بؤس اللحظة الراهنة في طور الباحة لم يستطع إخفاء الأجواء الروحانية التي تسبق هلال رمضان

> «الأيام» علي الجبولي:

>
الوزف الحاضر في كل المناسبات
الوزف الحاضر في كل المناسبات
لرمضان نكهته اللذيذة وأجواؤه المميزة لدى المسلمين في كل ديار الإسلام، فهو الركن الإسلامي الذي يتوحد ـ إلى حد كبير ـ سائر المسلمين في فرحة استقباله وصومه وأداء شعائره، ولايختلفون على مفطرات الصوم ومواعيد الإمساك وقيام ليله.. ودون اختلاف جوهري بين مذهب وآخر.

تكاد النشوة الروحية والفرحة بحلول الشهر تكون اللافتة الأساسية في طقوس وتقاليد استقبال شهر الصوم في مشارق الأرض ومغاربها، وإن اختلفت اختلافا شكليا باختلاف الزمان والمكان. في هذا التحقيق نتعرف على مظاهر استقبال الشهر الكريم في طور الباحة والمناطق المتصلة بها من مديريات المقاطرة، القبيطة، المضاربة وحيفان. وهذه أبرز المشاهد.

مشاهد اللحظة الحاضرة

وسط حشد من المعاناة وضنك العيش وقتامة اللحظة الحاضرة التي تمر بها طور الباحة يستقبل الناس شهر الصوم ويستعدون له في مشاهد تدل على الحب، إذ إن مدينة طور الباحة تعيش منذ عدة أشهر أوضاعا استثنائية ربما لها شبه في مناطق يمنية أخرى ألفتها واعتادت عليها، لكن طور الباحة هذه المنطقة الريفية لم تألف هكذا أوضاع ألمت بها لأول مرة.

من غرائب هذا الوطن التغريد خارج السرب، ومخالفة مألوف حركة سير الزمان، الأمم تسعى بكل جهدها للسير نحو الأمام وبلوغ التقدم والتطور الأفضل، وهذا الوطن يخالف هذا الناموس الكوني. طور الباحة لم تقف عند مربع جمودها ولكنها تغادره إلى الخلف، لم تتقدم إلى الأمام، ولم تبق حيثما كانت في مربعها الأول والحفاظ على القليل الذي تحقق لها في عهود سابقة، لكنها أجبرت على مغادرة هذا المربع نحو الخلف!. والأدهى أن هذا التقهقر ليس إلى ماض قريب كانت تعيشه بل إلى زمن بعيد لم تعد تذكره، (زمن الثار، ما قبل الفانوس الدلو... التطبيب)، فلا هي تقدمت إلى الأمام ولا ظلت في مكانها.انهار كل ما تحقق لها من خدمات، فعادت خالية الوفاض مثلما كانت ربما قبل أربعة عقود.

تستقبل رمضان هذا العام وقد فقدت ابرز الضروريات (الأمن والسكينة العامة، نعمة ماء الشرب، خدمات الصحة، النظافة..) التي تحققت لها خلال عقدي الثمانينات والتسعينات، وضاع النزر اليسير الذي كان يصلها من الكهرباء.

تدهور مشروع الماء إلى حد الانهيار فغدت مشاهد دبات البلاستيك فوق رؤوس النساء والأطفال وعلى ظهور الحمير بحثا عن ماء الشرب، بجانب سيارات تتسابق على مصادر بيع الماء لتعود تجوب القرى لبيعه من خزاناتها الملوثة بسعر باهظ لم يعد يقدر عليه إلا من (لايزال عالقا بخط الفقر) أما من وصل إلى تحته (خط الفقر) فلا يستطيع.

كهرباء أمل

منذ 25 عاما وصلت الكهرباء مدينة طور الباحة وأربع قرى في ضواحيها فتمتعت من 6-4 ساعات في الليلة، أما النهار فلم يعرف الكهرباء بعد.

لكن في كل رمضان كانت إكرامية التغذية ترتفع إلى ثمان ساعات لاتخلو من انقطاعات أحيانا لليالي بكاملها. هذا الوضع كثيرا ما يمن به كمنجز من المنجزات، رغم أنه لايغطي أكثر من 15 % من سكان طور الباحة. لكن قبل ثلاثة أشهر خرب مولدا الكهرباء وصار إصلاحهما ميئوسا منه، ومن يومها فطم الناس من الكهرباء واقتنعوا أن يستقبلوا الشهر الكريم بظلام حالك معتذرين له باستحياء إن سألهم في لحظات الوداع أين (كهربتكم)؟. ثمة أمل كهربائي يطلق عليه تضخيما (مشروع كهرباء المقاطرة ـ طورالباحة العمومي) كما يحلو للمفاخرين تسميته، لا أحد يعرف متى يبزغ نوره،.قبل أشهر تمدد نصب أعمدة لنحو عشرة كيلومترات إلى عدد من قرى طور الباحة، تلاها نصب أعمدة في المقاطرة، بأمل أن يأتي التوصيل من نجد البرد في الحضن الجنوبي لقلعة المقاطرة إلى سوق السبت بطول نحو 12 كم.

هذا المشروع يدور حوله الحديث منذ سنين وسنين، إلى حد المبالغة بأنه كان سيفتتح في عيد الوحدة الماضي، ثم سيكتمل قبل رمضان إلا أن النور ربما تمر أشهر وربما سنين قبل أن يراه الناس، حتى إن أكثر الناس لم يعودوا يصدقوا تكرار الوعود.. ومنهم من يراه دعاية لانتخابات البرلمان المقبل ليس إلا.

مشاهد مؤلمة

رمضان شهر المحبة والمودة والسلام، كيف يستقبل في مدينة طور الباحة و(مئات البنادق مشحونة) وهناك من قتل السلام في أنفسهم، ومزق الثار والقتل عرى المودة لديهم.

طيلة العامين الماضيين تمتعت طور الباحة بمنع حمل السلاح، وشعر الجميع بالذات في ليالي رمضان بالاطمئان، خلال رمضان الماضي لم يحدث ما يعكر صفو شهر تصفيد الشياطين عدا حوادث بسيطة، لكن شيطانا من شياطين الثأر يبدو أنه أفلت من أصفاده فأزهق روح شاب صباح أول أيام العشر الأواخر في قلب المدينة، وبسرعة صباح اليوم ذاته لحقه شيطان آخر بإزهاق روح شابة.

فكيف سيكون حال رمضان هذا العام في مدينة تعج بالسلاح ليل نهار. والثأر يطارد فرائسه أينما ثقفها، كان آخرهم سبعة قتلى في شعبان، أربعة في غرته، وثلاثة في العشر الأوائل، ولاتزال البنادق مشحونة واستراحة محاربي الثأر لم تعلن.

البحث عن الماء
البحث عن الماء
كان الناس قد وضعوا البنادق، فجاء الأمن المركزي في أبريل الماضي، ويومها شرعن للناس من جديد إباحة القتل بشرع الغطرسة، حينما أقدم على قتل الشيخ يحيى الصوملي وحافظ الأصنج مطلع مايو الماضي أمام مرأى الناس، من يومها رفضوا إنزال البنادق من أكتافهم، عادوا إلى صيرورتهم الأولى بتعمير البنادق وإحياء حبهم الدفين للقتل، كأن فعلة الأمن المركزي هدفت إلى تحديث هذه العادة المقيتة. عادوا إلى البحث الحثيث عن طعم لرصاصهم، على أية ذمة كانت (ثار، تصفية الخصومات، خلاف طارئ..) المهم مثلما فعل الأمن يفعلون.. ألم يقل العرب (لاتعلم القرد لقط الحجر حتى لايرجم رأسك). وزاد من طمأنتهم أن من يقتل لايقبض عليه، بل حتى لايُسأل لماذا قتلت؟. حينما تصل الحال إلى هذا الدرك من التسيب والانفلات فإن الأمر لايخفى حتى على الأغبياء بأن وراء السيناريو ما وراءه، و(ما وراء هذا) حتما لايفرق بين شعبي ورسمي. هذا الحال أجبر مسئولين على الفرار تحت لافتة (سلامة الرأس مغنم).

مستشفى طور الباحة هو الآخر بني منتصف السبعينات تحت لافتة (هدية من الشعب الكويتي)، وظل يؤدي خدماته حتى منتصف التسعينات حينما بدأت الشوائب تشوبها، فتراجعت خدماته، تردت، تدهورت، ثم أمست قاب قوسين أو أدنى من الانهيار.

وطيلة الأشهر التسعة الماضية وصل إلى حال يصعب تصوره، بات معه المستشفى (خرابة) يلفها الظلام والوحشة.

(أطلال) تلفها خيوط العنكبوت، وتسرح فيها الخفافيش، من يدخله ليلا لن يظنه سوى جرف تأوي إليه العقارب، ولحظتها يهون مرضه أمام علة المستشفى، ولن يطلب أكثر من الفرار!.

لن نتحدث عن قمامة و(كداديف) ومخلفات وأوساخ، ضجر الناس من الشكوى منها، فاعتادوا عليها وتآلفوا معها.. لن نتعرض لسد الشوارع بجواري الأسماك وبسطات البيع.

وسط كل هذه المشاهد البارزة يُستقبل شهر التوبة والغفران، شهر المودة والسلام كحبيب عاد بعد فراق عام كامل مخلفا اللوعة والحنين.

مشاهد متفرقة من الطقوس الدينية والشعبية يستقبل بها شهر الصوم في حاضرة الصبيحة، تتداخل المشاهد واللقطات بيد أنها لم تستطع أن تمس اللوحة الخلابة التي تنتصب لاستقبال شهر الصوم، شهر التوبة والغفران بنشوة الفرحة والامتثال لطاعة الرحمان.. ورمضان كريم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى