي، وربما بكثير غيري من يدري!!.

لكنني حيال الجمال لطالما، أبتهج وأندهش وأُسرّ.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى