«الأيام» تصعد أربعة منابر تاريخية ..منبر قيدون بمتحف سيئون صناعة محلية صنعه آل بافرج في القرن الثامن الهجري (3-2)

> «الأيام» علوي بن سميط:

>
شباب من شبام أثناء ترميمات منبر الجامع
شباب من شبام أثناء ترميمات منبر الجامع
أربعة منابر يعود عمر اثنان منها إلى أكثر من سبعمائة عام مضت، أهم هذه المنابر وأقدمها منبر جامع شبام حضرموت الذي يعود تاريخه إلى القرن السابع الهجري والثلاثة الأخرى تقبع في متحف سيئون.

المنابر الأربعة العتيقة تحكي زمن علم ورجال.. أعيد تأهيلها بعد إجراء الترميم عليها علميا وتقنيا بخبرات أجنبية عربية ومحلية، فما حكاية هذه المنابر؟

«الأيام» ارتقت درجات تلك المنابر لتنقل تاريخها وكيفية ترميمها، ومن مول هذه الأعمال..

نواصل الحديث مع جمال الجابر خبير الترميمات الذي أشرف على تدريب الشبان على ترميم المنابر الأربعة في شبام وسيئون، سألناه عن منبر شبام أهم ما فيه من مميزات فأجاب:« منبر شبام هو أول وأقدم تاريخياً أعمل عليه، ميزته أن فيه بساطة وتعقيدا في آن واحد، البساطة أنه أعمال خشبية متراصة، وجميع المنبر بين الزخارف أو الخطوط الهندسية التي يعتمد عليها الفن الإسلامي بشكل عام أو زخارف الأرابيسك وكذا به زخارف أو الخطوط النباتية أو التوريقات وهذا بحاجة إلى بحث تاريخي».

الثلاثة الأخرى

بمتحف سيئون للآثار الواقع في قصر السلطان (الكثيري) ثلاثة منابر معروضات بإحدى القاعات منذ ما يزيد على 25 عاماً وبنفس وضعيتها منذ جلبهــا للحفاظ عليهــا بعد أن بقيت معرضة لتغيرات الطبيعة، الأول يعود تاريخــه للقرن السابع الهجري تم استقدامه من قارة الصناهجة أو الشناهزة وهي منطقـــة بالقـرب من منطقة تاربــة شرقي سيئون وباتجــاه شرق الوادي والصناهجة مازالت أطلالها قائمة ومن مدن حضرموت القديمــة، الثاني والثالث من دوعن وتحديداً من منطقة قيدون وهي أيضــاً من مدن حضرموت بالزمان القديم وقائمــة إلى اليوم وتعج بالحركة والنشــاط وإعمــار هذه المنابر ونشأتها يعود للقرن الثامن الهجري والقرن التاسع الهجري، وكما هو حاصل عند متابعتنا أولا بأول مجريات الترميم.

وبالصورة تحدثت مع الأخ عبدالرحمن حسن السقاف، مدير عام هيئة الآثار بوادي حضرموت في مارس العام الماضي 2007م أثناء إجراء عمليات الترميم بداخل القصر وقال:«إن المنبر الثالث به قطع من القرن التاسع وأخرى من الثالث عشر الهجري» وهذا ما يؤكد أن هذا المنبر جرت عليه أعمال ترميم متتالية ويأتي الاهتمام بمنابر المساجد فإنه وكما هو معروف أن بكل بلدة ومدينة منذ زمن مسجد يصلي فيه عامة الناس صلاة الجمعة، ولهذا فإن المنابر منذ ما قبل خمسة قرون واليوم تغيرت أشكال وهندسة المنابر.. بحسب معلومات (الآية) فإن المشروع الخاص بترميم المنابر الأربعة بتمويل الأمير سلطان يزيد عن (30) ثلاثين ألف دولار.

أثناء أعمال الترميم الثلاثة ظهر لنا تاريخ تلك المنابر وصناعها.

منبر قارة الصناهجة عند الترميم
منبر قارة الصناهجة عند الترميم
منبر الصناهجة وقيدون

نقوش جميلة ولكنه بخطوط عربية لا تفوق الخط العربي الجميل والبارز في منبر شبام وجمالياته، ومع هذا فإن منابر المتحف جميلة نحت على أخشابها زخارف دقيقة ويظهر في المنبر الذي يعود إلى الصناهجة أو الشناهزة أن الذي أمر بعمارة هذا المنبر كما هو مكتوب: أمر بعمارة هذا المنبر محمد وأحمد وحسن بن علي بن سالم الرشيد الشنهزي سنة ثلاث وسبعين وستمائة هجرية.

وأما الذي قام بعمله أوصناعته كما ظهر: هذا ما عمل سعيد بن غريب وعبده صالح غفر الله لهما ولجميع المسلمين.

هذا المنبر شهد أيضاً عملية ترميم كما يبدو كبيرة لأنه تم توثيق ذلك عليه كما جاء: تأريخ ثاني عمارة في المنبر يوم الخميس منتصف رجب اثنتين وعشرين ومئتان وألف هجري. وبهذا يتأكد أن عمر المنبر 750 عاماً.

أما المنبر الثاني من قيدون بدوعن فيظهر عليه كتابة منقوشة على خشبه: بسم الله الرحمن الرحيم صنع هذا المنبر علي ومحمد ابنا عبدالله وعبدالله بن محمد آل بافرج تأريخ المحرم رجب سنة سبع وثلاثين وسبعمائة هجرية. ويتأكد من ذلك أن عمر المنبر أكثر من 600 عام.

المنبر الثالث يعود إلى القرن التاسع الهجري وشهد على ما يبدو ترميما شبه شامل وهو لا يزال يؤدي وظيفته الخطابية بالمسجد إذ إن عدداً من قطع المنبر تعود إلى القرن الثالث عشر الهجري.

عودة إلى شبام

انطلقت فكرة ترميم المنابر بالطريقة المنهاجية من شبام ونجحت ونعود إلى منبر جامع شبام حضرموت من باب السياق التأريخي ومعرفة من هم الذين أمروا بتشييده وصناعته والترميمات الأولية التي شهدها وكما جاء في الحلقة الأولى أن المنصور عمر بن علي بن رسول أمر بذلك فإنني أزيد قليلاً وتأكيداً على ماهو محفور على الخشب استناداً لما ذكره المؤرخون، ففي (قلادة النحر في وفيات أعيان الدهر للمؤرخ أبومحمد الطيب بامخرمة ج 3 ص 2925 ط 2004م تحقيق محمد يسلم عبدالنور) ذكر سنة 643هـ عمر مقدم الجامع بشبام وجدد له المنبر الملك المنصور عمر بن علي رسول على يد السلطان عبدالرحمن بن راشد بن أقبال في ولاية نصار.

وورد ذلك أيضاً في (تاريخ حضرموت لابن شنبل ط 94م ص 92) وفي كتاب المؤرخ صالح الحامد (تأريخ حضرموت ج2 صـ660 ط 2003م). فمن هو المنصور عمر بن علي بن رسول الذي أمر بذلك المنبر الفريد؟ إنه مؤسس دولة بني رسول في اليمن بعد نهاية حكم الأيوبيين بوفاة المسعود بن الكامل آخر حكام بني أيوب في اليمن، والسلطان الملك المنصور عمر بن علي له الكثير من المآثر الدينية كإنشاء وتأسيس مدرسة بمكة وأخرى بعدن ومدرستين بتعز وثلاث مدارس بزبيد، كما سك عملة نقدية تخصه (تأريخ اليمن سياسياً وإعلامياً صـ134ط 2004 تأليف فؤاد عبدالغني الشميري وكذا المرجع السابق لبامخرمة صـ2860ج3) .

الخبير جمال الجابر يفحص بجهاز خاص قطعة بمنبر شبام
الخبير جمال الجابر يفحص بجهاز خاص قطعة بمنبر شبام
أما السلطان عبدالرحمن بن راشد، الذي ذكر في المراجع ونقش اسمه على المنبر بشبام، فهو الذي استولى على الشحر وحكمها في 640هـ مع أجزاء عديده من مناطق حضرموت وأطلق عليه الأمير والسلطان واسمه الكامل: عبدالرحمن بن راشد بن إقبال بن فارس بن محفوظ بن محرم بن فارس الأكبر وتوفي سنه 664هـ(الحامد المرجع السابق صـ539، محمد عبدالقادر بامطرف المختصر المفيد في تأريخ حضرموت العام صـ 73ط2001م).

وجاء المنبر من الملك الرسولي على يد سلطان الشحر عبدالرحمن بن راشد في ولاية نصار، في ذلك العام كان نصار بن جميل بن فاضل السعدي والياً على شبام وحاكمها.. ولأهمية المدينة وعظمها وتقديم منبر لجامعها ذكر ثلاثة حكام كي يؤرخوا لأنفسهم في هذه المدينة ذكرى خالدة.. بالطبع تعرض المنبر لترميمات عديدة خلال أوقات مختلفة إلا أن أهم ترميم على ما يبدو وقع في سنة 1229هـ مما حدى لنقشه بواجهة المنبر، ثم يخلد الترميم الأخير منذ نهاية 2005م - 1426هـ كأطول ترميم لمنبر قديم استغرقت عمليات تأهيلة عامين كاملين أو يزيد، وحالياً فإن منبر جامع شبام أوشك على أن يعرض كتحفة إسلامية عمرت طويلاً.

في الحلقة الأخيرة نتعرف على المكان الذي عرضت أو سوف تعرض فيه المنابر، وهل هناك منابر تستحق أيضاً الكشف عنها وترميمها وحفظها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى