يحبهم ويحبونه

> «الأيام» علي بن عبدالله الضمبري:

> «حب الله» نعمة ربانية، ومنحة إلهية، وفيض سماوي عامر بالحب، غامر بالنور، ولا يعرف قيمة هذا الحب إلا من (ذاق) و(عرف).. لكن ذلك كله يتأثر بالعوامل والأجواء المحيطة، والملابسات المرافقة، والظروف المؤثرة.. صحيح أنه يظل كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.. ولكنه يطلب من صاحبه أن يعيش له، وأن يطمئن إليه، وأن يحافظ عليه، وأن يلتزم به، من أجل أن يرسخ ويزداد، ويقوى، ويشتد، ويبقى ويدوم، ويستقر ويستمر، ويعطي ويثمر.

فما هي عوامل قوة حب الله واستمرارها؟

لعل ذلك يتضح في هذا الحديث القدسي الذي رواه البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:إن الله تعالى قال:«من عادي لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني أعطيته ولئن استعاذني لأعيذنه».

ما أروع هذا الحب العظيم!!

حبيبك الأكرم يقول لك: أدِّ واجبك، قم بمسؤولياتك، أتقن عملك لأن الله «يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه» الحديث. المهم (الفروض) الأساسية، و(الواجبات العينية).. والله «أشد فرحاً» بتوبة العبد المقصر الذي ضيع ما افترض الله عليه، وهو أرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا.

فتّش، ابحث استقصي عن (موقفك) من أداء ما افترضه الله تجاه عباداتك، وفي مجال علاقاتك، وعلى صعيد مهنتك ووطيفتك، وأمام أصدقائك وزملائك، وإخوانك وجيرانك، ومقابل عملك وكسبك، ونزاهتك وأمانتك، وبيتك وأسرتك، وصدقك وتقواك، وتواضعك وتواصلك، وعلمك ومعرفتك وثقافتك.. واسأل قلبك الذي يحب ربك: هل أديتُ ما افترض الله تعالى عليّ من فروض وواجبات ومسؤوليات؟!! فإذا كان الجواب: نعم، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأعلن أنه قد أهّلك لحبه، وأدناك من قربه، وأدخلك في حزبه وأنسك بذكره، وأعانك على شكره، وصرف عنك شر الغفلة وشؤم الإهمال..ولم يبق إلا (النوافل) لتؤكد هذا الحب، وتعمقه، وتحققه، وتمحصه، وتخصصه لله وحده، وما أظن المقصود بالنوافل كثرة صلاة وصيام وذكر، مع غفلة وشرور!! بل (النوافل) تعني الزيادات التي تجمّل العمل، والإضافات التي تكمّل الطاعة، والتحسينات التي تزين المعروف، وهذه كلها ما تزال تفعلها وتواصلها ولا تقطعها لأن «أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل».

يقول الشيخ أحمد بن علوان - رحمه الله - في كتابه (المهرجان صفحة 33): «كم من قائم على قدميه في المحراب غير متدبر لحقوق السنة والكتاب. وكم من تالٍ لكتاب الله بلسانه غير متدبر لخوفه ولا لأمانه، وكم من راكع في صلاته بصلب ظهره، غير راكع تحت سلطان الله ونهيه وأمره، كم من ساجد على جبينه، غير ساجد لجلال الله وعظمته ولا متدين بدينه، وكم من قائل (سبحان الله) وهو سابح في بحار معاصي الله، وكم من قائل (الحمد لله) وهو كافر النفس بنعم الله، يتقوّى بها على معاصي الله، وكم من قائل (لا إله إلا الله) متخذاً إلهه هواه، وكم من قائل (الله أكبر) وهو من تكبر على المسلمين وتجبر، وكم من صائم بجوفه عن الطعام والشراب، غير صائم عن سيء الكلام والإكذاب، ولا تاركاً لمباشرة الآثام وظلم الأنام، وكم مؤدٍ لزكاة ماله، غير مزكٍ لقبائح أعماله وأقواله».

وهذا النفس (الإيماني اليماني العلواني) ليبين أهمية الحفاظ على (روح العبادة) و(جوهر الطاعة) و(نقاء الإخلاص) و(صفاء الضمائر) و(ميناء السرائر) و(فعل الخير) و(حب الغير) وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

مدرس بكلية التربية

جامعة عدن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى