الشاعر الغنائي القدير علي عمر صالح لـ «الأيام» :أشعاري عبرت عن مراحل وهموم عاشها الناس

> «الأيام» جهاد جميل محسن:

> غالبا ما تشير الصحافة والإعلام ويبحث المهتمون في الأوساط الثقافية والأدبية عن جديد ومضمون كل نتاج إبداعي يقدمه الشاعر أو الأديب دون أن يفتشوا عن الجوانب الخلفية والظروف الاستثنائية التي صنعت مكنونات الشاعر المقتدر ودون السعي إلى كشف علاقة المعاناة الذاتية في صناعة الإبداع الأدبي

فالحوار مع أي شاعر عايش الحياة واستفاد من تجارب السنوات نجد في حديثه حالة من النقاء الروحي والانتشاء المشاعري الذي يجعلنا نسافر إلى عالم من المشاعر الفياضة ونسبر أغوار النفس لنكتشف ما يكتنف في كينونيتها ومكنوناتها .

فالشاعر علي عمر صالح عانى الصراع مع الزمن وتحمل الكثير من الأزمات والصدمات النفسية بدءا من بتر ساقيه الاثنتين مرورا برحيل زوجته التي قاسمته الحياة والسنين واختتاما بحالة العزلة التي أضحى يعيشها بمفرده . فالشعر عند علي عمر صالح قضية لاتخضع للمساومة أو مسودة نفاق تطنب في الاستلطاف والامتداح فهو شاعر يسمو بكلماته إلى درجة من العفة والحميمية في سرد قصائده التي تنبض بكل المعاني الإنسانية الرافضة لكل وسائل الاستجداء.. بهذا الحوار أردنا أن نسلط على جانب المعاناة التي عاشها شاعرنا الحزين والتي شكلت أحد أهم الجوانب الإبداعية في صياغة أشعاره وكلماته.

< الإبحار إلى حياة شاعر يحتاج إلى مرفأ، فمن أين نبدأ ؟

- من حيث انتهت الحياة الجميلة وجفت ينابيع الحب والصدق والأمانة وتلاشت توليفة المشاعر الصادقة والنزيهة والكلمة الطيبة، وغياب المبادئ الإنسانية والمواقف الحميدة التي يغلب عليها طابع الأنانية والانتهازية وصارت المصالح والمادة في الحياة هي الحاجة المقدسة في النفوس والضمائر بدلا عن الإحساس والتسامح والعاطفة، من حيث ولى زمن التراحم والاحترام وافتقدت الحياة القيم الراقية والمعاني الخلاقة وتخلى الإنسان عن إنسانيته .

< وماذا عن حصاد التجارب والسنوات الصعبة التي شكلت الملامح الإبداعية في قصائدك؟

- تجارب الشاعر وسنوات المعاناة لايمكنك سردها عبر السطور والكلمات، ولكن تظل بعض المواقف التي مازالت تختزل في مخيلتي وتنعش مشاعري في أوقات مختلفة حالة من التأمل والتجلي في رسم محاور الأحداث على هيئة قصائد وأبيات وتنبش ذكريات صعبة أتحفظ عليها وتعايشت معها في ظل ظروف أسرية وحياة معقدة، إلى جانب سنوات النضال وانضمامي عام 1963م إلى صفوف الجيش للدفاع عن الوطن والثورة، هذه المحطة شهدت منعطفات تاريخية مهمة في حياة الشعب اليمني تعلقت ذاكرتي بذكريات مؤلمة عشناها في فترة زمنية قصيرة وساهمت في بلورة أفكاري الوطنية التي عبرت عنها بكل عفوية في أشعاري متناولاً هموم تلكم المرحلة .

< في ديوانك (راعي وحطابة) استطعت أن توظف مفردات الحكمة في القصيدة العامية وتصور العاطفة في الإنسان وكأنها جزء من معاناته ؟

- عنوان ديواني مستوحى من البيئة القاسية التي تعيشها المرأة الريفية وهو تصور استنبطته من خلال معايشتي لتلك الأوضاع التي نشأت وتربيت فيها وكانت في غاية الصعوبة، فكل ما ضمنته في ديواني الأخير من قصائد عاطفية ووطنية جميعها عبرت عن أزمنة قاسية ومراحل مختلفة عاصرتها وأبرزها قصيدة (راعي وحطابة) التي غنتها نوال محمد حسين و(صبرك على الحب) و(يادنيا) لإيمان إبراهيم (ويافاعلين الخير) و(فرحتي ياشعب) للفنانة أمل كعدل و(الحلم) التي قدمها الفنان عصام خليدي في مهرجان الأغنية العربية بالأردن .

< وهل هناك مشروع ديوان آخر؟

- يوجد (الناس أسرار) انتهيت من إعداده وسلمته للأخ عبدالله باكدادة، مدير عام مكتب الثقافة بعدن، وسيتم طباعته على نفقة وزارة الثقافة في المراحل القادمة هذا الديوان جاء ليكمل تجارب المعاناة والأوضاع الصعبة التي ما انفككت أعايشها وأكتوي بها .

< وماهي أبرز قصائدك التي سوف يوثقها ديوانك الجديد ؟

- هي قصيدة (الناس أسرار ياقلبي) التي سوف تحمل ديواني القادم ووثقت بالفضائية اليمنية بصوت الفنانة أنغام باموسى إلى جانب أغنية وطنية و(اليوم دنيا وبكرة آخره) للفنانة الكبيرة أمل كعدل و(أجيلك من هنا) و(شل قلبي وقفا) ولحنهما الفنان عصام خليدي، وهناك أعمال بحوزة الفنانين سعودي أحمد صالح ونجيب سعيد ثابت، إلى جانب بعض الأعمال التي ستكون فاتحة تعاون فني يجمعني مع الفنانة كاميليا .

< يقال إن حزنك دفعك لكتابة قصيدة (الناس أسرار) بدموع العين وليس بمداد الحبر؟

- هذه القصيدة جاءت وليدة اللحظات المؤلمة والقاسية التي حدثت لي في أوقات زمنية متقاربة والظروف الصحية والأزمات النفسية التي ألمت بي خلال الأعوام العشرة الأخيرة بعد أن تخلى عني الأصحاب وجازاني أقرب الناس والأحباب بالجحود والنسيان بعدما بترت كلا ساقيّ ولم أعد أقوى على النهوض والسير، وصدمتي القوية بوفاة (أم أولادي) الإنسانة الطاهرة التي تقاسمت معها أحلى ذكريات العمر وسهرت على رعايتي والاهتمام بي سنوات طويلة وعلمتني معاني الحياة الجميلة، وكانت تمنحني التفاؤل والبهجة إلى جانب تغير أحوال الدنيا وقسوة قلوب الناس، أشياء كثيرة ضاعفت بداخلي أزمة الكربة والألم الشديدين اللذين أرغماني على الانكفاء بين عزلتي الذاتية متكئاً على مشاعر الأحزان والقهر والحرمان .

< متى تشعر بأنك تريد أن تكتب الشعر؟

- حين تحين لحظة الألم والوجع وتستبد بي ساعة الأنين والحزن والضيق أجد الدموع وحدها تخالج مشاعري وتتحول إلى مداد ينساب على الأوراق، حينها أكتب الشعر دون شعور بدافع من الإحساس الخفي الهاجسي في الوصف والتعبير وكل قصائدي كتبتها في مناسبات عديدة ومتباينة ومعظمها تأثرت ببعض الحكايات والشواهد العاطفية التي رأيتها وسمعتها من الناس وكل قصيدة لها حكاية حزينة ومرحلة مريرة عشتها أو جرت تفاصيلها على غيري ممن عاشوا قسوة الحياة وأوجاع الحب وهمومه .

< هل يعني أن مشاعر المعاناة وحدها هي القاسم المشترك لكل الشعراء ؟

-لكل شاعر محطة ينطلق منها وأكثر الشعراء الذين استطاعوا أن يؤثروا في صفوف الناس ويحاكوا عواطفهم هم أولئك الذين عانوا بصدق مرارة الواقع وعذاب الماضي وتلمسوا عن كثب هموم وأوجاع البسطاء، فالشاعر هو من يكتب الشعر بالفطرة ليعكس إحساسه الواعي بهموم وقضايا الناس وعما يختلج في حناياهم، فمعظم الشعراء نجدهم يعبرون عن كل شيء يعيشونه في الحياة، ولكنهم لايستطيعون أن يعبروا عن ذاتهم وأوضاعهم بعمق الإحساس الذي ينتابهم لأن معاناتهم الذاتية وقدرة تصورها تفوق حدود وصفها .

< ناضلت وقدمت الكثير من التضحيات للوطن هل حظيت برعاية واهتمام الدولة ؟

-اعتزازي بالانتماء لهذا الوطن الغالي الذي ما انفكت ملامحه بأشعاري وأبصر فيه شموخي وكبريائي، جعلني ألبي نداءه، وأقدم واجب التضحيات في سبيله ولا يمكن أن أطالب الدولة بأن تعطيني مقابل واجبي حيال وطني، فيكفيني شرف المشاركة بالدفاع عن استقلاله وثوابته وسيادته التي أعتبرها أكبر مكافأة لي .

< حتى وأنت بهذه الحالة المرضية الصعبة ألم تساعدك الدولة ؟

- هناك بعض المواقف التي كان لها الأثر الطيب في رفع معنوياتي والتخفيف من حدة معاناتي والتي تمثلت بالمبادرة الكريمة التي قام بها د. يحيى الشعيبي محافظ عدن السابق بتكريمي وزيارتي إلى منزلي بمعية الأخ عبدالله باكدادة، مدير عام مكتب الثقافة بعدن، والحق يقال أن الأخ (باكدادة) يبذل جهودا ويعمل في ظل إمكانيات محدودة من أجل التوفيق وتلبية مطالب جميع المبدعين .

أما عن الجانب الإنساني أو المادي فأنا لا أستطيع أن أستجدي أحداً لمساعدتي بتركيب أطراف لساقيّ المبتورتين ولايمكنني أن أحمل ملفات علاجي وأتجول بها أمام أبواب مؤسسات الدولة، ولكني أطلب من الدولة أن تقدر حالتي الصحية وظروفي الصعبة وتمنحني فقط (إعفاء جمركيا) لأتمكن من استيراد وإدخال (سيارة لولدي) تلبي احتياجاتي وتنقلاتي لأن (إعاقتي) لاتسمح لي بالتنقل وتحمل أجر المواصلات (الإنجيز) التي أتكبدها باستمرار في سبيل حبي وشغفي لمواصلة عطاءاتي وحضوري الدائم للفعاليات والندوات الفنية والثقافية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى