رجال في ذاكرة التاريخ

> «الأيام» نجيب محمد يابلي:

> شبام:ورد في «دراسات في تاريخ حضرموت الحديث والمعاصر» لمؤلفه أ. د. صالح علي عمر باصرة (ص 63 -82) إنه «وفقا للتقسيم الإداري للدولة القعيطية الذي أعلن في 19 صفر 1359هـ 8 أبريل 1940 أضحت شبام اللواء الخامس للسلطنة القعيطية الذي يتكون من مدينة شبام، وهي مركز اللواء، وكذا القرى والمدن التالية: هنين، حورة، الرايفية وعينات شرق تريم ، وأهم القبائل التي سكنت هذا اللواء هي: قبائل الصعير ونهد والكرب وقبائل دهر ورخية وعرمة وآل وبر و آل مخاشن والمناحيل والسماح وآل عمران».

لا يتسع المجال لذكر الأيادي البيضاء للشباميين (في منطقتهم) في مجال الصحافة وجمعيات الإصلاح والإرشاد والهيئات الاجتماعية الأخرى التي حولتها الأحوال الشبامية الوفيرة في الداخل والمهجر، ومن الأسر الشبامية المعروفة: أسرة سميط وباعبيد وشماخ وباجرش وباذيب وجبر و التوي وعقبة و محيرز ومسلم وبن شامخ.

-1 سالم عمر باعبيد:

ورد في «معجم بلدان حضرموت المسمى إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت» للعلامة المؤرخ السيد عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف (ص267):«ومن آل شبام: آل جبر وآل التوي وآل باعبيد وهم أربعة إخوة محمد وعمر وعوض وأحمد بنو سالم باعبيد، إليهم الآن زمام التجارة بشبام، ولهم مراكز في عدن وغيرها، وقد مات عما قريب أحبهم إلي وهو أحمد فرحمه الله وأخلفه بخلف صالح».

الشيخ سالم عمر سالم باعبيد من مواليد 1924 في مدينة شبام العريقة بوادي حضرموت التي ذاع صيتها منذ سالف الزمان بالعلم والتجارة، ونشأ الشيخ سالم في عائلة مارست التجارة كابرا عن كابر منذ أكثر من 150 عاما، تلقى الشيخ سالم باعبيد تعليمه الابتدائي الديني في شبام.

على عادة التجار الحضارم بتوجيه أولادهم في سن مبكرة لخوض معركة الاغتراب والتشمير عن الساعد، انتقل الشيخ سالم باعبيد إلى مدينة عدن وكان رحمه الله في ربيعه الرابع عشر ليلتحق بخدمة الأسرة تحت إشراف والده الشيخ عمر سالم باعبيد.. وعند اطلاعي على وثيقة «الغرفة التجارية العدنية» ADEN CHAMBER OF COMMERCE لعام 1958 تكرر اسم باعبيد في قائمة الأعضاء مرتين مرة باسم «باعبيد وشركاه»، ومرة ثانية باسم «عوض سالم باعبيد»، في حين أن عدن عرفت الفرسان الثلاثة لآل باعبيد في التجارة: وهم الشيخ عمر (والد سالم المترجم له في هذه الحلقة) والشيخ عوض سالم (شقيق والد المترجم له) والشيخ محمد سالم (شقيق والد المترجم له).

الشيخ سالم باعبيد والأطلس الجغرافي التجاري:

نبغ الشيخ سالم باعبيد في مجال التجارة في مرحلة مبكرة وأهله ذلك التراكم ليصبح فيما بعد علما من أعلام التجارة في عدن وحضرموت، حيث امتد النشاط التجاري للأسرة إلى الحبشة واليمن الشمالي (المملكة المتوكلية اليمنية ووريثتها الجمهورية العربية اليمنية) والصومال، وانتقل الشيخ سالم من منطقة لأخرى، وأقام فيها فترة وكان لمدينة الحديدة حصة متميزة، وكان قدره هو قدر الأديب السوري حنا مينه نفسه الذي ارتبط أدبه بالبحر، في حين ارتبطت تجارة ورياضة الشيخ سالم باعبيد بمدن الموانئ (البحر).

الشيخ سالم باعبيد يتعامل في محيط كوسموبوليتاني:

تشير وثيقة «الغرفة التجارية العدنية» (مرجع سابق) في قائمة أعضائها إلى كوسموبوليتانية المدنية (عدن) فتجد نفسك أمام فسيفيساء تجارية، وخذ على سبيل المثال: المحترم علي مقطري (هكذا ورد Honourable بحكم عضويته في المجلس التشريعي، وفي فترات عضو سلطة ضواحي الشيخ عثمان SHAIKH OTHMAN TOWNSHIP AUTHORITY - سلطة بلدية) وسندرجي كاليداس وهائل سعيد أنعم وبول رايس وعلي محمد الجبلي وبالنجي دتشور ومحمد عمر بازرعة وشركة البس وشركة أعمال الملح والصناعة المتحدة المحدودة (التي آلت مجانا بعد الحرب إلى المؤسسة الاقتصادية) وكوري وإخوان وشركاهم ومحمد سعيد غالب السفاري وبيكاجي قهوجي والقائمة طويلة جدا.

عاد الشيخ سالم باعبيد إلى عدن الآخذة بالازدهار نتيجة ارتباطها بالتجارة العالمية واحتك بالعديد من الشركات التجارية المحلية والعربية والأجنبية، واستفاد كثيرا من مجالسة أقطاب التجارة أمثال: انتوني بس وبول رايس والحريري والجبلي وغيرهم، علاوة على الخبرة القيمة التي اكتسبها من الواقع العملي مع والده الذي تميز رحمه الله بالحنكة.

الشيخ سالم باعبيد يصول ويجول في الوسطين الرياضي والاجتماعي:

المجتمع المدني هو بحق التربة الخصبة لأي نظام مؤسسي وديمقراطي، وهو المجتمع الذي نعم به الشيخ سالم باعبيد الذي ارتبط بأعرق أندية عدن وهو نادي الاتحاد المحمدي Mohmedan Combined Club الذي عرف جماهيريا بالـ «إم. سي. سي» والذي تأسس عام 1905، وبدأ الشيخ سالم نشاطه في النادي لاعبا، ويتجلى ذلك في مشيه حتى وهو في أرذل العمر، ثم نشط مشجعا وإداريا وممولا، بل وإنه كان رئيسا للنادي في فترة من الفترات (مع بداية 1949م).

على الصعيد الاجتماعي، ارتبط الشيخ سالم باعبيد بوجاهات اجتماعية بارزة كان منهم الأفاضل آل لقمان وآل باشراحيل وآل جرجرة وآل الرماح والشيخ محمد بن سالم البيحاني الكسادي والشيخ علي محمد باحميش.

الشيخ سالم باعبيد يدير تركة والده بمنتهى الاقتدار:

تولى الشيخ سالم باعبيد مسئولية إدارة أعمال الأسرة بعد وفاة والده وشملت مسئوليته إدارة الممتلكات العقارية في مناطق مختلفة من ضمنها سنغافورة وجاوة في شرق آسيا، وبفضله تعالى حقق الشيخ سالم باعبيد نجاحات باهرة، وساعده في ذلك العصر الذهبي لعدن، المطار والميناء والمركز التجاري العالمي.

كما فتح الشيخ سالم باعبيد قنوات تجارية أخرى منها الحديدة التي مارس من خلالها تجارة الاستيراد والتصدير ولا سيما تجارة تصدير البن، وكانت الأسواق اليابانية والفرنسية والأمريكية مستهلكة لصادراته من البن.

كانت مخازن الشيخ باعبيد في متناول رجال المقاومة الشعبية عندما تعرض النظام الجمهوري في الشمال لضغوط عسكرية وسياسية أرادت النيل من النظام الجمهوري، وهو موقف يحسب للشيخ سالم باعبيد ولم يطالب في حياته ومن بعده ورثته بمقابل ذلك العمل لأنه عمل وطني.

الشيخ سالم باعبيد وعراقة عضويته في مجلس إدارة غرفة عدن:

برزت مكانة الشيخ سالم باعبيد في غرفة عدن قبل الاستقلال وبعده، حيث احتفظ بعضويته في مجلس إدارتها حتى وقت قريب، وسلم الراية من بعده لنجله محمد سالم باعبيد الذي حظي بثقة أعضاء الجمعية العمومية للغرفة في دورتيها الانتخابيتين عامي 2001 و2006، وذلك بعد ما لازم الشيخ سالم الفراش، حيث أقعده المرض، وأدار عمل المؤسسة نجلاه الباران عبدالله سالم ومحمد سالم باعبيد.

«الأيام» : الشيخ سالم باعبيد في رحاب الخالدين:

نشرت «الأيام» في عددها (4629) الصادر يوم الإثنين 5 شوال 1426هـ الموافق 7 نوفمبر 2005 :«انتقل إلى جوار ربه يوم الأربعاء الماضي 30 رمضان 1426هـ الموافق 2 نوفمبر 2005 المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ سالم عمر باعبيد عن عمر ناهز الـ(81) عاما بعد حياة حافلة بالعطاء وأعمال البر، وقد شيع جثمانه جمهور غفير من رجال الأعمال والشخصيات العامة والاجتماعية المعروفة ومن مختلف شرائح المجتمع إلى مثواه الأخير في مقبرة العيدروس بعد الصلاة عليه في مسجد أبان في كريتر».

واختتمت «الأيام» تقريرها الخيري بتقديم الناشرين هشام وتمام باشراحيل وأسرة تحرير «الأيام» ورواد منتدييها في صنعاء وعدن تعازيهم إلى نجلي الفقيد (عبدالله) و(محمد) وأفراد أسرة باعبيد كافة.

-2 محفوظ سالم شماخ:

الميلاد والنشأة:

الشيخ محفوظ سالم محمد شماخ من مواليد بلدة ناطحات السحاب (شبام)حضرموت (السلطنة القعيطية) في 15/9/1940، تلقى تعليمه النظامي في المدرسة الوطنية بحضرموت في العام 1952، ومن أبرز أساتذته التربوي القدير المرحوم عبدالله بن مصطفى بن سميط، وانتقل بعد ذلك إلى عدن ليكمل دراسته الابتدائية في مدرسة بارزعة الإسلامية، والتحق بعد ذلك بالمعهد التجاري العدني ADEN COMMERCIAL INSTITUTE في الخليج الأمامي بعدن الذي أسسه الحاج ياسين راجمنار عام 1924، ومن الكواكب اللامعة في هذا المعهد الأستاذ مصطفى عبدالكريم بازرعة التربوي والرياضي والسياسي الوطني الكبير متعه الله بالصحة وأطال الله عمره المقيم حاليا في مصر العربية ومتزوج من ابنة الراحل الكبير ياسين راجمنار.

نسب الشيخ محفوظ رحمه الله الأيادي البيضاء في تشجيعه ودعمه، وخاصة في الدراسة إلى الرعيل الأول من رجال الثورة اليمنية أمثال الشيخ أحمد محمد نعمان والأستاذ قاسم غالب والأستاذ زيد الموشكي والأستاذ الرباطي الذين كانوا يلقون دروسا خصوصية لشماخ وزملائه في مقر الاتحاد اليمني بعدن بعد ساعات الدوام الدراسي.

الشيخ محفوظ يؤسس نفسه اجتماعيا في عدن:

ورد في الجزء الأول من أعمال الندوة العلمية الأولى (عدن ثغر اليمن.. الماضي - الحاضر - المستقبل) التي نظمتها جامعة عدن خلال الفترة 15-17 مايو 1999 (ص285) الموضوع الموسوم «نبذة تاريخية عن الجمعية الوطنية الحضرمية بعدن» الذي قدمه الأستاذ محمد عوض باوزير عرض فيه مراحل عمل الجمعية بعدن منذ مرحلة الإنشاء والتكوين (1947 - 1950)، واتضح من خلال وثيقة «النظام الأساسي» للجمعية التي طبعت في القاهرة في فبراير من العام 1947 أن مؤسسها هو الشيخ سالمين عمر باسنيد (والد الأخ بدر باسنيد المحامي المعروف)، وتم بناء مقر الجمعية على أرض تبرع بها الشيخ محمد عوض بن طاهر باوزير.

أما البحث الثاني - بحسب توصيف باوزير - للجمعية من عام 1961 حتى عام 1967، وبدأت هذه المرحلة بعقد اجتماع عام لأعضاء الجمعية مساء الأحد 17 ديسمبر 1961 في مقر الجمعية الإسلامية الكائن في طريق حقات بكريتر، وتم انتخاب هيئة إدارية جديدة برئاسة الشيخ محمد عوض بن طاهر باوزير وسكرتيرتارية محفوظ سالم شماخ، وقد افتتح المقر الجديد (الحالي) للجمعية في منطقة الخساف في يوم ذكرى المولد النبوي (12 ربيع أول 1382هـ) الموافق 12 أغسطس 1962، حضره أكثر من (300) شخصية حضرمية اجتماعية كان من ضمنهم السيد أحمد محمد العطاس نائب وزير السلطنة القعيطية آنذاك.

يعتبر الشيخ محفوظ شماخ مؤسس جمعيتي الإصلاح الاجتماعي الخيرية وجمعية حضرموت الاجتماعية الخيرية، وأسهم في أعمال خيرية عديدة كان من ضمنها مستوصف شبام (حضرموت) ومدرسة للنبات، كما دعم عددا من الجمعيات الخيرية ودور الأيتام ومدارس تحفيظ القرآن الكريم، وكذا المؤسسة الخيرية لدعم مرض السرطان، كما أنشاء رحمه الله مستشفى للأمراض النفسية والعصبية وعددا من المساجد والمدارس.

الشيخ محفوظ شماح رجل الثقافة والحصافة:

يحسب للشيخ محفوظ شماخ رحمه الله أياديه البيضاء في خلق قاعدة ثقافية رياضية وسياسية في الوسط الاجتماعي، حيث أسس نادي التعاون الثقافي الرياضي السياسي في شبام في ستينات القرن الماضي، وكان رحمه الله من رموز الثقافة، ويجيد اللغة الإنجليزية، وانتهج خطا واضحا وصريحا على مختلف الأصعدة: ثقافيا واقتصاديا وسياسيا الأمر الذي صعده إلى الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح.

قدم الشيخ محفوظ شماخ نفسه للرأي العام من خلال وسائل الإعلام من خلال كتاباته في الصحافة عامة و «الأيام» خاصة، وكان جسورا في طرح آرائه وتصوراته والبدائل التي كان يقدمها على السلطة، وعرفه الوسطان التجاري والاجتماعي بمناهضته للسياسات الحكومية خاصة قانون ضريبة المبيعات، وصعد النزاع مع الحكومة إلى الدائرة الدستورية في المحكمة العليا، دفع رحمه الله ضريبة وقوفه في القضايا التي تمس الصالح العام.

الشيخ محفوظ حكيم وشيخ التجار في اليمن:

شق الشيخ محفوظ شماخ طريقه في العمل التجاري وحفر الصخر بأظفاره، وبدأ العمل مع والده في تجارة تصدير البن والجلود من ميناء الحديدة منذ بداية الثورة مباشرة (راجعل التفاصيل في الحوار الذي أجرته معه مجلة «نوافذ» في العدد (40) 15 فبراير / 15 مارس 2003).

تنوعت وازدهرت النشاطات التجارية لـ«مجموعة شماخ التجارية» لأولاد الشيخ سالم محمد شماخ: وهم محفوظ وأبوبكر وأحمد ومعروف، وشغل الشيخ محفوظ منصب نائب رئيس مجلس إدارة مجموعة شماخ التجارية، وأطلق عليه وصف وتسمية حكيم وشيخ التجار في اليمن، ويعتبر من أكبر رجال الأعمال في اليمن، وترأس مجلس إدارة الغرفة التجارية والصناعية في أمانة العاصمة.

«الأيام» : الشيخ محفوظ شماخ في موكب الخالدين:

نشرت «الأيام» في عددها (5287) الصادر يوم الأربعاء 2 يناير 2008 خبر وفاة الشيخ محفوظ يوم الثلاثاء الفاتح من يناير 2008، وعرضت في سياق الخبر الطويل مسيرة الشيخ الجليل الفاضل الحافلة بالأعمال الجليلة، واختتمت التقرير الخبري برفع تعازي الناشرين هشام وتمام باشراحيل وأسرة تحرير «الأيام» إلى عمر محفوظ شماخ (نجل الراحل الكبير) ولإخوانه أبوبكر وأحمد ومعروف سالم محمد شماخ.

الشيخ أحمد الآنسي والحاج عبدالواسع هائل في شهادتين للتاريخ:

حملة مجلة «النور» اليمنية في عدد (201) الصادر في فبراير 2008 انطباعات وشهادات لشخصيات عامة واجتماعية معروفة عن الراحل الكبير الشيخ محفوظ شماخ، وكان منهم الأستاذ أحمد الآنسي رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والحاج عبدالواسع هائل سعيد أنعم رجل الأعمال المعروف.. ماذا قال الرجلان؟

الأستاذ أحمد الآنسي أفصح عن تأكيده بأن «محفوظ شماخ كان رجلا عظيما سواء في مواقفه السياسية والوطنية والوحدوية أو الإنسانية والخيرية والاقتصادية»، وأضاف:«لقد فقدنا رجلا عظيما جمع بين الحكمة والسياسة والتجارة وإنفاق المال». الحاج عبدالواسع هائل عبر عن الحدث بالقول:«إن رحيل رجل الأعمال محفوظ شماخ كان مفاجأة كبيرة للجميع، إن رحيل شماخ سيشكل فراغا كبيرا في هذا البلد كونه رجلا يساوي آلاف الرجال في جهده وعطائه، سباقا في أعمال الخير في بيته ومحله لا ينقطع عنه الزائرون من الفقراء والمحتاجين، وكان له دور بازر في دعم الفقراء والأيتام والمرضى، وله إسهاماته في فعل الخير كبناء المساجد ودعم الجمعيات الخيرية وغيرها من الأعمال». وأضاف عبدالواسع:«كنا بالأمس في عزاء فقيد الوطن والأمة الشيخ الأحمر، وكان شماخ يتحدث إلينا بكل أريحية، وكان يقول على من سيأتي الدور وكأنه يشعر بدنو أجله رحمه الله».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى