مشاهد مأساوية على قارعة الطرق تصف حجم المعاناة في رمضان

> «الايام» أنيس منصور:

>
يتفاجأ السائرون على الخطوط العامة لسير وسائل النقل والمواصلات التي تربط محافظة عدن بمحافظتي تعز والضالع بمشاهد وصور مأساوية على قوارع ومحاذاة الطرق تدمي القلوب.

حيث يتدفق المئات على امتداد الخطوط في العشر الأواخر من شهر رمضان من كل عام من مثلث العند باتجاه تعز، وفي وادي بلة والملاح يحتشدون، نساء وعجائز ومعاقون ومرضى وأصحاب العاهات والحاجات الأساسية وفئات المهمشين، وذلك بحثا عن الصدقات والزكوات التي يوزعها أرباب الأموال ورجال الأعمال.

«الأيام» تجولت في عدد من (العشش) وتحت الأشجار على طريق تعز وطريق الضالع وعقان، واستمعت إلى الأسباب التي جعلت هؤلاء الآدميين يصطفون للتسول.. لايعرفون من رمضان سوى توفر لقمة العيش.

صرخات من تحت العشش!

نسمع عن المرارات والآلام التي تكتوي بها الأسر الفقيرة، تجالد الفقر بهدوء وصمت وصبر جميل، ونسمع عن أرباب الوظائف والدخل المحدود يشكون قهر الراتب الذي لايتفق مع نار ولهيب الأسعار.. بهذه المعاني تلفظ عبدالله علي عوجر، فيما تصرخ الحاجة جميلة ناصر قائلة: «نحن في رمضان وقادمون على عيد، ليس لدينا مصدر سوى ما نحصده من هذه التبرعات أو الزكاة.. وحتى تستوي فرحتنا مع فرحة البسطاء خرجنا إلى هنا لجمع مايعطينا إياه الناس».

في المقابل على مسافة مترين وجدنا أسرة كاملة تركت مسكنها.. إلى وادي بلة ترتفع الأكف وتتجه النظرات صوب السيارات الفارهة والحكومية بصوت خشن «لله يامحسنين، اعطونا فطرة رمضان»، ويلجأ البعض لعمل مطبات في الطريق كي تتوقف السيارات.. رفض ذلك الأب الإفصاح عن تفاصيل حياة الأسرة.. وما أن تخطينا قليلا حتى استقبلنا أطفال ونساء مسنات يتسولون عموما على طول وعرض الطرق بفواتير الكهرباء وتقارير طبية وروشتات العلاج وغيرها من الأوراق التي تتعدد وتتنوع، بما يعني عدم استطاعتهم الالتزام بدفع فواتير الخدمات.. وغياب العدالة الاجتماعية في توزيع الثروات وهبات مؤسسات الحزب الحاكم التي تذهب إلى جيوب المسؤولين - حسب وصف الشاب فهد العقيري- فالجميع يتسابقون في التسول على هيئة مشاهد مؤلمة تتكوم تحت الشجر وعشش صغيرة تقيهم من حرارة الشمس والصيف الحار.. وقد شوهد هذا العام نزوح أسر مع أطفالها الرضع طلبا لزكاة رمضان على الطرقات، قال أحد المرافقين لي في هذا التحقيق الميداني: «هذه المشاهد الدامية ضاعفتها الجرعات السعرية التي طحنت الفقراء والمساكين، وشكلت ثراء فاحشا للمسؤولين والتجار، في ظل صمت مطبق من قبل الدولة.. فالجميع هنا أخرجهم الجوع والفقر والفاقة والحاجة بشكل يصف مظاهر البؤس المأساوي أمام أبواب السيارات بألفاظ الاستعطاف والترحم والأدعية القرآنية وغيرها من التصرفات التي تبعث على الحسرات».. ويتساءل:«هل تعلم السلطة بهذه المناظر المقززة؟!».

براءة الأطفال اغتالها الفقر!

ما تألم له النفس هو وجود الأطفال (دون سن الخامسة والأطفال الرضع) يقلدون آباءهم في بسط الأيدي للتسول، كمهنة أساسية يتعلمها الأطفال منذ الصغر.

يقول الحاج فارع القادري:«يا ابني الناس في فقر وطفر وضنك عيش وأشياء لايعلمها إلا الله، حتى أطفالنا محرومون من حقوق الطفولة والحكومة تتفرج، ونحن في ذل وقهر وجوع، وهناك أسر تعيش على وجبة واحدة.. أطفالنا لا حياة ولا دراسة، ولايعرفون حتى اللعب كما يلعب أولاد الذوات والمسؤولين في الملاهي!».. وتعترض أم معين الزبيدي - والدموع تنهمر على خديها - قائلة:«أطفالنا لايعرفون التعليم ولا اللعب، لأننا لانستطيع تلبية متطلبات المدرسة!».

ويستمر المشهد المؤلم على مسافة نظرات العيون، ولسان حال هذه الأجساد السمراء واليابسة من فعل عوامل الطبيعة والعشرات من الأطفال وهم يكتسون ثيابا بالية مرقعة «الفقر اغتال براءة أطفالنا!».

محرومون مرتين

على الرغم من صعوبة وقساوة الاعتصام من أجل الجوع في شهر رمضان على حافة الطريق إلا أن مجموعات من الفتيات المتسولات تحدثن بلفظ ومعنى واحد بالقول:«نحن محرومون مرتين!».

سألتهن كيف ذلك؟ قلن: «التجار والشركات والمؤسسات وبيوت رجال الأعمال يسلمون الزكاة للدولة ونحن ليس لنا نصيب لا من التجار والمؤسسات التجارية ولا من الدولة، وتنشط في مثل هذه الأيام الجمعيات الخيرية ورجال الأعمال بأعمال خيرية، تحاول فقط التخفيف من أحوالنا ومع ذلك لا تسد حاجتنا ومتطلباتنا الكثيرة، وبالذات في هذا العام!».. وتصف إحداهن أنواع الصدقات والزكوات من تمور ومبالغ مالية ورز وسكر وقمح وملابس مستخدمة وجديدة فقط.. والله يلطف بالعباد!

علي الزبيدي أنموذجا للبؤس

تحت سقف هش وجدران من البلول المتشققة وعلى الهواء الطلق في مدينة عشش العند تسكن العديد من الأسر الفقيرة والمهمشة، وما تعانيه أسرة علي الزبيدي مثال يذبح الإنسانية من الوريد إلى الوريد.. إنها قصة مأساة لأسرة مكونة من أحد عشر طفلا وطفلة وزوجة وعجوز هي والدة علي الزبيدي، ليس لها مصدر دخل سوى ما يتصدق به الجيران وأصحاب القلوب الرقيقة، ومبلغ ضئيل من مسؤول صندوق صرف رواتب التربويين نهاية كل شهر جزاء وأجر قيام علي الزبيدي بمرافقته.. هذه الأسرة ليس لها من الدنيا سوى وجبة واحدة في اليوم، تعيش حياة صعبة.. بحسب كل من التقينا بهم اصطف الزبيدي مع بعض أطفاله وأسرته وعيناه تحدق في عدسة الكاميرا قائلا:«اللهم سترك يارب الطف بنا»، فضيق المنزل وكثرة أفراد الأسرة وفقر العائل وسياسة التمييز العنصري ضد الفئات المهمشة كل تلك حيثيات دقيقة تصف حجم معاناة الفقراء والمساكين والمعوزين، بل أنها أنموذج من آلاف النماذج البائسة في بلد غنية بالنفط والثروات والضرائب والإيرادات تذهب إلى جيوب الفاسدين.

ولايسعنا إلا أن نقول:«اللهم نفّس كرب المكروبين والمحتاجين، وكن لهم عونا وسندا!!».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى