يحبهم ويحبونه

> «الايام» علي بن عبدالله الضمبري:

> (إن الله يحب المتقين) آل عمران 76 لأنهم جعلوا (التقوى) زاداً روحياً وطاقة قلبية تحرك دوافعهم، وتحرض مشاعرهم على قيم الحب، ومثاليات الخير، وروائع الجمال، وصدق التوحيد، وصفاء الإخلاص شعارهم {إن خير الزاد التقوى} البقرة 197، ومنارهم ودثارهم وستارهم ولباسهم تقوى الله {ولباس التقوى ذلك خير} الأعراف 36.. فصارت التقوى زاداً يغذي أرواحهم وقلوبهم ولباساً يستر أجسادهم ونفوسهم، لأنهم علموا علم اليقين أن الله {ألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها} الفتح 26، وأدركوا أنهم هم {الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى}الحجرات 3، فالتزموا بما ألزمهم الله، ونجحوا في ما امتحنهم به الله، وصدقوا مع الله، لأن بنيانهم الفكري والاعتقادي قد قام وتأسس على {تقوى من الله ورضوان} التوبة 109. فعظموا شعائر الله {ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}الحج 32، ولهذا كله وغيره «الله يحب المتقين» لكونهم أدركوا أن «شعائر الله» تشمل كل عمل صالح اجتماعياً، نافع اقتصادياً، طاهر أخلاقياً، خالد أخروياً.. ولنتأمل الآية 177 من سورة البقرة التي يقول الله جل وعلا فيها: {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب، ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبة ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقابة، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، والموفون بعهدهم إذا عاهدوا، والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس، أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون}.

إن هذه الآية ترسم لوحة يلتقي في خطوطها الغيبي بالواقعي، والفردي بالاجتماعي، والاعتقادي بالاقتصادي، والدنيوي بالأخروي.. وتتضح صفات وسمات المتقين الذين جعلوا التقوى لاحتساب الثواب، لا لاكتساب الشهرة، فأحبهم الله وأحبوا الله, وتجد قيمة «البر»- بكسر الباء - تبدأ من تربية النفس على الإيمان، وتنتهي إلى سلوك حضاري راقٍ يتمثل في الأخلاق الحسنة لقول النبي المعلم صلى الله عليه وآله وسلم:«البر حسن الخلق» رواه مسلم و«البر ما اطمأنت إليه النفس» رواه أحمد والدارمي، لأن «البر» صنو التقوى ورديفه {ولكن البر من اتقى} البقر 189{وتعاونوا على البر والتقوى} المائدة 2.. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة» متفق عليه.

ورمضان هو شهر الصدق لأن «الصوم جنة ما لم يخرقها بكذب أو غيبة» رواه النسائي وابن خزيمة ولهذا كان ختام الآية {أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون} ليوثق الترابط بين الصدق والتقوى، كما في قوله {تقوا الله وكونوا مع الصادقين} التوبة 119، لكي يتعلم المسلمون صدق الحديث، وإتقان العمل فيكونوا مع الله ليكون الله معهم {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} النحل 128، من أجل ذلك كان فم الصائم «أطيب عند الله من ريح المسك» كما روى البخاري ومسلم لأنه فم لا يقول إلا صدقاً، ولا ينطق إلا حسناً {اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً} الأحزاب 71، كما يتعلم المسلمون من الصوم البذل والعطاء بسخاء في الشدة والرخاء {فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى} الليل 5، ويتعلم المسلمون أن يتعاملوا بحب وود ووفاء وولاء وصلاح {اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم} الأنفال1. {من اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون} الأعراف 35 . ويتعلمون بالتقوى الوفاء بالعهد {من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين} آل عمران 76، وبالصوم والتقوى يتعلمون الصبر المقاوم الصامد، وليس الصبر المساوم الصامت {إنه من يثق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين} يوسف 90. {إن الله يحب المتقين} لأنهم محسنون أسخياء، مصلحون أسوياء، صادقون أوفياء، صابرون أقوياء، ولأن العافية للتقوى، وليس للأقوى إلا إذا كان الأصلح هو الأقوى والأقوى هو الأتقى .

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.

مدرس بكلية التربية

جامعة عدن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى