سفينة نوح بين القرآن والعلم الحديث

> «الايام» عارف صالح التوي:

>
تواصلا مع ما قدمناه من بحث خلال الأعداد الماضية من صحيفة «الأيام» الغراء، فإننا سنكمل ما بدأناه بقدر ما يتسع لنا المجال، لعل وعسى أن نصل إلى الحقيقة بتضافر الجهود العلمية إن أمكن، وما قدمه علماء الآثار من أبحاث، خاصة ما عثر عليه في شبوة القديمة، وأوصلتنا إلى استنتاج أنه من خلال سؤالهم المنطقي عن أصل العمارة اليمنية في قولهم: «على الرغم من التطورات المنجزة في مجال البحث إلا أن المسألة الأساسية المطروحة لهذا النوع من البناء مازالت معلقة: ما هو أصل هذه العمارة؟ وكيف ومتى وبواسطة من وصلت هذه العمارة إلى جنوب شبه جزيرة العرب؟». وهذا السؤال دفعنا إلى الاعتقاد أن أبراج شبام التي مازالت اليوم تستخدم فيها نفس الطريقة في سفينة نوح (عليه السلام).. إذا اعتقدنا هذا نكون قد وصلنا إلى استنتاجات أخرى مفادها: إن أبراج شبام إلى يومنا هذا مازالت تخفي بداخلها أسرارا وعادات قديمة اندثرت، ومثال على ذلك ما وجد فيها من رسومات لطيور الحمام منحوتة ومرسومة في (القبال) العوارض الخشبية لماذا؟، ورد في كتاب ابن كثير (البداية والنهاية) «وكان ارتفاعها (أي السفينة) ثلاثين ذراعا، وكانت ثلاث طبقات، كل واحدة عشرة أذرع، فالسفلى:‏‏ للدواب، والوحوش، والوسطى‏‏: للناس، والعليا:‏ للطيور‏..‏ وكان بابها في عرضها، ولها غطاء من فوقها، مطبق عليها».‏ إذن فإن التخطيط الداخلي لأبراج شبام في حضرموت في الوقت الراهن يتبع في المنازل العالية (البرجية) توزيع للطوابق، القاعدة ثم الدور الأرضي حيث المخازن، الدور الأول للحيوانات، بعد ذلك أدوار السكن، وفي الأخير طابق الضيافة.

حمولة سفينة نوح :

لقد أسقطت كل الاستنتاجات والاحتمالات في وضع تصميم مفترض لسفينة نوح (ثلاثي الأبعاد) كما هو مبين في الصورة، ومن خلال التصميم ظهرت لي عدة أجوبة كنت أبحث عنها مثل: كيف صُنعت السفينة كما جاءت في الآيات؟ بما خانته (أي نوح) زوجته؟ لماذا ذكر التنور؟.. ومن خلال التصميم أوصلتنا النتائج أخيرا إلى فكرة الطوفان، وكانت المسألة معقدة ومحسوبة، وهذا بدوره أوصلنا إلى حمولة السفينة، وليس من المعقول أن تكون السفينة حملت الملايين من الدواب.. وجاء في كتاب (حمير وسبأ) منذ 9000 سنة أن أول من تعلم تدجين الحيوانات والزراعة هم اليمنيون قبل الفراعنة (محمد حسن الفرح)، إذاً فما هي ؟ من الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْن والإِبْلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ حملت في السفينة بعدد لايعلمه إلا الله، وظلت الأنعام ملازمة للإنسان منذ خلق آدم (عليه السلام) بدليل قوله تعالى: (خَلَقَكُم مِنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) الزمر 6.. أي مايخرج من بطونها ويذهب إلى بطون البشر وهم في بطون أمهاتهم هي من نعم الله إن ربط خلق الإنسان منذ آدم (عليه السلام) جعل خلقه مربوطا بالإنعام، وقوله تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) الحديد25.. اختلف كثير من الناس حيث أنزل الحديد وبالمقابل إنزال الأنعام، فالحديد كما هو معروف أنزل إلى الأرض منذ الخلق، وهذا اكتشف علميا، أما الأنعام كيف أنزلت؟ فهي أنزلت من سفينة نوح.. وإذا نظرنا إلى الآيات التالية في قوله تعالى: (فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) الشورى11.. أي أن تكاثر البشر مما تعطيه الأنعام، وفي قوله تعالى:(وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) فاطر.. سنرى أن الله جل جلاله ميز الأنعام عن الدواب كافة وميزها لأهميتها للإنسان، وهذا ينفي - من وجهة نظري - أن الله حمل كل دابة على الفلك لأنها ليست كلها ذات أهمية في المعيشة للإنسان الذي يأكل ويعيش منها، وفي قوله تعالى:(وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ)المؤمنون21.. وهذا يدل على الترابط الوثيق بين خلق الإنسان والأنعام التي بفضل الله جعل حياة الإنسان ممكنة الاستمرار لرزقه لنا بالأنعام.. وإذا نظرنا هنا نستنتج أن من حمل معه من الأنعام زوجين اثنين عليه أن يترك الباقي، وهذا الأمر كان قد أوحى الله به إلى نوح (عليه السلام) بقوله: (فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ) المؤمنون 27.. إلا أن هذه الآية لها قصة أخرى إذ أوحي إليه أن يسلك فيها بينما في سورة هود (حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ) هود 40 .. أي احمل فيها وهناك فرق بين الآيتين.. والمعنى المهم هو أن الحيوانات كما في الصورة أدخلت في دهاليز أو مسالك قمت بتصميمه في السفينة كافتراض أخذت التصميم من مخطط بيوت شبام وقصر شقر في شبوة، انظر الصورة.. وقد تبين لي أن الله أوحى إلى نوح (عليه السلام) أن يصنع الفلك ثم تحديد موقع كل واحد بداخلها وبحساب دقيق جدا لا يستوعبه إلا من يعمل في شحن السفن وتوازنها حتى لا تتدحرج الماشية وكل من في الفلك وحتى لا يختل التوازن، قال تعالى: (فَأَنجَيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) الشعراء119.. أي أن الفلك شحن على آخره، وهذا له بحث سوف ننشره متى تيسر إن شاء الله.

أما قوم عاد الذين ورثوا التجارة والأنعام بعد ذلك في قوله تعالى: (أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ) الشعراء133.. أي أن قوم عاد قاموا هم بالتجارة ونقل اللبان والبخور إلى المعمورة من موانئ الشحر وظفار، وذلك مما ورثوه من قوم نوح عليه السلام.

كلمة أقولها:

إن ما قمنا به من نشر بحث يدخل في الإعجاز العلمي للقرآن إنما لندلي بدلونا، وعسى أن نؤجر على ذلك إن شاء الله.. فنشرت الموضوع مختصرا، قال تعالى:{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ من رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ }هود88.

باحث في علوم الإعجاز

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى