للشهر الفضيل نكهة خاصة في السودان

> «الايام» لبنى الخطيب:

>
منذ قديم الزمن والسودانيون يشتهرون بحبهم لرمضان والاحتفاء به، إذ له نكهة ومذاق خاص و تبدأ الاستعدادات لاستقباله من شهر شعبان و الحركة في الأسواق تزدحم ببضائع رمضان المعروفة. وفي ليلة التاسع والعشرين من شعبان تتجه أنظار الناس خاصة في القرى والمناطق النائية نحو السماء لمشاهدة ورؤية هلال رمضان.

وتحضر المرأة السودانية مسبقا مشروب (الحلو مر) وعرف بهذا الاسم لمدلول مهم في عمل هذا المشروب، فهو حلو في طعمه ومذاقه كما أنه صعب في صناعته، و يعرف كذلك باسم (الأبري) و يصنع على شكل أقراص من دقيق الذرة الذي يخمر بطريقة معينة ثم تضاف إليه بعض البهارات المطحونة مثل الهيل ، القرفة، القرنفل والحبة السوداء ويعتبر المشروب الشعبي الرئيسي في وجبة إفطار رمضان والذي لا يخلو منه بيت سوداني غنيا كان أو فقيرا وله خاصية الإرواء بدرجة كبيرة ولون (الحلو مر) بين البني والأحمر ويوجد نوع آخر لونه أبيض لكنه أخف منه ويشبه لحد ما الرقاق. و(الحلو مر) أو (الأبري)، وهى كلمة تتكون من مقطعين وتعنى (آب أي عاد وري)، ويصبح مدلول الكلمة هنا أن الصائم قد ارتوى بعد العطش، وهذه خاصية كبيرة لهذا المشروب الذي يبطل الشعور بالعطش. و (الأبرى) يمكن أن يبقى بشكله المميز والجاف لعدة أشهر حيث يبل في الماء لعدة ساعات ويصفى ماء هذا الخليط للشرب ويضاف إليه السكر ليقدم بشكل أساسي على مائدة رمضان في السودان.

الإفطار في الطرقات: العادة الطيبة التي يتميز بها الشعب السوداني عن بقية شعوبنا الإسلامية و تدل على التكافل الاجتماعي خروج الرجال الصائمين في القرى والمدن وبدرجة أقل وبعدد محدود في المدن الكبيرة للإفطار أمام أبواب المنازل مع جيرانهم من الرجال أو في تجمع كبير من أهل الحي للإفطار في أحد الميادين والطرقات والساحات ، و يحضر كل منهم ما يتوفر لديه من طعام وشراب ويفطر معهم كل عابر سبيل أو من تقطعت به الطرق من المسافرين والزوار . كما يتبادل الناس زيارات الإفطار في رمضان بحيث تدعو كل مجموعة جمعا من الناس لتناول الإفطار عندها وتتواصل هذه العادة طوال الشهر الكريم ويشكل تناول الإفطار عادة اجتماعية أصيلة فيها الكثير من قيم التعاون وتعد موائد رمضان في السودان فرصة للتعارف بين الجيران، و تمتد جلسة (الونسة) إلى أذان العشاء، وربما يصلي من تبعد منازلهم عن المساجد في المكان ذاته.

وتعد أيضاً هذه المائدة متاحة للضيوف، فضيف الشخص الذي ينتسب إلى مجموعة هو ضيف المكان كله.

الأطباق المشهورة والمألوفة في السودان على مائدة إفطار رمضان (العصيدة) التي تعد من أنواع مختلفة من الذرة ويضاف إليها ما يعرف بـ (المُلاح) بضم الميم ، أو التقلية المعدة باللحم المفروم تضاف إليه مكونات الطبيخ الأخرى المعروفة ويخلط بـ ( الويكة) البامية المنشفة شريطة أن تكون مطحونة. وهناك أيضا طبيخ (النعيمية) من مكونات الطبيخ السابق نفسها لكن يضاف إليه اللبن الرائب ويؤكل مع العصيدة أو رقائق الكسرة الشبيهة بالخبز، كما تضم المائدة السودانية وبشكل مميز ( البليلة) وهي عبارة عن أنواع من البقوليات المسلوقة أو القمح إلى جانب أطباق أخرى ومقليات ومنها (الطعمية والسمبوسك). والمطبخ السوداني في رمضان يتميز بالبصل المحمر بالزيت ويهرس بعد ذلك ويعطي مذاقا لذيذا بإضافته لبعض الطبيخ. والتمر يكون حاضرا بجانب مشروبات محلية الصنع عديدة ومشروبات الفواكه المختلفة، فالأولوية سودانيا للكركدي، الذي يعتبر مؤهلا تأهيلا طبيعيا للمنافسة عالميا، وتضم المائدة السودانية الرمضانية أطباقا عديدة من الحلويات (البسبوسة و المهلبية).

ابتهالات رمضانية: تتنوع مظاهر الاحتفال الاجتماعية والدينية عند السودانيين، فتمتلئ المساجد في ليالي رمضان بالمصلين، وبعد صلاة العصر هناك محاضرات دينية داخل المساجد، وتشهد صلاة التراويح ازدحاما ملحوظا بالمصلين من الرجال والنساء والأطفال، وتصلى دائما بجزء من القرآن ويتخللها أدعية وابتهالات ويختتمون الليلة بالمدائح النبوية. وهذا النوع من الفنون ينتشر كثيرا في السودان، فهناك الكثير من فرق المدائح النبوية التي يحبها الناس، وأشهرها مدائح الشيخ (عبدالرحيم البرعي) يرحمه الله .

الصوفية: في رمضان يعمل أهل الصوفية على تكثيف ممارسة طقوسهم الدينية من قراءة الأوراد والابتهالات، كما تكثف أيضا حلقات الدروس الدينية قبل صلاة المغرب، وبعد الإفطار تبدأ جلسات الإنشاد الدينية. وتقام حلقات الذكر (التي تعرف بالحضرة) بمصاحبة الطبول والدفوف بعد صلاة التراويح، أما برنامج الخلوة (وهي المكان الذي ينعزل فيه الطلبة لحفظ القرآن) فهو يمارس الطقوس العادية في غير رمضان وبحياة الزهد نفسها. وتحتفل الطرق الصوفية بمناسبات معينة في رمضان مثل ليلة السابع عشر من رمضان (غزوة بدر) وكذلك فتح مكة، ويبدءون احتفالاتهم بكلمات عن هذه المناسبات ثم إنشاد ديني ومدائح.

فيما ينقطع الناس في العشرة الأواخر للعبادة والاعتكاف. وتنتشر في القرى والأرياف وبعض المدن عادة المسحراتي ويحرص السودانيون على تناول وجبة السحور المكونة من الأطعمة المعتادة وهناك طبق خاص يتناوله الأغلبية من أخواننا السودانيين (الرقاق) المصنوع محليا بيد ست البيت السودانية ويصنع من الطحين والنشأ ويطبخ على شكل طبقات رقيقة ناشفة ويضاف إليه الحليب الساخن وهو أشبه بـ (الكورن فلكس) وطعمه لذيذ ويتم تحضيره من شهر شعبان .

وقبل انتهاء الشهر الفضيل يبدأ الناس في الاستعداد لعيد الفطر المبارك بتجهيز الملابس الجديدة خاصة للأطفال وشراء الحلويات أو إعدادها بأيادي ست البيت مثل الخبيز والكيك والكعك والبسكويت بأنواعها المختلفة.

رمضان كريم على إخواننا السودانيين (أي) وجميع المسلمين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى