أوضاع التغذية والنمو لدى الأطفال المصابين بمرض الخلية المنجلية

> «الأيام» د.عبدالوهاب موسى:

> في دراسة مرجعية نشرت مؤخراً في دورية طب الأطفال المداري (البريطانية) وبالاشتراك مع باحثين من البرازيل وهولندا وبريطانيا اشتملت على مراجعة تحليلية لجميع الدراسات والأبحاث المنشورة حول هذا الموضوع في اللغة الإنجليزية والإسبانية والألمانية والبرتغالية، كما تم التواصل مع بعض مراكز الأبحاث والباحثين المختصين بهذا المجال من أجل الحصول على المعلومات والبيانات غير المنشورة وقد تم تقسيم نتائج الدراسة حسب المناطق المختلفة من العالم وتعدد البيانات وعدد المصابين فيها، ومن المعروف أن مرض الخلية المنجلية (المعروف محليا بين العامة بتكسرات الدم) هو مرض شائع من أمراض الدم الوراثية تنتقل من الوالدين اللذين يكونان غالباً حاملين للمورث الجيني إلى أبنائهم (الذكور والإناث) ويتميز بوجود صبغة هيموجلوبين (خضاب الدم) غير طبيعية مما يؤدي إلى تحول في شكل كريات الدم الحمراء التي تحتويه، فعندما تتعرض هذه الكريات لنقص الأوكسجين في الأجزاء الدقيقة من الدورة الدمورية يتغير شكلها لتكون مثل المنجل (الشريم) ومن هنا جاء اشتقاق التسمية، ولهذا السبب تفقد هذه الخلايا الدموية مرونتها وتتحطم بسهولة وتتجمع على بعضها وتلتصق بالأوعية الدموية فتعيق تدفق الدم مسببة آلاماً شديدة وأضراراً متفاوتة في مختلف أنحاء الجسم.

ويكثر انتشار هذا المرض في المناطق الإفريقية والمدارية ومنها اليمن، كما إنه قد انتقل إلى أمريكا وأوروبا وبقية مناطق العالم عبر الهجرات المتلاحقة للسود، وكذلك أثناء ازدهار تجارة الرقيق في حقبة معينة من التاريخ ويعاني الأطفال المصابون بهذا المرض مشاكل صحية عديدة أهمها فقر الدم وألم متكرر في أنحاء متفرقة من الجسم مع نقص تدريجي في وظائف الأعضاء الحيوية مثل القلب والدماغ والكلى، وتعد مشاكل النمو وسوء التغذية إحدى المضاعفات التي تصيب هؤلاء المرضى مع أنها لم تلق الاهتمام والدراسة الكافية من قبل الباحثين، وتتميز الدراسة الحالية بأنها شملت البيانات المنشورة من مختلف مناطق العالم، كما أنها قد جاءت إضافة جديدة لتلبي الحاجة إلى مزيد من المعارف حول اضطرابات النمو ومشاكل التغذية لدى الأطفال المصابين بهذا المرض المزمن والمستعصي على العلاج، ويتميز مرض الخلية المنجلية بتأثيره الواضح في نمو الأطفال المصابين، وتشير العديد من الدراسات إلى أن %25 منهم على الأقل يعانون سوء التغذية حتى في البلدان المتقدمة مثل أمريكا، وقد تصل النسبة إلى مايقارب النصف في الدول الفقيرة أما في اليمن، فقد اتضح أن هذه النسبة ترتفع إلى ما فوق %70 بقليل، وبذلك يكوم أطفال بلادنا من بين الأسوأ حظاً في هذا المضمار على مستوى العالم.

وترجع اضطرابات النمو ونقص التغذية إلى عوامل داخلية تتعلق بالمرض وشدته وإلى عوامل خارجية ذات علاقة بالبيئة والرعاية الصحية والاجتماعية، فقد لوحظ أن فقدان الشهية الذي يصاب به هؤلاء المرضى يعد من الأعراض البارزة التي تبدأ مبكراً حتى قبل بدء نوبات الألم الشديد، وأن الأطفال المرقدين في المستشفى لا يتناولون احتياجاتهم الأساسية اليومية أثناء وبعد الأزمة المرضية لعدة أسابيع، كما أن من يعانون من مرض شديد وتتكرر لديهم نوبات الألم أو الإخماج المعدية ويدخلون المستشفى على فترات متقاربة أو لديهم مستوى منخفض من خضاب الدم هؤلاء يكونون أقل نمواً وأقل حركة ونشاطاً، وتشير الدراسات إلى أن التدخلات الطبية الموجهة لتخفيف شدة المرض ومضاعفاته سواء عن طريق نقل الدم بشكل دوري أو عملية استئصال الطحال المتضخم أو المعالجة بالهيدروكسي يوريا (وهو أحد الأدوية الفعالة المسموح باستخدامها) كل هذه التدخلات أثبتت تأثيراً إيجابياً في معدل النمو وتحسنت قياسات الوزن والطول لدى الأطفال الذين تم علاجهم بهذه الوسائل، وتؤكد الأبحاث الطبية بأن أطفال المنجلية يولدون بأوزان وأطوال طبيعية، ولكن من العامين الأولين وخصوصا بعد الشهر السادس من العمر حينما تبدأ أعراض هذا المرض بالظهور مثل فقر الدم والتورمات المؤلمة في ظاهر اليد والقدم تتبعها زيادة في عدد نوبات الإخماج المعدية، وكذا نوبات الألم التي تصيب العديد من أجزاء الجسم المختلفة خاصة عظام الجذع والأطراف، ففي هذه الأثناء يبدأ التقهقر في مؤشرات النمو ويتخلف هؤلاء الأطفال عن أقرانهم من نفس العمر والجنس.

وأثناء دراسة العوامل التي تؤدي إلى هذه الاضطرابات في النمو وسوء التغذية وجد أن معدل استهلاك الطاقة في حالة السكون وكذلك معدل هدم وبناء البروتينات داخل الجسم يكونان أكثر من المعدل الطبيعي وتنتج هذه الزيادة بسبب النشاط المفرط لنخاع العظام الذي يقوم بإنتاج كمية وافرة من كريات الدم الحمراء ليعوض بها خلايا الدم المفقودة التي تحطمت أثناء دخولها الدورة الدموية بعد أن أصبحت منجلية الشكل ، كما أن فقر الدم المزمن يشكل عبئاً مستمراً على الدورة الدموية وحركة الدم فيها مما يزيد في الجهد الذي يبذله القلب والرئتان لتلبية احتياجات الأنسجة من الغذاء والأوكسجين.

وتلعب الاضطرابات الهرمونية دوراً ملحوظاً في تأخر النمو والنضوج الجنسي للمصابين، وقد وجد أن الفتيات يعانون من تأخر في علامات البلوغ ويتأخر ظهور الطمث (الحيض الأول) لدى الفتيات وبرغم ذلك فإن خاصية الإنجاب لدى هؤلاء المرضى لا تتأثر وفي بعض الحالات قد يحصل نقص واضح في هرمون النمو أو بعض مكوناته مما يستلزم إعطاء بعض الجرعات التعويضية من هذا الهرمون.

وبالإضافة إلى الدور الذي تلعبه العناصر الأساسية المكونة للغذاء مثل البروتينات والكربوهيدرات والدهون فإن المركبات والعناصر الدقيقة التي يحتاجها الجسم من خارجه بكميات بسيطة جداً مثل الفيتامينات المختلفة تعد أحد الضروريات لنمو جسم سليم وتغذية متوازنة، وقد وجد أن أطفال المنجلية يحتاجون إلى كميات إضافية من هذه الفيتامينات وخصوصاً حمض الفوليك الذي أصبح يعطى لمرضى المنجلية بشكل يومي خصوصاً في البلدان النامية مما يبرز التأثير الحيوي لهذا الفيتامين ليس فقط في الحفاظ على فعالية إنتاج الدم من نخاع العظام ، ولكن نتيجة لدوره المهم في خفض حمض الهوموسيستين في الجسم هذا الحمض الأميني الذي أصبح عاملاً مهماً في اضطرابات الأوعية الدموية وازداد التركيز على دوره المتعاظم في العديد من الأمراض الوعائية خصوصاً أمراض القلب والدماغ إلى الحد الذي أطلق عليه اسم الكوليسترول الجديد (انظر صحيفة «الأيام» عدد 4020 الصادر في 9 نوفمبر 2003م).

وقد خلصت الدراسة إلى أن تأخر النمو وسوء التغذية لدى الأطفال المصابين بداء المنجلية يعد واحداً من المضاعفات الشائعة التي تؤدي إلى انعكاسات سلبية على نفسية هؤلاء الأطفال وعلى قدرتهم لمواجهة شدة المرض ومضاعفاته، وأنه بالإمكان التخفيف من هذه الاضطرابات عن طريق المراقبة المستمرة لمؤشرات النمو مثل قياس الوزن والطول وتحسين الرعاية الصحية والاجتماعية ونوعيتها ودعم أسر هؤلاء المرضى ليتمكنوا من تلبية احتياجات أطفالهم لكون هذا المرض يشكل عبئاً نفسياً ومادياً على هذه الأسر.

وتشير المعطيات المؤكدة إلى أن الرعاية الشاملة والاهتمام الخاص الموجه لهذا النوع من الأمراض يؤدي إلى نتائج مبهرة جداً، حتى في البلدان محدودة المصادر، فالأطفال الذين يعيشون في أوروبا مثلا هم الأكثر حظوة من حيث حصولهم على الرعاية الشاملة، لذلك نجد أنهم الأقل عرضة لاضطرابات النمو وسوء التغذية الناجم عن هذا المرض، بل ولجميع مضاعفاته بما فيها الانخفاض الملحوظ لمعدل الوفيات.

ويظل هناك العديد من الفرص المتاحة أمام الدولة والمجتمع لمساعدة هؤلاء الأطفال وأسرهم، حيث تشير التقديرات إلى أن هناك مايقارب 1571 طفلاً يولدون سنوياً في بلادنا وهم يعانون من هذا الداء، ومن المؤكد أن انتشار المرض يختلف من منطقة إلى أخرى، ومع ذلك للأسف لايوجد جهد واضح لمعالجة هذه المعضلة الصحية الشائعة، ففي دراسة سابقة للباحث نشرت في ديسمبر 2007 تناولت الوصف السريري لحالات المنجلية لدى أطفال اليمن بينت أن أعراض هذا المرض تظهر مبكراً (حوالي %92 في السنوات الثلاث الأولى من العمر)، وأن هناك العديد من المضاعفات مثل متلازمة الصدر الحادة وتضخم الكبد والطحال والضربة الدماغية وحصواة المرارة والرعاف والتبول اللا إرادي الليلي.

ومن الأسباب التي يمكن أن يعزى إليها انتشار المرض في اليمن عدم الكشف قبل الزواج، وزواج الأقارب الذي بلغت نسبته في الدراسة المذكورة إلى %65 وتمثل القرابة من الدرجة الأولى (أولاد العمومة) %31 يضاف إلى ذلك غياب الوعي الصحي لدى المجتمع وعدم وجود نظام الكشف المبكر للمرض بعد الولادة مباشرة، كما أنه لاتوجد مراكز صحية متخصصة تعنى بالتشخيص وبالاستشارات الوراثية.

ومن ضمن النتائج التي توصلت إليها الدراسة الجديدة النقص الشديد لعدد الأبحاث وشحة البيانات الموثوقة في البلدان الفقيرة خصوصاً البلدان الإفريقية وبلدان منطقة المتوسط والجزيرة العربية مما يؤكد الحاجة الماسة إلى مضاعفة الجهود من قبل الباحثين في هذه المناطق لسد الفجوة المعلوماتية التي تحيط بهذا المرض للتخفيف من معاناة ضحاياه من الأطفال والكبار الذين يعيشون في هذه البلدان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى