في الذكرى التاسعة لرحيل شاعر اليمن الكبير.. السخرية المريرة في حوارات البردوني الشعرية

> «الأيام» مازن سالم صالح:

> المحرر الثقافي: و«الأيام» إذ تحتفي بالذكرى التاسعة لرحيل شاعر اليمن الكبير عبدالله البردوني، من خلال مساحة خاصة في صفحة الأدب الجديد، عبر هذا الاستعراض الموجز لمشرف الصفحة، وقراءة حول السخرية المريرة في حوارات البردوني الشعرية للزميل المبدع مازن سالم صالح، فإننا نستعرض أهم الأعمال والمراحل في حياة الراحل الكبير مبدع اليمن الأثير وشاعر اليمن الكبير عبدالله البردوني.

ولد عبدالله صالح بن حسن الشحف (البردوني) في قرية البردون من قبيلة بني حسين ناحية الحدا شرق ذمار.

فقد بصره لإصابته بالجدري سنة 1933، والتحق في السنة التالية بكتّاب القرية. انتقل إلى مدينة ذمار ليكمل تعلم القرآن حفظا وتجويدا وتلاوة.

اعتقل بسبب شعره وسجن تسعة أشهر، وعين مدرسا للأدب العربي في دار العلوم، وواصل قراءاته للشعر والفقه والمنطق.. عمل وكيل شريعة (محام) وكان يترافع عن (المطلقات)، لأنهن كن زبائنه الوحيدات في ظل عدم اختياره من غيرهن، وهو غير مبصر.

بعض أعماله الشعرية:

من أرض بلقيس: المجلس الأعلى للآداب والفنون القاهرة.

في طريق الفجر: بيروت سنة 1967.

مدينة الغد: بيروت سنة 1970.

لعيني أم بلقيس بغداد سنة 1972.

السفر إلى الأيام الخُضر: دمشق 1974.

زمان بلا نوعية: 1979.

ترجمة رملية لأعراس الغبار: 1981 - دمشق.

كائنات الشوق الآخر: دمشق 1987.

رواغ المصابيح دمشق 1989.

جدران العصور: دمشق 1991.

رجعة الحكيم بن رايد: بيروت 1986.

الأعمال الشعرية الكاملة المجلد الأول - بيروت 1986.

الأعمال الشعرية الكاملة المجلد الثاني بيروت 1989.

يصادف (30 أغسطس) الذكرى التاسعة لرحيل الشاعر الكبير عبدالله البردوني (رحمه الله)، الذي كان شاعر اليمن الأول (إن لم يكن شاعر العرب) في عصور ما بعد المتنبي- في وجهة نظري الشخصية- وشكل بمعية د.عبدالعزيز المقالح قطبي الثنائية الثقافية في الوطن بوجهها الشعري والأدبي والإبداعي، وقدما معا اليمن للأوساط العربية والعالمية في حضور فعال نقي جميل وبصورة بهية مشعة.

كما أثرى البردوني الساحة الشعرية والأدبية والثقافية في اليمن بمجموعة أعمال من عطائه الزاخر الخالد ونتاجه الفكري الخلاق المتوثب، عبر مجموعاته الشعرية ومؤلفاته الثقافية ودراساته النقدية والإبداعية وأعماله الإذاعية، التي قد نجهد في ذكرها وإحصائها.

ولما كانت ذكرى وفاة الشاعر الكبير البردوني مناسبة سنوية للاحتفاء به وبأعماله وإبداعه الخالد الذي لايمحي، وفرصة للتباري في إعادة اكتشاف أعماله والاستئناس بالخوض فيها، فقد رأينا المساهمة بالكتابة عن هذه القامة الشعرية والهامة الإبداعية والفكرية عبر هذه القراءة في إطلالة السطور القادمة، التي ارتأيت فيها أن أركز على أهم صفة ملازمة له حياتيا وشعريا وإبداعيا، وهي سخريته المريرة، التي لطالما تفنن الراحل في تنميق أطياف جذابة فيها وبفلسفة شعرية خاصة عبر رؤية إبداعية خاصة، حتى غدت لديه في بعض قصائده قيمة إبداعية أو لازمة فنية للولوج إلى هذه الدائرة الدلالية، التي أعتقد أن سخريتها المتبدية لديه كائنة و ظاهرة، ولاتحتاج إلى مفتاح دلالي أو معادل موضوعي.

ومشاهد السخرية الشعرية لدى البردوني لديها طابع حواري خاص بسردية الشعر والمتأنقة بحضور طاغ، يصوغ المرارة في طيف بسام وجذاب عصي على الأسى، يأتزر الضحك في جلباب البكاء، وبصورة شعرية، طبع فيها الإلهام هذه الأساليب الفنية، بحقيقة حيايته مائلة للعيان ومرئية من دون الحاجة إلى تبيان، في ضوء مرارتها الساخطة والصاعدة من وحي خيالاته المستجمعة في صور مضاعفة عنده (الكفيف/ أكثر من المبصر) فجاءت لاهبة متوهجة، بدقة ملحوظة وإحساس واع، يعجز حتى المبصر عن الضرب فيه والإيتاء على منواله، وتظل حدود التقاط هذه الصور بمفردات لها، يكيفها ويستوحيها عبر لغة المواطن العادي وحوار الشارع اليومي، وهو طابع يثير الدهشة، خاصة بعد مستويات ودرجات التلقي المثير التي تصاحبها وتعقبها وبتراكيب شعرية أوصل بها البردوني هذه السخرية المريرة في حواراته الشعرية إلى درجة عالية من البراعة الفنية مع مرتبة راقية من الجودة الإبداعية، لها قيمتها الأدبية التي تستحوذ على الإعجاب وتثير التساؤلات، وبفضول التلقي الذي يوصل ماهيتها إلى القارئ العادي بكل سهولة ويسر، ولنقل من دون مغبة، حتى المواطن العادي الذي قد لايقرأ ولايكتب، لكنه يتمثل هذه التراكب بأنماط تخيلية عبر سماع الشعر، ويستسيغها في أريحية دون نزوع إلى التوصيل أو المبالغة في استخدام الأدوات والدلالات الإرشادية والصوتية في مشهدية عصية على الفهم، لكنها ليست كبيرة على الإبداع الذي يصوغها من صلب لبه وسريرته، حتى تتجمع ثم تستقر وتستأنس له وبه، فيصير هو إمامها وقبلتها، ولعل البردوني كان موفقا فيها أيما توفيق، ومن لسانه نختار بعضا من أبياته التي ضمنها هذه الحوارات الشعرية القاسية والذكية في آن.

ومن قصيدة متهكمة، نال فيها ببلاغة من المستخدم الرخيص والمسخر ببلاهة وبلادة يقول:

قلت إني أحب المعري

بلغوا بي أن المعري عشيقي

وأني أزوره كل يوم

وله ورشة جوار العريقي

إن تحولت فرخة ثعلبوني

وإن تضفدعت خبروا عن نقيقي

ولو رأوني أمسي حمارا لنادوا

خبراء يترجمون نهيقي

هذه الصور الشعرية الساخرة المريرة، تشي بمرح صاحبها وعفويته بسجية ذكية وحاضرة في التعرض لهؤلاء الذين لن يخلو الزمان منهم, من أيام طائفة العسس إلى شريحة الجواسيس, الذين لو تمثلوا حال هذه الأبيات لحظة، وهي تخطر في التعرض لهم وتمهر في تصويرهم والتشكيل بهم والاستخفاف ومن رجولتهم لحرموا معاودتها ولانحازوا لمهنة سواها، ولاختاروا غيرها ولباتوا في لعن أنفسهم إن هم استداموا في ظلها يوما بعد ذلك، لكن ماذا نقول، وقد قال شاعرنا الكبير قبلها. إن أحلامهم لم تغرد في غير هواها، وإن خطابهم يألف فحواها. وقد قال أيضا- يرحمه الله- في صدر بيت له: وأنشد منشد من قديم الزمان/ أو كما قالت الأمم مما أدركت قديما وخير البرية فيهم.. صلى الله عليه وسلم منهم.. إن العرق دساس.

وماذا تفعل حيال من كان خاليا من المروءة عديم الإحساس، ولعل شاعرنا الكبير عليه- رحمه الله- كان قد قسا في بعض تلكم الصور لكنني أحسب أن قسوته تلك جسد حقيقتها الشعرية بطابعية فنية، ورؤية إبداعية وريادة شعرية، وفق فيها وارتبطت به دوما، وخلت الساحة منذ وفاته إلى اليوم منها، إلا من بعض إرهاصات متفاوتة بين الومض والخفوت، لايمكن أن نطلق عليها مرحلة السخرية الشعرية المريرة، بطابعها الحواري السردي التي تندب حالها اليوم، وتشكو خلوها بعد رحيل صاحبها في 30 أغسطس 1999، وربما الأيام تثبت عكس ذلك لاحتياج الشعر لمثل ذلك، ولا أراه عاجزا عن ذلك، طبعا ليس بجودة وجزالة البردوني، ولكن المهم حضورها وفعلها، والمسألة هناك إبداعية بحتة.

وبختام هذه السطور في هذه القراءة عبر هذه الإطلالة المرتجلة التي قد لايحالفني فيها التوفيق نظرا لمحدودية وقزامة كاتبها في التعرض لحالة شعرية خاصة، خصوصية شعرها وسخريتها التي يجب أن نفهمها، والتي سعيت من ورائها إلى توضيح وشرح بعض منها، وإن لازمتها القسوة كما أسلفت في القول، إلا أنها قسوة المحب الحالم والوطني الغيور العارف ببواطن بلده، المنحاز لأحلام شعبه، ولطالما كانت خطاب البردوني الشعري والأدبي والإبداعي من هذا النوع، والتي خلدت له في نفوسهم نوعية من الخلود والتأثير ستبقى له في ذاكرة اليمنيين والعرب والأمة جمعاء مكانة عظيمة ومنزلة خاصة، لنبل موقفها وشرف كلمتها وصدق عاطفتها وتوهج إحساسها ودقة تعبيرها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى