«الأيام» ترصد المشاهد الحية والوقائع المؤلمة بمدينة لودر (3-2)

> «الأيام» الخضر عبدالله محمد:

>
ظاهرة حمل السلاح تخدش منظر المدينة
ظاهرة حمل السلاح تخدش منظر المدينة
تعيش لودر في محافظة أبين حالة من البؤس إنعكست آثارها على الحياة المعيشية والاجتماعية التي يعيشها مايقرب من 40،000 نسمة، وتعد لودر المدينة الاقتصادية والتجارية لعدد من مديريات المحافظة الشرقية: الوضيع، مودية،جيشان والمحفد.

«الأيام» تلمست احوال الناس محاولة أن تنقل صورة مصغرة عما يحدث.

حياة لا تحتمل

معاناة الناس هنا في لودر لاتحتمل لاسيما وأن البطالة هنا تسجل مستويات قياسية فالكثير من الخريجين بدون عمل بينما يعيش القطاع الزراعي هنا وضعاً مزياً للغاية، فانعدام مادة الديزل أثر كثيراً على الأوضاع العامة لهم بشكل عام ناهيك عن حالة القحط والجدب التي تمر بها المنطقة.. الغلاء هم يؤرق الناس. إنها معاناة حقيقية لأولئك الباحثين عن لقمة عيش شريفة يضاف إلى كل هذه المشاكل أن الكثير من قرى هذه المديرية لم تستوعبهم شبكة الضمان الاجتماعي أي بما معناه غياب تام للدور الرسمي الذي كان يجب أن تقوم به الدولة في هذه المديرية.

أسلاك كهربائية تمر فوق أحد المباني
أسلاك كهربائية تمر فوق أحد المباني
رصاص وفرح ودماء

لايخلو التعبير عن الفرح في قرى هذه المديرية من أن يصاحبه إطلاق كثيف للنار هنا وهناك ليلاً ونهاراً طوال فترة الاحتفال الشعبي وأمر كهذا وعادة كهذه تظل هماً يؤرق كل ذي عقل، إذ لايخلو أي احتفال بزواج أحدهم من إطلاق الأعيرة النارية وبشكل مكثف ..! هذه العادة هي عادة قديمة لكن إطلاق النار هذا يتم بعشوائية شديدة ولطالما ترتب عليه إزهاق ارواح بريئة، يبدي الكثير من الأهالي قلقاً شديداً جراء هذه الظاهرة وهذا القلق يعود عمره إلى سنوات طويلة لكن شيئاً ما لم يتغير! فالسلطة المحلية ظلت عاجزة حيال هذا الأمر ومازالت تقف موقف المتفرج وكأن الأمر لايعنيها لامن قريب ولا من بعيد.. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا إلى متى سيظل هذا الحال على ما هو عليه؟

تباً للعادات المعوقة زواج الشباب!!

للزواج حكاية أخرى وفصول أخرى ايضاً هنا، معاناة من نوع آخر.. التفكير في الارتباط بشريكة الحياة هنا أمر يجب أن يتوقف أمامه المرء كثيراً فالتكاليف هنا خيالية!! والحديث عن مشروع زواج يشبه إلى حد ما تفكير رجل بدائي بغزو الفضاء .. التكاليف هنا لاتقل عن 700 ألف ريال وقد تصل إلى المليون ريال عداً ونقداً وكل هذا في ظروف اقتصادية صعبة وبطالة متفشية، هذا الأمر جعل الكثير من الشباب يعزف عن الزواج إلى أجل غير مسمى، تقاليد الزواج هنا تكاد تكون استثنائية فالمسحة البدوية في الاحتفال تظل هي السائدة ولائم هنا ورقصات هناك يصاحبها تبادل الشعراء إلقاء أشعار تكاد تكون انعكاساً للحياة العامة التي يعيشها المجتمع هناك وقد تكون ملازمة للواقع اليومي الذي تحياه هذه الشريحة من الناس وكل هذه الأمور تقام على مدار أيام قبل الزفاف وقد تمتد إلى بعد يوم أو يومين بعد الزفاف.

خريجو لودر يعملون في مجال الحلاقة وكذا حمل البضائع
خريجو لودر يعملون في مجال الحلاقة وكذا حمل البضائع
السلاح الوجه الآخر للموت..

الزائر لمدينة لودر يصاب بدهشة كبيرة وذلك لحجم انتشار ظاهرة حمل السلاح.. فالسلاح هنا يحمل بصورة عشوائية!! ويزدحم الشارع الرئيس للمديرية بعدد كبير من حاملي السلاح حيث تحول السوق العام إلى أشبه بساحة يستعرض فيها الكثير من الناس ما يملكونه من أسلحة والمؤسف في الأمر أن الكثير من الأطفال في عمر الزهور تجدهم يحملون السلاح وفي أوضاع تكاد تكون لا إنسانية.. وهذه الفوضى أنتجت ظاهرة تسيب كبيرة بخصوص اقتناء السلاح وهو ما أدى بدوره إلى ظهور النزاعات المسلحة التي حولت في الآونة الأخيرة شوارع المدينة إلى ساحة اقتتال قبلية ويحدث هذا في ظل الغياب الرسمي لأجهزة الدولة.. شوارع المدينة مكان ملائم لتصفية الحسابات القبلية وهو الأمر الذي بسببه أزهقت أرواح الكثير من الأبرياء لاذنب لهم إلا وجودهم بنفس المكان والزمان والدلائل والشواهد موجودة ومعروفة وحدثت سلفاً وكتب عنها هنا وهناك وما من أحد يحرك ساكناً ولم يتغير من الأمر شيء..مدينة لودر اليوم بحاجة إلى تفاعل جدي من قبل الدولة والشخصيات الاجتماعية والمشايخ والأعيان لوضع حد لظاهرة حمل السلاح داخل المدينة أو على الأقل تقنين حمله بما يتوافق مع متطلبات الوضع الحالي ومثل هذا التفاعل سوف يسهم بالتأكيد في الحد من المظاهر المسلحة بالمدينة، التي يشعر معها المواطن والزائر بأنه في حالة استنفار شديدة خوفاً على حياته مما يراه واقعاً ، والمؤسف أن السلاح موجود في كل مكان وهناك أماكن كثيرة تبيعه لكل من يريد الشراء ووجود السلاح بيد من هب ودب يقلق السكينة العامة للناس ويعتبر عاملاً من عوامل الخروج عن القانون وانتشار الجريمة واستفحالها.. فهل من معتبر؟؟ وهل يمكن للسلطة المحلية أن تقوم بواجبها تجاه المواطن في هذه المديرية من خلال فرض سلطة النظام والقانون وتفعيل النصوص القانونية الخاصة بحمل السلاح كي يجد الزائر والمواطن من أبناء هذه المديرية الأمن والأمان اللذين هما أساس كل شيء.

أطفال في عمر الزهور أحلامهم تفوق أعمارهم
أطفال في عمر الزهور أحلامهم تفوق أعمارهم
كهرباء لودر شكر..وعتاب

تظل قضية شبكة خطوط التيار الكهربائي واجدة من أهم القضايا الخطيرة التي تعانيها عاصمة المديرية والقرى المجاورة لها، العشوائية في الربط الكهربائي كانت السبب الأول في إزهاق أرواح الكثيرين من الأبرياء، ففي عاصمة المديرية نجد أن التوصيلات متداخلة بشكل يثير الانتباه لكل زائر وعوامل السلامة في الربط تكاد تكون غائبة ، الربط الكهربائي بين القرى هو الآخر سيء للغاية فأسلاك الضغط العالي في عدد من القرى تكاد تلامس الأرض رغم علم إدارة الكهرباء بخطورة هذا الأمر، يضاف إلى ذلك أن بعض الخطوط تمر فوق منازل المواطنين والطرقات وهي على هذه الحال مما ينذر بكارثة بشرية قادمة حيث إن الكثير من هذه الأماكن يرتادها الناس أو يمرون بجانبها خاصة الأطفال الذين يلهون ويلعبون بمحاذاتها وسبق أن تعرضت هذه الخطوط للسقوط بسبب هبوب الرياح في إحدى القرى وكانت الضحية امرأة في العقد الخامس من عمرها وغيرها من الحوادث المماثلة ، لذلك فإنة ومن أجل تفادي وقوع حوادث من هذا النوع مستقبلاً فإنه يتوجب على إدارة الكهرباء أن تلتفت إلى هذا الأمر بشكل جدي وأن تعالجه بشيء من الإحساس بالمسؤولية وذلك بإجراء صيانة دورية لكل الخطوط العامة والفرعية لشبكة الكهرباء.

فقر وبطالة ..وأشياء أخرى:

يمثل الشباب العنصر المنتج والمبدع والقادر على إحداث التطور والتنمية بكافة أشكالها ومجالاتها فهم نصف الحاضر وكل المستقبل ، الشباب في مدينة لودر كغيرهم من شباب هذا الوطن يعانون الأمرين بين وطن يضيق بهم ويضيقون به وبين أحلام الشباب التي لاتنتهي. ما إن يبلغ الشاب ريعان شبابه حتى يفكر هنا بالهجرة والرحيل عن هذا الوطن حيث أصبحت الهجرة عن الوطن حلم الكثير من شباب هذه المديرية، وقد يكون الوضع المتأزم حالياً هو أحد أهم الأسباب التي أدت إلى ذلك ولكن كان بمقدور الدولة إدراكاً منها لأهمية الشباب أن توفر المناخ الملائم للارتقاء بهم وتغيير الوضع الحالي بما يؤسس لمستقبل آخر لا تتشابه ملامحه مع مانراه اليوم واقعاً من واقع اجتماعي واقتصادي لايسر الناظرين، الكثير من الخريجين مازالوا بانتظار الوظيفة الموعودة التي لاتأتي في الغالب وهي مثل جودو وجودو قد لايأتي. الشيء الآخر هو الشكوى الدائمة من المتاجرة بالحصص الوظيفية هنا في لودر، وهذا أحد أهم العوامل التي تجعل الكثير من الخريجين يحس بالإحباط الشديد ويتمنى الهجرة بل ويسعى إليها بعد أن تسد في وجهه كل المنافذ مما يجعلهم يحسون بظلم مركب فالكثير منهم تضطره ظروفه أن يعمل بمجال قد لايمت بصلة إلى مجال دراسته فبعضهم يعمل حلاقاً، والآخر يعمل بسوق السمك والخضار وغيرها من الأعمال البسيطة التي تتفاجأ فيها أن من يقف أمامك يحمل شهادة بكلاريوس بتقدير امتياز لكن ظروفه المعيشية اضطرته أن يعمل بهذا المجال.. وما ذكر سلفاً هو غيض من فيض من الواقع المؤلم للخريجين بمدينة لودر ونواحيها.

خطوط شبكة التيار الكهربائي أوهن من بيت العنكبوت
خطوط شبكة التيار الكهربائي أوهن من بيت العنكبوت
طفولة أخرى:

أطفال بعمر الزهور بمدينة لودر أحلامهم تفوق أعمارهم ، ابتسامتهم لاتبارح وجوههم ولكنها تخفي خلفها آهات فيها الكثير من الكبت والحرمان، عمالة الأطفال هنا أيضاً موجودة فعيون أطفال العربات التي تدفع باليد ونظراتهم الزائغة تلاحقك وكل منهم يتوسل إليك بطريقته الخاصة أن تستأجر عربته لحمل بضاعتك من السوق إلى أي مكان تريده والثمن في الغالب لايتجاوز 30 ريالاً.. أطفال آخرون يفترشون الأرض ليبيعوا ما لديهم من بطاط مسلوق وأنواع أخرى من المشروبات والأعمال كثيرة ومتعددة وكلها تحكي فصول حياة بائسة وطفولة أشد بؤساً وظروفاً اقتصادية ومعيشية دفعت بهؤلاء إلى هذه الوضعية.. إنها لقمة العيش التي تجبر الأطفال أن يخرجوا من منازلهم وقد يتسربون من دراستهم وهذه حكايا طويلة وخلف كل حكاية رواية وخلف كل رواية ما يضطرب له القلب وتذرف له العين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى