معاناة مرضى السرطان في عدن :مرض لا يـرحم.. وقصة دواء جرعته 150 ألف ريال (1)

> «الأيام» خديجة بن بريك - فردوس العلمي:

>
احدى غرف المرضى في مستشفى الوحدة
احدى غرف المرضى في مستشفى الوحدة
ما أشد ألم السرطان ولكن الإيمان بالله أقوى، فمرضى السرطان رغم الألم تجد في وجوههم ابتسامة رضا بما كتبه الله لهم، فلسان حالهم يقول: « الحمد لله على كل حال» رضا بقدر الله وإيمان منقطع النظير لا تذمر ولا حزن، فهذا قضاء وقدر من رب البشر كتب عليهم، ولكن من يشاهد معاناتهم من بشر مثلهم لا يقبله عقل ولا دين، فما أشد متابعات مرضى السرطان لاستخراج تقرير يوصي بعلاجهم للخارج، فانتظار قرار اللجنة الطبية العليا لاستخرج التقرير لهم، متابعات طويلة، وفي الأخير تبقى التذاكر والتقارير ذكرى لمن رحل، فالغالب ما تخرج تذاكر السفر والتقرير الطبي، وقد قابل المريض وجه ربه الكريم.

أهالي المرضى يقتلهم الحزن حين يرون فردا منهم يصارع المرض، وهم لا حول لهم ولا قوة، لكي يخفف عنهم وأشد ما يؤلمهم أن لا يجدوا مستشفى نظيفا يتلقون فيه العلاج، فمستشفياتنا هي أيضا مصابة بالسرطان المتفشي في جميع أجزائها، فهي أيضا بحاجة للعلاج لتكون قادرة على استيعاب المرضى.

صرخة من على صفحات «الأيام» وهي تفتح ملف السرطان، مصحوبة بآهات ألم مما شاهدنا في مستشفياتنا الحكومية التي تعتني بهؤلاء المرضى، فمريض السرطان بحاجة إلى النظافة والمكان المريح، ولكن عندما يضيق المكان بالروائح الكريهة وتنتشر القطط حول المرضى وتغيب النظافة ماذا تبقى لمرضى السرطان؟

ما يعطى للمريض.. نظرة أمل تظهر لهم مع وجود وحدة الأمل لمكافحة السرطان.. تلك الوحدة التي تعنى بمكافحة مرض السرطان.. أمل يراود كل المرضى لما يجدونه من عناية واهتمام.

«الأيام» رصدت عددا من المشاهد المؤلمة التي رافقتنا وهي كالآتي:

> بدأنا جولتنا في مستشفى الجمهورية توجهنا إلى وحدة الأمل لمكافحة السرطان، وهناك انبهرنا بما رأيناه من النظافة وأجواء تتناسب مع استرخاء مرضى السرطان، والتقينا بالمواطن أحمد المرفدي من جعار بمحافظة أبين، يقول: «بدأ المرض أولا في المعدة ووصل إلى الاثني عشر، وكان الأطباء يقولون لي إنه التهابات حادة، والآن لي ستة أشهر منذ معرفتي بهذا المرض بي، وذلك بعد أن ذهبت لمستشفى الرازي عند دكتور عراقي طلب مني أن أجري كشافة ملونة، وبعدها طلب مني أن أجري عملية مستعجلة، لأن المرض قد وصل إلى الاثني عشر وأجريت العملية، والآن أنا بدأت بالعلاج الكيماوي، وللأسف أننا نأخذه من صنعاء، وهذا يتعبنا جدا كوننا نخسر، وهذا المرض يحتاج للمال، والحمد لله أن مؤسسة مكافحة السرطان في عدن استقبلونا والأطباء يعملون مابوسعهم ونشكرهم على هذا وإن شاء الله يكتب لهم الأجر».

> أما علي سلمان عبدالرضى، عسكري متقاعد قال:«كنت أشعر بآلام في الأذن، وبعدها تطورت الحالة وذهبت لأطباء كثر ووصفوا لي دواء، واستخدمته وكان عبارة عن قطر للأذن، وبعد فترة طلب مني الأطباء عمل أشعة مقطعية، وظهر بعدها أني مصاب بورم يغطي على عصب الأذن وأثر على العين، حيث فقدت البصر، وأصبح عندي شلل نصف الوجه، وهكذا ظلات أتعالج من آلام الأذن مدة ثمانية أشهر بعدها اكتشف الأطباء بأني مصاب بالسرطان، وعندما علمت بالمرض تأثرت جدا وتأثر أهلي وأسرتي المكونة من عشرة أفراد، ونصحني الأطباء أن أذهب إلى الهند، ولم يكن لي المال وقد ساعدني البعض، وجمعت مبلغ مليون ومئتي ألف، واستطعت أن أسافر إلى الهند، وأجريت الفحوصات اللازمة وعندما علمت أن العلاج موجود في اليمن عدت لليمن، واستقبلنا الأطباء والممرضون هنا بشكل جيد، فالمكان هنا نظيف وجميل يشعرنا بالراحة، وما يزعجني هو أن علاج الجرعات يجب أن نحضرها من صنعاء، وهذا صعب جدا علينا أن نقوم بإحضار الجرعات، وإن مابين جرعة وجرعة 21 يوما، فنحن نطالب المسئولين أن يوفروا هذه الجرعات في عدن».

> وفي القسم نفسه لفت نظرنا شاب عمره 19 عاما، حاولنا الحديث معه إلا أنه أخجلنا بابتسامته التي كانت تقول لنا لا تقتربا مني، حاولنا الاقتراب منه، فرفض الحديث معنا، وتلك الابتسامة لم تفارقه، كان أثر الكيماوي باديا عليه إلا أنه لم ينقص شيئا من ملامحه الجميلة، قال لنا ضاحكا بخجل ممزوج بالألم: «لا أريد الحديث مع أحد»، وأخذ البطانية وغطى به وجهه وأثناء خروجنا من القسم أشار بيده مودعا.

> توجهنا بعدها إلى قسم تمديد النساء إلا أنهن كن نائمات أو كن يتناومن حتى لا تتحدث معنا إحداهن، فقدرنا ذلك، فهذا المرض قد لايعطي أحدا القدرة على الخوض في الحديث به وخاصة النساء.

> وفي المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان في المعلا، حيث كان العمل على قدم وساق، التقينا هناك بالمواطن عبده عوض صلاح (خمسون عاما) يعمل عسكريا من محافظة لحج قال:«زوجتي مصابة بالسرطان وعمرها 54 عاما، وأنا من محافظة لحج وتتعالج أكثر من ثمانية أشهر، والجرعة تكلف مئة وخمسين ألفا، وليست موجودة في عدن ولا في صنعاء، ولا أعلم من أين أحضرها، راتبي عشرون ألف ريال، وكان المقرر أن تجري أربع جرعات كيماوي، ومابين كل جرعة وجرعة واحد وعشرون يوما، وقد أجريت لها جرعتان، أما الثالثة والرابعة فلم نعطها لعدم توفرها، وليس لدينا الإمكانيات لها، على الرغم أن المؤسسة تساعدنا ويعملون كل ما بوسعهم وجزاهم الله خيرا، وقد طلب منا مستشفى الجمهورية أن نخرج المريضة من المستشفى، لأنه ليس لديه جرعة، ونحن مازلنا نبحث عن الجرعة، ولا نعلم ماذا نعمل، وتكاليف الفندق بالإضافه للعلاج صعبة جدا».

> الأخ خميس يسلم قال:«أنا من سكان حضرموت وأعمل في شبوة، أصبت في شهر ديسمبر 2005 وحصل عندي ورم في القولون واستخدمت ست جرع كيماوي، وجودي في عدن في هذه الفترة بسبب إصابة ابنتي بنفس المرض وعمرها 26 عاما، وأنا أتابع علاجها وهي زوجة وأم لطفل عمره عام، وتكاليف العلاج غالية جدا، فأنا أسكن الآن بفندق وتكلفته ستة آلاف ريال في اليوم».

وأضاف:"وأحب أن أقول في عائلتي ستة أفراد أصيبوا بالسرطان (الأم والخالة والخال والأخت والبنت وأنا)، أربعة منهم توفوا، والسبب في السرطان هي الأكياس البلاستيكية، على الرغم أن هناك تعميما منع استخدام هذه الأكياس إلا أنني رأيت في عدن هذه الأكياس ويستخدمونها في المطاعم، وهذه الأكياس من مسببات السرطان، فأين هم المسئولون؟ وأين هو تنفيذ قراراتهم؟، وكذلك التدخين السلبي نستنشقه غصبا عنا في المواصلات، على الرغم من وجود قرار المنع، ولكن لم ينفذ، وكذا المبيدات الحشرية التي ترش على الخضروات، وللأسف أن الدولة هي المسببة لهذا المرض لعدم تنفيذ هذه القرارات».

> وأثناء تجوالنا في مستشفى الوحدة الذي كان تملؤه الرائحة الكريهة في ممر قسم الأطفال المؤدي إلى قسم تمديد الأطفال المصابين بمرض السرطان، في ذلك القسم الذي يعاني من بهاتة لون جدرانه كأنه لم يزره أحد من المسئولين ليتفقده، فبالطبع إن بعض المسئولين لم يكلفوا أنفسهم بزيارة هذا القسم، فإن إصاب أطفالهم ألم -مجرد ألم بالرأس- فإنهم ينقلونهم إلى خارج البلد لمعالجتهم، بينما يبقى الأطفال الذين لايملك أهاليهم حتى قيمة أبسط الأدوية في هذا القسم المزري، ومن هنا ندعو المسئولين للاهتمام بهذا القسم».

> الأخ منصور أحمد سالم قال:«أعمل عسكريا، وكنت أعالج طفلي منذ ستة أشهر، وكان الأطباء يقولون إنه مريض بالشلل الرخوي، وظل الأطباء يبحثون عن سبب مرض ولدي، وظنوا في البداية أنه نزيف، وأعطيت له حقن بنسلين لمدة عشرة أيام، ولكن حالة ولدي لم تتحسن، وبعدها طلبوا مني أن أعمل رنينا مغناطيسيا، ومن بعد ذلك طلبوا مني أخذ عينة من العمود، وبعدها اكتشفوا أنه مصاب بالسرطان، حيث لديه ورم سرطاني تحت الجيوب الأنفية يمتد إلى قاع الجمجمة». وأضاف:«وعندما رأته الفنانة حنان ترك في زيارتها إلى عدن أصرت أن تأخذه معها في نفس الطائرة إلى صنعاء للعلاج في مستشفى الأورام لأخذ العينة هناك، ولكن تفاجأت بأن الطبيب قال: لا أستطيع أن أسحب عينة من تحت الكلى، وذلك لأن الولد صغير. وجاءت إحدى الطبيبات وقامت بمعاينته وطلبتُ منهم استخراج تقرير للسفر خارج البلد، إلا أن الطبيبة قالت إن حالة ابني لا تستدعي سفره وإن حالته ممكن أن تعالج في اليمن، بينما لدي تقرير من عدن يثبت أن ولدي يحتاج للسفر إلى الخارج، وقد فهمني طبيب كوبي في المستشفى العسكري في باصهيب أن حالة ولدي ليس لها علاج في اليمن، إلا أنها طلبت مني أن أجري له جرعة كيماوي، فقلت لهم أحضرته من أجل أخذ عينة وليس كيماوي، فكان من الممكن أن نعطيه الجرعة في عدن، ولكن بعد ذلك تغلبت مشاعر الأبوة وخفت على ولدي، ووافقت على الجرعة، وللأسف لم يكن لدينا مال سوى ما تقدمت لنا به المؤسسة في عدن مشكورة بذلك، ولكن كما تعلمون أن الوضع لايسمح، فالفندق يريد تكاليف وكذلك الأكل والشرب وكل ذلك يتطلب مبالغ، كما أني تركت أولادي في عدن، وأنا أصبحت في فندق وبقيت زوجتي مع الطفل في مركز الأورام، وكانوا يمنعونا من دخول المركز إلا في وقت الزيارة، فكيف سأعرف أن الطفل بحاجة لشيء أو زوجتي، وبعد أن نفد المال تحدثت مع أحد الأطباء بأني سأذهب إلى عدن من أجل أن أدبر المال، تفاجأت أن زوجتي تتصل وتقول لي بأن أحد الأطباء أخبرها بأن لديها ورقة خروج من المستشفى».

وهنا تحدثت والدة المريض بحرقة وعصبية وهي تقول: «جاءني طبيب ويقول لي لديك ورقة بالخروج، ويجب أن تخرجي فقد انتهت جرعة الكيماوي، وبدأت أغضب، إلى أين أذهب لا أعرف صنعاء؟ وزوجي غير موجود، بعدها جاءتني طبيبة وطلبت مني الهدوء وأبقتني في المستشفى بعد أن تفهمت وضعي».

بعد صمت قال الوالد:"مستشفى الأورام في صنعاء صحيح هو مكان فخم وجميل، لكن لاتوجد به عناية بعكس الأطباء في عدن، على الرغم أن المستشفى يوجد فيها الكثير من العيوب».

وبعد النظر حوله يمينا وشمالا أشار بيده: «هل هذا قسم في مستشفى فهذا لايرتقي لأن يكون مستشفى، ولكن الأطباء هنا جيدون يشعرونك بالأمان، بالإضافة أنهم يشرحون لك حالة المريض دون أن يخفوا أي شيء عنك بعكس هناك، ولكن الجميل هناك أن قربة الدم تأتي مجانا بينما هنا في عدن أنت تحضر المتبرع وتقوم أيضا بقطع سند، وهذا ما أستغرب له، فإن كنا سنحضر المتبرع فلماذا نقطع السند؟، والحمد لله أن مؤسسة مكافحة السرطان ساعدتنا في سفرنا إلى صنعاء وأعطتنا مبلغا من المال، كما أنها تتكفل بنصف قيمة الحقن والأدوية وجزاهم الله خيرا عنا».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى