المليوي منطقة منكوبة من ينقذها؟

> «الأيام» محمد العزعزي:

>
جلب الماء
جلب الماء
وجع البداية: تقع منطقة المليوي بزريقة الشام محافظة لحج خارج نطاق الزمن، مسكونة بأوجاع الناس وماض وحاضر ومستقبل أليم لا ترى فيها سوى آهات ومعاناة سكانها القابعين في ظلمات الليل وفي قضبان النهار.

لا يدرون ما يصنعون.. حياتهم بؤس وشقاء وحرمان.. الطرق شاقة ووعرة والصحة منعدمة تماما والمدرسة اليتيمة خربة استهلكها الزمن والمرأة حرمت من التعليم والطالبات توقفن في الصف السادس رغم إصرارهن على مواصلة التعليم.. الطلاب الأصحاء فقط يذهبون إلى المناطق المجاورة للدراسة برحلة عذاب يومية تبلغ ست ساعات ذهاباً وإياباً بمعاناة دائمة يحصدها الراغبون في المعرفة وحتى اليوم لم ينظر إلى حالهم أحد.

أجمع الكل على أن نطلق صيحة الاستغاثة نيابة عنهم عبر «الأيام» إلى كل المسؤولين وأصحاب القرار بالوزارات ومحافظة لحج النظر إلى منطقة المليوي المحرومة والمنكوبة والمنسية في هذا الزمن اليابس بعين المسؤولية وإدخال الخدمة إليها بعد هذا الحرمان الطويل الذي كاد يقضي على الحرث والنسل.. فهل من إجابة فورية يتلقاها سكان هذه المنطقة النائية التي لم تحصل على شيء وتتمنى كل شيء.

السكان:

يقدر السكان بـ(2000 نسمة) معظمهم من الأطفال وترتفع نسبة النوع، فالإناث أكثر من الذكور وقال خطيب الجامع علي نعمان علي:«يعتمد الأهالي على حرفة الزراعة والتحطيب والرعي وكانت مهنة التحطيب هي المصدر الأساس للرزق يجمع ويصدر إلى خارج المنطقة وما تزال هذه الحرفة سائدة وتبلغ بسعر حمولة الجمل 1500 ريال كانت قديماً تفي بمتطلبات أسرة، أما اليوم فإن أربع حملات لاتوفر كيساً من القمح ويغادر الشباب للعمل في العديد من محافظات ومدن اليمن لمزاولة المهن اليدوية وفي المطاعم». وأضاف عبدالواحد عبده شمسان:«كانت المليوي مزدهرة بالزراعة والتجارة ومنطقة عبور المسافرين بين الحجرية وعدن إلى منتصف الستينات من القرن الماضي أما اليوم فقد تردت الخدمات فالطرق رديئة وسيئة ما أدى إلى العزلة والتخلف وزيادة الفقر وتعاسة السكان».

المساجد:

قال عبدالباسط أحمد سلطان:«المسجد اليتيم في المنطقة يسمى مسجد النور شيد على نفقة المحسن محمد شريف أحمد المطوع من دولة الإمارات الشقيقة عام 2002م، ولا يوجد مساجد في القرى المتعددة». وشكر الأهالي عبده محمد الراسني عضو البرلمان السابق لسعيه في إيجاد هذا المسجد وطالب أهل القرى وزارة الأوقاف ببناء مساجد للقرى المحرومة وإنشاء مدارس تحفيظ القرآن الكريم.

المواصلات:

قال عبده شمسان (70) عاما:«الطرق قديمة ومخربة شقها الأهالي أيام الرئيس الحمدي وعبدالله عبدالعالم وأشرف على الشق عبدالرقيب القرشي واستلم كل مواطن كيسا من القمح مكافأة، أما اليوم فأصبحت أثرية لا تعبرها إلا سيارات (لاندكروزر) بصعوبة بالغة وتزيد صعوبة في موسم المطر ويكلف المشوار في حال الإسعاف 30 ألف ريال وسيطر الحمار والجمل كأهم وسائل النقل في العصر الحالي ولا يوجد تلفزيون وتلفون».

التضاريس:

عبارة عن وادٍ محاط بسلسلة جبلية من جهتين ومفتوحة من الشمال والجنوب والمناخ حار صيفا ومعتدل شتاء والأمطار موسمية صيفية والجبال عالية ذات صخور رسوبية تحتوي على المعادن المختلفة وأهم الجبال جربب، الحف، الهيوج، الرجيع، العير، عماصد، فتح، وينقسم الوادي إلى المليوي، الغودرة، عبل والجبال والأودية مكسوة بالخضرة يمكن تحويلها إلى منتجعات من الطراز الفريد .

أهم القرى:

قال الشيخ إسماعيل قائد حوفكي أهم قرى مليوي:«البريهة، المسري، جوهية، وهي أكبر القرى وتنقسم إلى جوهية العليا ، الوسطى، السفلى وقرية قطيع، الجهيمة والصالح .

النبات والحيوان الطبيعي:

قال حسين عبدالواحد عبده شمسان:«المنطقة خضراء ذات أشجار تنمو طبيعيا كالنشم، الأثل، العسق، القرض، العلب، الحرز، القتد ذات زهور بيضاء تعطر الجو ليلا وشجيرة المضيض (علاج الكلى)،حلص وحلقة (علاج الملاريا)، القصب لصناعة السلال وأقفاص التمر»، أما الحيوانات البرية فتكثر القرود والقنافذ والضباع والزواحف بجميع أنواعها والأرانب البرية والطيور البحرية المهاجرة والعقاب والحمام البري (العيل) والجوالب والهدهد.

الزراعة وتربية الحيوان:

الأرض الزراعية منهكة لاستخدام الأهالي الطرق البدائية وتمزقت بالحيازات الورثية الصغيرة، وتجود الأرض بزراعة الدخن، الغرب، الذرة الصفراء والذرة الشامية تزرع شتاء ويعتبر مادة أساسية لغذاء الإنسان والسيقان علف للحيوان، كما أن للجزر الهندي حضورا فاعلا كغلة أساسية.

أما الأشجار المثمرة فأهمها النخيل والجوافة والمانجو والموز وانقرضت أشجار الكرز وما لم تجد به الأرض يجلب من الأسواق المجاورة من الشمايتين ولحج ويصل شوال القمح إلى 7200ريال. وعن الثروة الحيوانية قال حسين عبدالواحد:«تربى الجمال للنقل والاحتطاب والغنم والماعز لغذاء الإنسان وبيعها وقت الحاجة والدواجن بأنواعها أما النحل فكانت تربى على نطاق واسع وفي الآونة الأخيرة تكاد تنقرض بسبب الأمراض».وقال عبدالباسط:«فقدت سبع خلايا نحل وهذه كارثة».

المياه:

الحاج أحمد سلطان عبدالله قال:«لا توجد شبكة مياه للمساكن وتجلب النساء والأطفال ماء الشرب من مصادر مكشوفة وملوثة من الآبار والأنهار القصيرة في بطن الوادي على الرؤوس وفوق ظهور الحمير إلى القرى الجبلية العالية واليوم فإن وادي المليوي مهدد بالجفاف بعد الحفر العشوائي لمشاريع الزعازع وبني محمد في وادي الفجر ومن أجل ذلك سقط قتلى بين الطرفين في الأعوام الماضية وتضررت منطقتنا ونخشى موت الأشجار». وطالب الأهالي بإنشاء السدود لحفظ مياه الأمطار حتى لا تصاب المنطقة بالجفاف.

الانهيارات الصخرية:

قال المواطن عبدالله محمد علي:«أصيبت القرية البيضاء بالمليوي بانهيارات صخرية ضخمة سقطت على القرية وما تزال تهدد حياة الناس ومنازلهم بالفناء، كما أن الأمطار جرفت بعض الأرض الزراعية فسببت خسائر فادحة»، وطالب المواطنون بصيانة التربة وتأهيل المدرجات الجبلية التي تعرضت للجرف والإهمال وعدم قدرة المزارعين على إعادة تأهيلها وصيانتها من خطر السيول.

التربية والتعليم:

عام 1986م قام المواطنون ببناء مدرسة الإخلاص على نفقتهم الخاصة وهي اليوم عبارة عن كومة خربة بعد أن هوى سقفها وتهدمت جدرانها الغربية، ومع ذلك مازالت عاملة بفصول من العشش وفيها 350 طالبا وطالبة إلى الصف السادس بثلاثة معلمين من شرعب ومدير من راسن يمشي يومياً 6 ساعات ذهابا وإيابا. «الأيام» سألت الطالب سيف عبدالله محمد عن مشواره الدراسي فقال:«أدرس بالصف الثامن الأساسي في بني محمد برحلة عذاب يومية تقدر بخمس ساعات ذهابا وإيابا سيراً على الأقدام»،وأضاف:«إلى متى سنظل في هذا الوقع الأليم.. انظر إلى هذه المدرسة التي تسمى الإخلاص هل تصلح اسطبلا للحمير». في السياق ذاته قال مواطن:«نخشى على أبنائنا من الضياع.. فالسقف انهار وتهدد الطلبة بالموت وفي أفضل الظروف يتسربون من التعليم».. وقال مازحا: «هذه المدرسة يتخرج فيها الطالب جامعيا بالسادس الأساسي فيذهب للرعي أو الأعمال الشاقة لمساعدة أسرته». وتوجهنا بالسؤال نفسه لإحدى الطالبات فأجابت قائلة:«نرفع همنا إلى المسؤولين بوزارة التربية والتعليم ونناشدهم أن يوفروا طاقم معلمات وإخراجنا من هذا الكهف المظلم الذي نحن فيه حفاظا على مستقبلنا التعليمي المنهار ونأمل من حكومتنا والرئيس الاستجابة الفورية لمطالبنا أسوة بكل بنات الدنيا ونود مواصلة التعليم الثانوي والجامعي فحرماننا كارثة إنسانية». وهدد الطفل يونس عبدالواحد بالانقطاع عن التعليم وبرر بالقول:«أنا مريض لا أستطيع الذهاب إلى راسن أو بني محمد، لأن المسافة طويلة ومتعبة» وبدا بوجه شاحب وصوت مبحوح ومرهق بجسم هزيل.. إلى ذلك قال والده عبدالواحد عبده شمسان:«أنا حزين على ابني وطلبة المنطقة عموما فالرجاء أن تنقل همنا «الأيام» بأمانة إلى الجهات المسؤولة لهذا الوضع المأساوي الحزين». وناشد الأهالي وزير التربية والتعليم إرسال لجنة بصورة عاجلة للنظر إلى ما آلت إليه المدرسة وما تشكله من خطورة على الأطفال والإسراع ببناء مدرسة أساسية وثانوية للبنين لاستيعاب الكثافة الطلابية العالية والنظر بعين المسؤولية وحرمة رمضان حل هذه المشكلة المزمنة وإدخال تعليم الفتاة كمسؤولية وطنية.

الصحة:

لا توجد رعاية صحية وحرمت المنطقة من مركز صحي لرعاية الأمومة والطفولة والإسعافات الأولية للأهالي ولم تصل حملات تطعيم الأطفال والمرأة ضد مرض الكزاز سوى مرة واحدة في التاريخ، وقال علي نعمان علي:«كنا قبل الوحدة محرومين من الخدمات وكانت زريقة الشام تتبع محافظ تعز وصنفت المليوي بمنطقة الأطراف النائية التعزية البعيدة وبعد الوحدة وضعونا في عزلة جديدة واليوم نتبع لحج محليا وتعز نيابيا فتصل الصناديق الانتخابية ولا تصل لنا الخدمات الضرورية العامة وحافظت المنطقة على العزلة النائية والمحرومة والمحاصرة بالجبال وتقع بين بوابتين من الشمال والجنوب»، وأضاف: «تنتشر كل أنواع الأمراض والذباب والبعوض وأصناف المرض:الحميات المختلفة والتيفوئيد والملاريا والبلهارسيا ومات في عهد قريب 30 مواطنا بأمراض مختلفة ويذهب الأطفال ضحايا المرض ولا أحد ينقذهم من بوابة المقفادة شمالا والجحيمة جنوبا». واختتم:«المليوي واد ملتو طبيعيا وعاملونا بنفس قسوة الطبيعة فالتووا علينا و(جزعوا) ونشعر بقرصنة ضدنا». وناشد الأهالي الأخ وزير الصحة إرسال لجنة إلى المنطقة لتقصي الحقائق ميدانيا وسرعة بناء مركز صحي ومده بالأدوية والكوادر والمعدات. إلى ذلك قال عبدالحكيم نعمان علي:«أفضل وسيلة نقل المرضى جنازة الموتى التي تستخدم لهذا الغرض أو بواسطة الجمال ونؤكد أن %99 من السكان لا يسعفون مرضاهم وقليل من المقتدرين يسعفون المرضى ويموت البعض في الطريق قبل أن يرى بوابة مستشفى خليفة بالتربة في تعز».

الكهرباء:

قال أحمد سلطان:«لا توجد كهرباء ونحن لانزال كما تركنا آدم أبو البشر محافظين بالفطرة ونعتمد على الحطب كوقود أساسي وسعر صفيحة الجاز ألف ريال يستخدم في إضاءة الفوانيس والقماقم ويستخدم الأهالي (ترشليت) للإضاءة الفردية بين القرى ويضيء بالبطارية الجافة ويحلو السمر على ضوء القمر في قرى مليوي».

المرأة:

عاملة، غير متعلمة، وربة بيت وأم وعاملة في الأرض وتربية الحيوان وصانعة للفرش والحصير وكوافي الرأس من سعف النخيل ومحرومة من كل شيء فلا تعرف المكياج والبودر وأحر الشفاه وأزياء دور الموضة.

الزي الشعبي:

قيافة الرجل مقطب وقميص وكوفية خوزران توضع على الرأس وهي ملابس شعبية موروثة عن الأجداد وقريبة الشبه بالزي التهامي أما المرأة فمحافظة على الزي التقليدي (الزنة) والوشاح على الرأس.

العادات والتقاليد:

المليوي حافظ على الطقوس ناحية الحجرية، ففي الولائم تقرع الطبول ويبلغ مهر المرأة 300 ألف ريال ويقام الشرح ودقات الطبول والرقصات الشعبية المتوارثة منذ القدم وتذبح الذبائح للضيوف كما جرت عليها العادة.

الزواج المبكر:

تنتشر ظاهرة الزواج المبكر ويرى البعض أنها وسيلة مثلى لتحصين الشباب والإنجاب مبكرا لمساعدة الآباء في دخل الأسرة ولا يهتمون بأضرار الزواج المبكر للفتاة.

المأكولات:

تستخدم الوجبات الأساسية بطريقة تشبه بقية المناطق، حيث تعد المرأة وجبة (الرهيك) المكونة من حبوب (الهند)في فصل الشتاء. وتعتبر العصيد باللبن والسمن أهم وجبة في الصباح والظهر والمساء والخبز (الكدر) و(الفطير) والملوح من حبوب القمح، أما في رمضان فيتكون الفطور من التمر والقهوة في المسجد.. يتبعه العشاء مكونا من الشربة والشفوت والفتة باللبن والسمن ويضاف العسل للأسر الميسورة أما السحور فيتكون من العصيد باللبن والسمن أو فتة الغرب بالحليب.

الضمان الاجتماعي:

لا توجد حالات ضمان اجتماعي .. وحصلت المنطقة على 5 حالات من زريقة اليمن بمساع شخصية للشيخ إسماعيل حوفكي. وقال عبدالحكيم نعمان علي:«قال للأهالي موظفو الضمان اكتبوا كشوفات الفقراء واتبعونا. ودائماً تضيع حالات وكشوفات المنطقة وآخر لجنة لم تصل إلى الأهالي»، وقال علي نعمان علي:«توجد في قرية جوهية مواطنين كفيفي البصر واستأجرنا لهما سيارة بعشرة ألف ريال لإيصالهما إلى اللجنة في منطقة الدرج ولا ندري لماذا تحرم هذه المنطقة المزدهرة بالفقراء والبؤساء فهل تنظر لنا الدولة بعين المسؤولية وتصلح ما أفسدته لجنة الضمان الاجتماعي؟!».

عبر «الأيام» شكر الأهالي جمعية هائل سعيد أنعم والشيخ عبدالقادر يعقوب لتقديمهما الفطرة هذا العام للفقراء وعددهم 37 فردا لكل واحد 2000 ريال قام بتوزيعها الشيخ إسماعيل حوفكي لكل فقير يدا بيد في كل قرية.

رموز اجتماعية:

تحدث المليويون بمرارة فلا توجد في المنطقة معلما.. طبيبا.. مهندسا.. عالمم كانعكاس طبيعي لتدني الخدمات التربوية وغيابها منذ القدم.. وفي سياق آخر تحدث الأهالي بما يشبه الفخر، فقد شارك سعيد أحمد الجهمي بالثورة ومات وحيدا في صنعاء ولم تحصل أسرته على راتب شهري ومازال المناضل عبدالله محمد علي الشيباني على قيد الحياة كأحد رموز الثورة وبدون راتب حتى اليوم ويعتبران كأهم رموز المنطقة شاركا بالثورتين وبالكفاح المسلح في الأراضي المحتلة في فلسطين وعضوين في التنظيم الشعبي في عدن.

خواطر:

مالك عبدالقادر (طالب) قال:أحب «الأيام» وأتابعها عندما أذهب إلى إب في العطلة الصيفية. علي نعمان قال:صحيفة «الأيام» صحيفة وطنية بطاقم من ذهب أتابعها يوميا في عدن»، وقال مواطن: «هذه الصحيفة وطنية من طراز فريد غطت كل ربوع اليمن».

خاتمة الوجع:

في هذا الشهر الكريم شاركت «الأيام» المليويين أحزانهم وأمانيهم برحلة عذاب استمرت أربع ساعات سفر كلفت أحدهم 30 ألف ريال إيجار سيارة وكلفت «الأيام» ست ساعات سيراً على الأقدام نهارا.. وخرجنا بمحصلة من الآهات وأوجاع المحرومين بأمنيات ناس في دائرة الموت ونكبة السنين والمحرومة من مدرسة ومشفى وشربة ماء نظيفة وحبة دواء وتأمين أهلها بالغذاء والضمان ومساجد للمصلين وإعادة الأمل للطفولة البائسة والمرأة في واد طويل بلا وباء ووفيات وأرض تركت نسيا منسيا وملتوية تطحن البؤساء فمن ينقذها؟!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى