للتأكيد على هويته.. وحفظه من الضياع.. كتاب (من الغناء اليمني) خطوة على الطريق الصحيح

> «الأيام» أديب قاسم:

> هذا كتاب رائع في تاريخ الموسيقى، حصرا على التراث الغنائي والإيقاعي اليمني.

ومبلغ روعته أنه يبحث بحثا جديا حديثا (عبر قراءة موسيقية) لأغاني التراث اليمني. فأهميته تأتي من أنه يشكل إضافة (علمية) للمكتبة اليمنية غير ما درجت عليه المؤلفات التي سبقته، وهي تعرض لتاريخ، أو لأعلام الغناء اليمني.

ولست هنا لأعرّف بقيمة هذا الكتاب، وهي معالجة يطرحها باحث دارس وإنسان يشعر بغيرة على تراث شعب يكاد أن يندثر ويطويه النسيان، مثلما أنه يتعرض للسلب والنهب ممن يدعون ملكية هذا التراث!.

ويهمنا في هذه المساحة أن نوضح بعض جوانب هذا الكتاب من حيث الأهمية لدارسي العلوم الموسيقية والمهتمين بالغناء اليمني، وهذه الأهمية ترتكز على عنصر رئيسي، هو التوثيق الموسيقي العلمي لأعمال التراث الغنائي اليمني.

مكانة الكتاب بين كتب الموسيقى

يقدم لنا المؤلف (عبدالقادر قائد) هنا درسا للموسيقى اليمنية المعاصرة مع امتداداتها أو جذورها التاريخية (علميا وتاريخيا وفنيا) من خلال تعدد ألوان الغناء في اليمن، ومن خلال الأوزان الموسيقية، وأنماط الإيقاع المحمولة بالطابع اليمني، وما يميزه عن غيره.

وحيث يرى كثير من المثقفين الدارسين أن مهمة البحث- أي بحث- هي الكشف، إما عن شيء غير معروف في الزمن المعاصر، أو توضيح موضوع تكون معرفة الناس به سطحية أو ربما خاطئة، أو تعاني من قصور الإدراك لأهميته، فقد جعل المؤلف هذه الأغراض ضمن أهدافه، وحيث إن البحث عن الغناء والموسيقى بشأنه شأن بقية الأبحاث في ميادين الحياة المختلفة.

وليس هذا الكتاب، غير عنصر في التراث الموسيقى كغيره من كتب التاريخ الموسيقي أو فلسفة الموسيقى التي امتدت من ابن سيناء، والفارابي والكندي، وابن خلدون.. غير أنك لاتستطيع أن تصفه بأنه كتاب مثل كتاب (النغم) ليحيى بن علي بن يحيى المتمم، أو كتاب (الأدوار في معرفة النغم والأدوار) لصفي الدين عبدالمؤمن البغدادي، أو (أرجوزة الأنغام) لبدر الدين محمد بن الخطيب، وغيرها من الكتب التي عرضت لتاريخ الموسيقى منذ القرن الثاني الهجري حتى عصرنا.

ذلك أن هذا الكتاب بالنسبة إلى اليمن وكذلك المؤلف أول محاولة من نوعها لتدوين تراثنا الفني بالترقيم الموسيقي (التنويت notation)، لأنه لم يسبق أن قام غيره بتدوين هذا التراث، وهي عملية ليست هينة على الباحث الذي يغشى، للوهلة الأولى، هذا الميدان، وهذا الأمر لم يحدث في العصور السالفة عند تأليف تلك الكتب.

على أن الأمر لايتوقف على ما ندونه ليحفظ لنا ذكر هذه الأرض الطيبة العجوز (اليمن)، بل أصبح التراث حيثما وجد (اليوم) ملكا للبشرية، بالقدر الذي هو ثروة قومية يفاخر بها وطنها، وإلا ترى ما حاجة الباحث الفرنسي أو الروسي، وحتى شقيقنا السوري أن يصل إلى اليمن، وينقب بين دفائن التراث الغنائي اليمني؟!.

ونذكر في هذا الصدد أنه لو لم يسارع المؤلف الموسيقي الكلاسيكي الشهير جيوسبي فردي (1813 1901-) في القرن التاسع عشر إلى تدوين صيغ لحنية استقطرها من موسيقى الأندلس العربي إبان عزها الوارف، وما أورثته الأرض من ازدهار، لو لم يسارع ذلك (الموسيقار) العالمي إلى تدوين تلك الصيغ بالنوته الموسيقية لما عرفنا اليوم على الأرجح ما نشهده في موسيقى المغرب العربي التي حققت لنا صورة للموشح الأندلسي.

والفنان الباحث هنا (عبدالقادر قائد) ظل كغيره يعاني من الإعلام الفني الذي يسخر لطمس معالم الحقيقة، حتى ليكاد تراثنا الموسيقي الغنائي أن يندثر ويصبح عرضة للنهب ومحو هويته، وإنه لجهد جهيد أن يتوفر على جمع تلك المادة العلمية، ناهيك عن القيام بتدوين نصها الموسيقي والإيقاعي.

وحسب المؤلف الأستاذ (عبدالقادر قائد) أنه فتح بابا واسعا لدراسة فن الغناء الموسيقي اليمني (علميا) لمن يأتي بعده، وهو لا شك جهد فوق جهد الفرد، فحسبه أنه شق إليه الطريق، وبين معالمها، ووضع في يد الباحث صنعة منهجية محققة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى