الشيخ علي العامري العائد إلى أهله بعد ثمانين عاما من الاغتراب لـ«الأيام»:خرجت وحيدا بثوب مرقع وعدت وخلفي خمسة وسبعون من ذريتي

> «الأيام» أنيس منصور

> خرجت قبائل العامري في زيق كرش في لحج أمس في موكب كبير وطويل لإطلاق الأعيرة النارية في الهواء وذبح الذبائح فرحا وسرورا بعودة شيخ مسن في التسعين من عمره يدعى علي مرشد علي العامري، خرج من منطقة زيق قبل ثمانين عاما تقريبا، حيث توفي والده وهو جنين في بطن أمه، وتوفيت والدته وعمره عشر سنوات، وبقي وحيدا وعانى ويلات الفقر وفقدان حنان الأم وعطف الأب، وهاجر متنقلا للعمل من أجل سد الجوع وهو صغير إلى الرحبية خدير وتعز وإب وعدن ومن ثم إلى السعودية التي قضى فيها خمسة وعشرين عاما يعمل في مؤسسات وشركات ومزارع ثم العودة إلى صنعاء، ولديه ستة أولاد وست بنات، حيث تكاثرت ذريته إلى خمسة وسبعين فردا بين ذكور وإناث.

وظل هاجس العودة إلى وطنه وأهله يراوده، ولكن ثمة معتقدات ورواسب ماتزال عالقة في ذهنه تحول دون العودة إلى أهله وقبيلته (دغسان العامري)، إضافة إلى وفاة جميع من هم في عمره، ولم يبق منهم سوى أحفادهم. وحاول الأب والشيخ علي مرشد العامري الذهاب هذا العام لأداء العمرة بعد إصابته بالأمراض وضعف حاسة السمع وكبر العمر، لكن أولاده أصروا على معرفتهم بالأصل والنسب والقبيلة التي ينتمي لها والدهم وموطنه الأصلي قبل أداء العمرة، وهكذا بعد بحث وسؤال قدر الله أن يعود العامري إلى أعمور زيق كرش مع ذريته البالغ عددهم خمسة وسبعون شخصا.

والعجيب أنه مايزال محافظا على تقاليد وعادات ولهجة قبائل العامري بعد ثمانين عاما من الغربة في قصة طويلة وعجيبة مليئة بالعظات والعبر.

أضحت قصة عودة الشيخ علي العامري حديث الشارع والمجالس العامة والمقايل، يتداولها الناس باستغراب وتأمل بعد ثمانين عاما، إضافة إلى الاستقبال الحافل والترحيب من قبل قبائل العامري زيق شمال مديرية كرش. لقد عاد العامري للأعمور وهو يشير بيده نحو التلال الجبلية والأراضي والوديان والمنازل القديمة يحفظها بكل مسمياتها.

عاد ولسان الحال يقول بعد ثمانين عاما من الهجرة والاغتراب والنضال من أجل لقمة العيش قائلا: «بلادي وإن جارت علي عزيزة وأهلي وإن جاروا علي كرام».

«الأيام» انتزعت من الشيخ علي العامري هذا الحوار الصحفي بعد مشقة ومساعدة أولاده لكونه يعاني من بعض الأمراض، منها ضعف حاسة السمع، فإلى التفاصيل:

> ممكن نعرف تفاصيل الهوية وقصة هجرتك من موطنك الأصلي؟.

- (بصوت شاحب) اسمي علي مرشد علي فارع العامري، من مواليد جبيل طابة زيق كرش، وعمري فوق التسعين عاما، وحاليا ليس لدي عمل، ولا أقدر عليه، وأعيش في كفالة أولادي، وقصة هجرتي أن أبي توفي وأنا في بطن والدتي، ولي أخ مفقود حتى الآن اسمه سعيد مرشد علي، قالت والدتي إنه هاجر للعمل .وتوفيت والدتي وأنا عمري عشر سنوات ونحن في حالة فقر وجوع، وظللت وحيدا بدون عائل، ومشيت نحو الرحيبة خدير وعملت في رعي الإبل عند عجوز مقابل الأكل فقط، ثم انتقلت للعمل في نقل الأحجار والتراب في روضة الإمام في صالة في تعز لمدة ثلاث سنوات، وعملت في حراثة الأرض في السحول حتى فترة الشباب، ونزحت من صعبان.

> وبعد الزواج ماذا عملت؟.

- انتقلت للعمل في عدن (خورمكسر والبريقة) مع إحدى شركات الطيران البريطانية لمدة عام ونصف، وكان عملي عضليا وبأجر يومي، وعدنا إلى السحول مرة ثانية.

> لماذا لم تعد إلى قريتك وأهلك في زيق كرش؟.

- ياولدي ليس لي قرابة نسب سوى قبيلة دغسان العامري، كانوا متفرقين في شتات الجوع والنكد، وحاولت مرة العودة لأسرتي ولكن في الطريق توفي أحد أطفالي، وكانت هناك معتقدات أن من يموت هنا بسبب الجن الذين يصيبون الأطفال بالأمراض ثم يأكلونهم، ولكنني عدت بهم إلى إب ثم سافرنا إلى السعودية.

> ماذا عملت في السعودية، وكم المدة التي قضيتها هناك؟.

- (مقاطعا) عملت مزارعا، وفي خلاطة إسمنت، وفي شركة بلانت الأمريكية في المنطقة العسكرية تبوك، وشركات أخرى لمدة 25 سنة، وعملت أنا وأولادي الكبار، ولم أعد إلا في عام 90م إلى صنعاء، وهناك توزع أولادي للعمل الحكومي والشخصي، وتجمعت الأسرة المكونة من 18 ابنا، توفي منهم ستة، وبقي ست بنات وستة أولاد، وجميعهم يعملون في مواقع وإدارات في صنعاء، وأنا مقعد في منزلي تحت كفالة الأولاد وإحسانهم.

> ما هي الصعوبات التي واجهتكم، وكيف عرفتم وعزمتم العودة إلى أهلكم؟.

- الحياة كلها صعوبات وتعب، ومن الصعوبات أن الأولاد كانوا دائما يسألون ويبحثون عن أصولهم وانتمائهم القبلي، ويجدون إحراجات لعدم معرفتهم نسبهم، كانوا متخبطين.

وبعد إصرارهم على ذلك واعتراضي من السفر للعمرة أعطيتهم بعض الأوصاف والأسماء التي أتذكرها، كانوا يبحثون عن اسم العامري، وهكذا قليلا قليلا حتى تواصلوا مع مسئول عسكري في الحرس الجمهوري اسمه نبيل العامري تواصل مع فؤاد عبدالله وهو من زيق كرش، وذكرت له أسماء بعض الذين كانوا موجودين ومسميات أخرى، وتوافقت اللهجة واللغة رغم تغير لهجة أولادي، ودار حديث طويل عن العادات والتقاليد التي فطرت عليها منذ الصغر، وعند نزولي مع أولادي برفقة فؤاد عبدالله علي، وكنت أعطيته مسميات الأراضي والجبال والسهول والمنازل القديمة ومعرفة بعض كبار السن بوالدتي ومصيري المجهول الذي تداوله الأولاد عن الأجداد السابقين، وتذكرت حينها أسماء حمود حربي وصالح عماد ودار سالم خفر وتذكرت حفلات الاعراس واسم العروس والعروسة التي حضرت لها وأشياء كثيرة جدا، وسألت عنهم فاذا بهم جميعا قد رحلوا.

> ماذا تريد أن تقول أخيرا؟.

- لقد خرجت من هنا وحيدا بثوب مرقع وعدت وخلفي خمسة وسبعون من أولادي وأحفادي وأبنائهم، والحمدلله لا أريد مالا ولا أرضا، يكفي أنني عدت بأولادي إلى أصلهم وعشيرتهم بعد النسيان والاغتراب، ومهما طال غياب الشخص عن وطنه فإن رابطا اجتماعيا ما يعيده إلى وطنه ونسبه ومولده.

وأشكر قبائل عامري زيق على الحفاوة والاستقبال وكرم الضيافة، وأشكر صحيفة «الأيام» على عملها ولقاءاتها ومتابعة قصتنا.

قفشات جانبية

- حاولنا البحث عن تفاصيل أدق وتوجيه استفسارات عن كل موقف لقيه العامري، ولكن صوته الشاحب والمرض وصمم الآذان حال بيننا وبينه.

- قال أحد أولاده ونحن نسأله: كنا دائما نعاتب أبانا عن معرفة أهلنا، ونسأله هل لديك ثأر أو قضية حتى تخفي لنا ذلك، وكنا في حالة خوف، ولكن الحمدلله.

- كان في مقدمة مستقبلي الشيخ علي العامري المشايخ والوجاهات وفضل صالح الطاهري المسئول التنظيمي لحزب جبهة التحرير في لحج وتعز وعبدالله قائد عبادة ومحمد غالب جازم والقيادي المؤتمري فؤاد عبدالله علي.

- لقد بذل العاقل مقبل حيدرة مثنى جهودا كبيرة، وهو يتهلل فرحا وسرورا لعودة الشيخ علي العامري، وبذل جهودا في تسهيل اللقاء والحوار الصحفي، فله منا كل الشكر والتقدير.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى