بؤس اللحظة الراهنة في طور الباحة لم يستطع إخفاء الأجواء الروحانية التي تسبق هلال رمضان

> «الأيام» علي الجبولي:

>
الأطفال في قلب الشارع لكسب لقمة العيش
الأطفال في قلب الشارع لكسب لقمة العيش
بؤس اللحظة الراهنة في طور الباحة لم تستطع إخفاء الأجواء الروحانية التي تسبق هلال رمضان ونكهته اللذيذة وأجواؤه المميزة لدى المسلمين في كل ديار الإسلام، فهو الركن الإسلامي الذي يتوحد فيه ـ إلى حد كبير- سائر المسلمين في فرحة استقبال الشهر وصومه، وشعائره العبادية وطرق أدائها، ولايختلفون على مفطرات الصوم ومواعيد الإمساك، وفي قيام ليله، ودون اختلاف جوهري بين مذهب وآخر.

تكاد النشوة الروحية والفرحة بحلول الشهر تكون اللافتة الأساسية في طقوس وتقاليد استقبال شهر الصوم للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وإن اختلفت اختلافا شكليا باختلاف الزمان والمكان.

في هذا التحقيق نتعرف على مظاهر استقبال الشهر الكريم في طور الباحة وامتدادها إلى المناطق المتصلة بها من مديريات المقاطرة، القبيطة، المضاربة، وحيفان.. وهذه أبرز المشاهد.

موسم تسوق

حركة بيع وشراء متسارعة مشروعة وغير مشروعة تسبق هلال الشهر، وتمتد إلى عشية عيده.

الباعة، أصحاب الدكاكين، والمحلات التجارية يستعدون لاستقبال شهر الصوم وعيده بطريقتهم الخاصة، ويعدونه أخصب موسم للربح المشروع وغير المشروع.

يبدأ الباعة المتجولون الذين يفد أغلبهم من خارج المنطقة بالبسط وفرش بضائعهم على أي موضع خالٍ، ولو كان قلب الشارع أو باب مرفق عام، بسطات بهارات وفلافل ومقبلات، وزف سمك جاف، بجانبها أكوام من الأواني المعدنية والزجاجية والبلاستيكية، بجوارها مفارش الملابس، سرعان ما تتمدد بسطات أنواع الخضروات والفواكه، وفي ثنايا هذا كله يقف جواري باعة السمك، باعة التمر، يعرضون تمورهم، منها الجديد ومنها ما قد فسد وبار من رمضان ماضٍ، حتى نخرته السوس والدود ففسد طعمه ورائحته وانتهت صلاحيته، الكل يعرض بضاعته في لوحة متنافرة غير مرتبة.

تختلط الأصوات وتمتد أيادي المشترين المتلهفين لاستقبال شهر الصوم، وأكثرهم لايعرفون ولايسألون عن صلاحية البضاعة التي يشتريها، بعضها قد بار من رمضان ماضٍ، وأخرى انتهت صلاحيتها أو أفسدتها عوامل التعرية، وظل منذ وقت طويل في رفوف الدكاكين، دون أن يجد أصحابها إقبالا لها سوى في شهر الصوم موسما لتهافت المتبضعين لتصريفها، ولو بالغش، المهم المتبضع يشتري متطلبات الصوم قبل أن يهل هلاله.

هذا الهلع وازدياد الطلب كثيرا ما يزيد من ارتفاع الأسعار ارتفاعا باهظا يبدد كل إمكانيات المتبضعين، ولايقتصر التهافت على أيام استقبال الشهر الكريم، لكنه يزداد مع بدء الشهر، إذ إن الجوع والعطش يدفع بالصائم لشراء ما يمكن شرائه معتقدا أنه سيلتهم عند الإفطار كل ما يشتريه.

باعة الأسماك والدجاج ومثلهم باعة الخضار والمعلبات لايتورعون أيضا عن استغلال هلع الصائمين لبيع بضائعهم التي تروج في هذا الشهر، ولايهمهم أن تكون البضائع صالحة للاستخدام الآدمي أم فاسدة، فقد طافوا بها أسواقا كثيرة ولم تنفق فبارت وفسدت حتى وجدوا هلع صائمي رمضان موسما لتصريفها وكله تحت يافطة (فطارك يا صائم).

في ظل هذه اللوحة المضطربة ينشط المتطفلون للابتزاز بشتى المسميات (رسوم بسطة، رسوم نظافة و...)، هذا الهلع والتهافت الذي يكثر في استقبال الشهر وأيامه الأولى سرعان ما يفتر مع تقدم الشهر، ولايكاد ينهض إلا في أواخره، حينما يبدأ الناس بالاستعداد لكسوة العيد ومتطلباته، عندها تزدحم أسواق الكساء ومحلات لوازم ومتطلبات العيد أكثر من ازدحام أسواق متطلبات الاستعداد لشهر الصوم.

الهند يطحن بالمطحن للعشاء
الهند يطحن بالمطحن للعشاء
أيادٍ بيضاء لبعض التجار

شهر رمضان شهر العبادة والبركة والصدقات، قال جل ذكره «شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان» (البقرة 185)، فيه يشعر المسلمون جميعا بقرب بين السماء والأرض ويشعرون بأنه شهر المحبة، وعطف الأغنياء على الفقراء.

لذا كثيرا ما تزخر بيوت الله وبيوت الموسرين بموائد الإفطار والمآدب الرمضانية المجانية في مدن عديدة، لكن هذه العادات تكاد المنطقة لاتعرفها ربما لعدم الاعتياد عليها، وربما للجهل بأجرها، ثمة صدقات تقدم بآلية عشوائية تكاد تذل محتاجيها وتحولهم إلى متسولين.

أبرز مشاهد الصدقات تبدأ بتوزيع صفائح تمر في أواخر شعبان وأوائل رمضان يقدمها بعض المتصدقين للفقراء الذين اعتادوا الذهاب إلى منازلهم في مديرية المقاطرة قبيل حلول الشهر، أو في أيامه الأولى، ولاتصل تلك الصدقات إلى أغلب الفقراء ومن يتحلون بعزة النفس.

وبعض من يوكل لهم توزيع هذه الصدقات لايترددون في تسخيرها أو استغلالها لمنافع خاصة بهم بإيثار وجهاء ونافذين لأغراض محسوبية أو مناطقية، أو لكسب حزبي وتحقيق منافع. ثمة بعض جمعيات تقيم خلال الشهر مأدبة أو مأدبتين خلال الشهر تطلق عليها (إفطار جماعي) لاتخفى دعايتها الحزبية، يتجلى ذلك في حضور كبير لأعضاء الحزب الذي تتبعه هذه الجمعية أو تلك، أو من خلال تصوير الآكلين فوق مائدة الطعام، والتضخيم الإعلامي في وسائل إعلام حزب الجمعية، إن بهدف تسول محسنين وجمعيات مانحة أو لإبراز نشاط الحزب والولاء الحزبي وتضخيم صدقاته باسم مثل هذا الإفطار الجماعي.

بعض الجمعيات تتصدق بصفيحة أو نصف صفيحة من التمر لمساجد المنطقة في بداية الشهر، وبعضها توزع في أواخره ما تسميه زكاة الجمعية (قمح، أرز، زيت، أو سكر) بواسطة قيادة الحزب المنتج لها، لكن جل ما توزعه كثيرا ما يذهب لنافذين في حزبها، ولايصل للمستحقين حتى من أعضاء ذاك الحزب إلا الفتات. بعض الأثرياء من المنطقة أو من خارجها يقدمون صدقات نقدية أو عينية هي الأخرى لاتخلو من المهانة وكسب الولاء الحزبي، حتى إن كثيرا من الناس كانوا يرفضون في السنوات الماضية استلام هذه الصدقات فلايستفيد منها إلا قليل من المستحقين.

انواع الحبوب البلدية
انواع الحبوب البلدية
ما إن تنتصف العشر الأواخر من رمضان حتى تبدأ جحافل من المتفطرين (أطفال، نساء، رجال) بالتقاطر زرافات ووحدانا أمام أبواب الدكاكين والمتاجر، الجميع يطالب بفطرته (فطرني) فيشرع أصحاب تلك المحال بتوزيع الفطرات العشوائية، لكن بعضهم لايوزع إلا نزرا يسيرا.

ثم يوزع فطرته أشبه بهدايا ونفحات ترسل إلى منازل مسئولين ونافذين ووجاهات نقدا أو ملابس عيد تحت مسمى فطرة، وتهدف للتقرب من هذا أو ذاك بقصد كسب الود والتقرب إلى شخصيات قد يحتاجها في تسهيل معاملات أو قضاء مصلحة في وقت لاحق.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى