> «الأيام» علوي بن سميط:

المرحلة النهائية لمنبر جامع شبام 2008م
المنابر الأربعة العتيقة تحكي زمن علم ورجال.. أعيد تأهيلها بعد إجراء الترميم عليها علميا وتقنيا بخبرات أجنبية عربية ومحلية، فما حكاية هذه المنابر؟
«الأيام» ارتقت درجات تلك المنابر لتنقل تاريخها وكيفية ترميمها، ومن مول هذه الأعمال..
منبر جامع شبام حضرموت
يعود تاريخ منبر شبام إلى 643هـ بحسب ماهو محفور على أخشابه وأمر بصناعته وإهدائه إلى الجامع أحد ملوك بني رسول من عدن، وهو المنصور عمر بن علي رسول (الدولة الرسولية) وبحسب المعلومات التاريخية المؤكدة فإن ولاية المنصور لدولة بني رسول حتى 647هـ، أي أنه أمر بهذا المنبر قبل وفاته بسنوات قليلة.
وتؤكد كثير من المصادر بأن هذا المنبر صنع في عدن أو الشحر على يد أحد النجارين واسمه أبوبكر العطار (مكتوب اسمه على المنبر) وبعث به إلى شبام، وبالطبع مفكك الأوصال وتم تركيبه في عهد السلطان عبدالرحمن بن راشد (سلطان على الشحر وأجزاء حضرموت)، ويعد هذا المنبر تحفة فنية إسلامية من حيث الشكل أو الفنيات والأعمال والنقوش المحفورة عليه..
ظل المنبر يؤدي وظيفته حتى تم تجديد مسجد الجامع بشبام.
ولربما يكون أقوى وأكثر زمنا من بين المنابر في عموم اليمن فمنذ 643هـ وحتى 1427هـ بقي المنبر واقفا صامدا أمام تقلبات الطبيعة والزمن، وبالطبع فإن ترميمات جرت عليه خلال تلك الفترة الطويلة (سبعة قرون)، ولعل أهم الترميمات جرت لمنبر شبام قبل ثلاثة قرون.
إجراء تركيبات للمنبر
في عام 1992م بدأ التفكير الجدي في إصلاح وترميم جامع مدينة شبام، وقدم حينها عدد من الأشخاص طلبا للسلطات بأن فاعل خير ينوي تجديد الجامع فتمت الموافقة شريطة الالتزام بالنمط المعماري الهندسي للمسجد وعدم المساس به.. بقي المسجد شاهدا على العمارة الجذابة للمساجد القديمة سواء من حيث الشكل أو الساريات السميكة أو الأقواس الطينية الملبسة بالنورة، ولم تتطرأ أي تغييرات لأن بداية التسعينات وبحسب ما سبق من تقديم طلب عمارته لم يحصل، وظلت الوضعية للمسجد بحالة لابأس بها إلا أنه وفي شهر أبريل من عام 96م حصل انهيار في الجزء الغربي بجامع شبام.
ونشرت حينها خبرا مما جاء فيه «انهار الجزء الغربي من مسجد الجامع.. أقدم مساجد العالم الإسلامي.. ووقع الانهيار في الرواق الأول بعد صلاة العصر وبعد أن غادره المصلون»، (انظر «الأيام» عدد 251 في 1996/4/10م 22 ذي القعدة 1416هـ ص 5)، كما نشرنا صورة انهيار السقوف الغربية.
عندئذ تداعى الأهالي لضرورة إعمار المسجد إثر ما حصل، وعلى نفقة فاعلي الخير تم الشروع في العمل ليجدد المسجد كاملا لمدة تزيد عن عام كامل، تغيرت فيه الملامح من حيث طرازه المعماري ومع هذا التجديد، أيضا أوجد منبر جديد وأضحى المنبر السابق محفوظا بطرف المسجد بعد أن صعد عليه بالطبع علماء ومصلحون وحكام وخطباء منذ القرن السابع الهجري وحتى القرن الخامس عشر الهجري.
ويعد هذا أطول زمن لمنبر يؤدي وظيفته المسجدية في مدينة تاريخية والأقدم حتى الآن، كمنبر على مستوى اليمن، ولأنه منبر قديم وشاهد حي فإن الأهالي وكذا إمام المسجد والمشروع الألماني العامل في شبام والصندوق الاجتماعي ارتأوا أن ترميمه بادرة وطنية على أن يكون التمويل على حساب الصندوق الاجتماعي.
كما استقدم المشروع الألماني خبيرا دوليا في ترميم الآثار الخشبية وفقا والطرق العلمية ليصل الخبير جمال الجابر (أردني الجنسية) لدراسة ومعاينة الوضع ورسم خطة الشروع في التنفيذ على أن يتم كل هذا داخل المسجد. الجابر قام بتدريب الحرفيين والشباب من أبناء المدينة على كيفية ترميم الأخشاب القديمة والتعامل معها واكتسبوا بهذا تدريبا علميا جديدا، مضافا إليه الخبرة، وبدأ فعليا الترميم للمنبر من نهاية عام 2005م.

المنبر مع بدء ترميماته 2005م
من هنا فإن مشروع إعادة المنابر إلى وضعها الأصلي، ومثلما كانت بمواد محلية وبتدريب شباب من المنطقة على يد خبير عربي سبق له إجراء أعمال ترميمات للحفاظ على أعمال شبيهة في كل من سوريا وألمانيا يعد كل هذا مشروعا متكاملا يحسب لسمو الأمير سلطان بن سلمان ومؤسسة (تراث) السعودية لتمويلها هذا المشروع، إلى جانب أن هذا أول عمل ريادي على مستوى اليمن.
ونحن في «الأيام» تابعنا أولا بأول مراحل ترميمات تلك المنابر الأربعة، وجهود الخبير جمال الجابر الذي استقدمته GTZ الألمانية والذي أسس مداميك معالجة وترميم الأخشاب ونقوشها بطريقة علمية ولأول مرة وأعطى الثقة لشباب مدينة شبام بأسلوب (التعليم والتطبيق في آن واحد)، وكانت كل خطوة تحت إشرافه، ومن المهم القول بأن الإخوة فضل أحمد باجيدة، صبري جمعان خراز، أحمد كرامة بايعشوت رافقوا والتصقوا بالمنبر، وأجادوا فن الترميم وأضحوا مدربين بعد أن كانوا متدربين، فمن منبر واحد عملوا على ثلاثة أخرى بمتحف سيئون ودربوا شبانا هناك.
تحدثت بعد بدء الترميمات مع أ.جمال الجابر حول كيفية أعمال الترميم، خصوصا وأنه مضت سنتان ولم ينته الترميم بعد (الحديث العام الماضي مسجلا) قال الجابر:
«مثل هذه الأعمال ليس من المعقول أن تعمل لتجديده في شهرين مثلا، ومنبر شبام متميز جدا وفيه طريقتان للعمل.
الأولى: المتابعة ما إذا كان هناك شيء ناقص، والطريقة الأقوى والأهم والعلمية والمنطقية أنك تأخذ التفاصيل وتحللها.. البداية كانت أننا بدأنا بعملية تطهيره من الحشرات، لأنه بحالة فيزيائية كثير سيئة نتيجة فقدان جزء من المواد السيولوزية الموجودة بداخله».

المنبر مايزال منتصبا عند ترميم الجامع نهاية 1996م
«أضفنا قطعا خشبية جديدة نلصقها بمواد طبيعية ونربطها بخشبة عمرها يزيد على سبعمائة عام، خشبة أصلية في المنبر، إذن هذه القطع الجديدة بحاجة إلى وقت لجفافها وتأقلمها».
ويقول: «في الأول أيضا تم تجميع المنبر وطلاؤه بمادة طبيعية اللبان اسمها (دامار)».
في العدد القادم نكمل حديثنا عن منبر جامع شبام ثم نتحدث عن منابر قارة الصناهجة وقيدون بدوعن.