الصفقات الرياضية ميدان المنافسة الجديد بين دبي وأبوظبي

> دبي «الأيام الرياضي» وكالات :

> إذا كان هناك مكان مناسب لإنفاق 200 مليون جنيه استرليني في نصف يوم، فإنه بالتأكيد سيكون فندق قصر الإمارات في أبوظبي، الذي يعد واحداً من الفنادق القليلة في العالم المصنّفة ضمن سبعة نجوم، والذي قيل عند افتتاحه عام 2005، أن تكلفة بنائه بلغت ملياري جنيه استرليني.

ويبلغ حجم القبة في الرواق المركزي للفندق (اللوبي) ضعفي حجم كاتدرائية سان بول، وبإمكان الضيوف استشعار الفخامة في كل زاوية من زوايا الفندق..وفي حال خدشت عموداً رخامياً مزخرفاً من الأعمدة الموجودة في الرواق، فقد تجد ورقة ذهبية عالقة تحت أظافرك.

لقد تمّ هنا (الفندق)، وفي أحد الأجنحة التي تكلّف الليلة فيها 6 آلاف جنيه، الاتفاق على الصفقة بين رئيس الوزراء التايلندي السابق تاكسين شيناواترا وممثل مجموعة أبوظبي للتنمية المحدودة سليمان الفهيم لبيع نادي مانشستر سيتي لمصلحة الاخير.

بعد أن جمدت السلطات التايلندية جميع أصول شيناواترا في بلاده، على خلفية قضايا فساد، اضطر لبيع النادي بسرعة كبيرة، وكان الفهيم الذي ناب عن الشيخ منصور بن زايد آل نهيان في الصفقة سعيدا بهذا الأمر، واستغرقت المحادثات بين الطرفين حول الصفقة ثلاثة أسابيع، وكان رئيس الوزراء التايلندي السابق يعلم تماما أن الشيخ كان جادا حيال العرض، ومتأكدا من أنه يملك المال.

13 ساعة للاتفاق

يقول الفهيم تعليقاً على الصفقة:«لقد كان كل منا جاهزا لإتمام الصفقة، لكن اختلفنا في كيفية تطبيق الصفقة، في النهاية استغرق الاتفاق على اتمامها 13 ساعة، ونالوا هم ما يريدون وكذلك نحن».

وما إن تمت الصفقة وبعد ساعات، أعلن النادي عن تعاقده مع اللاعب البرازيلي روبينيو الذي يلعب في صفوف نادي ريال مدريد الاسباني، وهذه الصفقة شكلت صفعة قوية لرئيس نادي تشيلسي الملياردير الروسي رومان إبراموفيتش الذي ظل طوال الصيف يغازل النادي الاسباني لقاء حصوله على اللاعب البرازيلي، لكن الفهيم كان أسبق وفاز باللاعب لقاء 32،5 مليون جنيه استرليني، أي ما يعادل 61 مليون دولار.

ولم يتوقف نادي مانشستر سيتي عند هذا الحد، بل استعرض عضلاته وحاول شراء اللاعب البلغاري ديميتري بيرباتوف الذي يعد واحدا من أفضل اللاعبين في كرة القدم، ورغم فشل الصفقة، إلا أن النادي يبدو عازما على المضي في التعاقد مع كبار لاعبي العالم في كرة القدم مهما كان ثمن الصفقة، وهناك حديث قال أن الفهيم كان مستعداً لدفع 135 مليون جنيه استرليني لقاء تعاقده مع لاعب نادي مانشستر يونايتد كريستيانو رونالدو.

الزي العربي

ولم يخف مشجعو مانشستر سيتي ابتهاجهم، وارتدى البعض منهم الزي العربي التقليدي (الدشداشة) لإظهار تضامنهم مع مالك النادي الجديد، الذي يقال أنه أول مالك ثري جدا لناد في دوري الدرجة الممتازة.

وفيما إذا كان هذا الأمر صحيحا من حيث الدولارات، وفيما إذا حسبت ثروة أبوظبي وكأنها جميعها ملك للشيخ منصور، فإن الانطباع الذي ساد هو أن الرياضة المحلية أصبحت مرة أخرى رهينة لعبة رجل ثري.

وباتت الرياضة تصنف إلى جانب جملة من الصفقات العربية المتفاخرة التي اشترت بموجبها مؤسسات بريطانية مثل متحف مدام توزو، ومتحف الملكة اليزابيث الثانية، ومباني تشلسي.

ومع ذلك، وفي تمحيص أقرب، هناك الكثير مما يقال عن هذا التحول في الأموال النقدية المتدفقة من حقول النفط في الشرق الأوسط نحو حقول الملاعب البريطانية، إنها جزء من معركة على مستقبل المنطقة بعد نضوب النفط، ومنافسة بين مدينتي أبوظبي ودبي، التي لم يشهد التاريخ مثلها إلا في القرنين الخامس عشر والسادس عشر بين مدينتين في إيطاليا.

وحتى منتصف القرن العشرين، كان اقتصاد أبو ظبي يعتمد على رعاية الجمال، وزراعة التمور والخضروات وصيد السمك والبحث عن اللؤلؤ، وكان الفقر منتشرا آنذاك في الإمارة، ويعيش معظم السكان في منازل مبنية من سعف أشجار النخيل، أما الطبقة الثرية منهم فكانت تعيش في أكواخ مصنوعة من الطين.

لكن اكتشاف النفط في عام 1958 غيّر كل شيء، ووجدت أبوظبي نفسها ترقد على 9 في المائة من امدادات العالم من النفط، وهكذا تدفق المال من الذهب الأسود.

وبدأ أول بناء من الاسمنت بالظهور، وفي عام 1961 تم إنشاء أول طريق معبد في المدينة، وكانت أبوظبي تحت الوصاية البريطانية منذ عام 1892، واستقلت عنها في 1971..وساهم ارتفاع أسعار النفط منذ الغزو الاميركي للعراق عام 2003 في زيادة ثروة الإمارة.

وقفز سعر البرميل من 20 دولارا إلى 150 دولارا، وتقول التقديرات أنه في حال ارتفع سعر برميل النفط دولارا واحدا كل يوم، فإن مجموع أرباح أبوظبي تصل إلى 500 مليون دولار، في عام واحد.

صندوق ضخ الثروات

إلى هذا، تعود جميع الأموال المتدفقة إلى أفراد العائلة الحاكمة التي تستحوذ على معظم أوجه البيئة التجارية في البلاد. وبالفعل، ذكرت مجلة فوربس في الشهر الماضي أن الشيخ خليفة بن زايد بن سلطان آل نهيان هو ثاني أغنى قائد دولة في العالم، وتقدر ثروته الشخصية بحوالي 23 مليار دولار، والجدير بالذكر أن ثروة الشيخ منصور تقدر أيضا بمليارات الدولارات.

من ناحيته، يساهم صندوق الثروة السيادية في الإمارة بضخ المزيد من الثروات. وتملك أبو ظبي أكبر صندوق سيادي في العالم يدعى هيئة أبوظبي للاستثمار، وتملك الهيئة تريليون دولار تحاول استثماره.

وأتاحت الأزمة الائتمانية التي ضربت الاقتصادات الغربية فرص شراء مثل هذه الصناديق أصولا بأسعار منخفضة، وفعلا استحوذت هيئة أبوظبي العام الماضي على 4،9 في المائة من أسهم سيتي غروب، وهو أكبر بنك في العالم.

وحصلت شركة أبوظبي للاستثمار وهي شركة شقيقة لهيئة أبو ظبي للاستثمار على حصة لها في الكعكة الأميركية، واشترت أخيرا مبنى كرايزلر في نيويورك.

أما شركة مبادلة للتنمية، فقد تملكت 10 في المائة من أسهم شركة جنرال إلكتريك و5 في المائة من فريق سباق السيارات فيراري، وتسعى الآن إلى شراء مطارات غيتويك وستانستيد.

وتبقى الحقيقة المزعجة لأبوظبي هي أن النفط سينضب يوما ما، وعلى الرغم من أن هذا الامر من المتوقع أن يحدث بعد 90 عاما، فإن هناك توقعات دائمة تقول أن عطش الاقتصاد العالمي للنفط سيقل، لأنه قريبا سيتم استبداله بالتكنولوجيا النظيفة.

ويمكن رؤية هذا العامل المحفز في عقول العائلة الحاكمة في أبوظبي عبر استثماراتها في الطاقة البديلة.

إذ أطلقت قبل نحو عامين من الآن مبادرة مدينة مصدر للطاقة التي تبلغ كلفتها 250 مليون دولار، التي تهدف إلى التحول نحو مصادر الطاقة البديلة والطاقة الشمسية.

ويدرك حكام أبو ظبي أن عليهم القيام بأكثر من مشروع لضمان مستقبلهم، ويعلمون تماما أن عليهم الاعتماد على التجارة والخدمات المالية والسياحة، لأن هذه الأمور ستكون مركزا للتطوير بين أوروبا وآسيا.

دبي وضرورة التنويع

من جانبها، تبدو دبي أكثر حاجة إلى تنويع مصادر دخلها إذ لديها أقل من 1 في المائة من احتياطيات نفط أبوظبي، ومن المتوقع أن تجف آبار النفط فيها بعد عشرين عاما..الأمر الذي قاد عائلة آل مكتوم لإطلاق برنامج تطوير في دبي لم يشهد العالم مثله من قبل..إذ تم إنشاء جزر جديدة إلى جانب أعمق ميناء صناعي في العالم بالإمارة، ويتم إنشاء أكبر مطار وأطول برج في العالم، إضافة إلى إنشاء 500 فندق، ويبلغ إجمالي ما تم إنفاقه على البنية التحتية الجديدة 500 مليار جنيه استرليني.

ويقول مارتين فريمان من شركة الاستشارات البريطانية، التي عملت في أبوظبي لمدة ثلاث سنوات أن البعض يتداول نكتة معروفة تقول أنهم في دبي بنوا المدينة، ثم صمموها، ويضيف أن أبوظبي أكثر اهتماما بهذا الجانب، إذ تم تصميم المدينة ثم بناؤها.

غدا أبوظبي

في أبوظبي، كانت الحكومة قد أعلنت عن خططها للمدينة في عام 2030 للتحكم بنمو الامارة في العقدين المقبلين، إذ من المتوقع أن يزداد عدد سكان أبوظبي ونصفهم من العمالة الوافدة من 800 ألف نسمة إلى 3 ملايين نسمة.

وستنفق الحكومة 100 مليار دولار على مشاريع البنية التحتية كجزء من هذا البرنامج، ورغم أنه لن يكون كبيرا كما هو برنامج دبي، فإنه سيكون لامعا بالتأكيد.

ومن ضمن عمليات التطوير التي ستقوم بها أبوظبي توسيع المطار، الذي ستتضاعف طاقته الاستيعابية الحالية ثلاث مرات في منتصف العقد المقبل، وسيكون منافسا مباشرا لدبي.

أما طيران الاتحاد الوطني فرصد 21 مليار دولار لشراء طائرات جديدة في يوليو، ليعلن نفسه بديلا ذكيا لطيران الامارات الذي مقره دبي.

منطقيا، قد تحتاج المنطقة إلى محور واحد فقط، لكن بدلا من ذلك سيكون هناك محوران وبمطارين يستهدفان حركة الطيران العالمية.

لكن صفقة مانشستر سيتي تمت في كوكب آخر، وبقدر شهرة الدرجة الممتازة من الدوري الانجليزي، استطاعت العائلة الحاكمة في أبوظبي الحصول على شهرة أكبر من مآثر آل مكتوم في سباق الخيل.

وبالفعل، ألقت صفقة صناعة 40 فيلما في الأعوام القليلة المقبلة مع استوديوهات هوليوود التي قامت بها أبوظبي بقيمة مليار دولار، بظلالها على صحافة العالم.

يقول البروفيسور في تجارة الرياضة في جامعة كوفنتري سايمون كادويك أن الرياضة جزء مهم جدا من استراتيجية أبوظبي الاقتصادية، فهي ليست هواية فحسب، بل جزء من خطة تطوير.

لكن ثمة من يعارض هذا التوجه لأبوظبي مثل المعلق الثقافي بيتر يورك، الذي وصف شراء أبوظبي للمؤسسات الثقافية بمن يبني مدينة فينيسيا في لاس فيغاس.

شراء ما تريد

يقول رجل أعمال من أبوظبي أن هذه «الصناديق المدعومة بأموال العائلة الحاكمة لا تملك المليارات للإنفاق فحسب، بل تريليونات الدولارات لشراء ما تريد، وإذا ما أرادت شراء مطارات بريطانية، فستفعل، كما تستطيع شراء أي شيء تريده».

وبالرغم من عدم وجود قيود أو حواجز على حجم الانفاق، فإن أموال النفط تستهدف الصفقات بعناية..وهناك استراتيجية طويلة توضع للعمل.

الجانب الشخصي من المنافسة

يوجد جانب شخصي في المنافسة بين المدينتين، على الرغم من أنه لم يفصح أحد من أفراد العائلة المالكة الذين يكرهون تسليط الأضواء عليهم بشكل علني، عن السبب..إذ يعتبر آل نهيان الأكثر تدينا، عمليات تطوير ابناء عمومتهم لدبي مبتذلة، ولهذا يريدون تثبيت هوية أبوظبي الثقافية.

ومن أجل هذا أنفقت حكومة أبوظبي 270 مليون جنيه استرليني لإنشاء فرع لمتحف اللوفر في جزيرة السعديات..وأنفقت 400 مليون جنيه استرليني لإنشاء متحف غاغينهايم للفنون الذي صممه فرانك غيري. ومن المتوقع أن يتم افتتاح المتحفين في الأعوام الثلاثة أو الاربعة المقبلة.

ويقول عبدالباري عطوان أن حكام أبوظبي يحاولون العمل باستقلالية عن دبي، وبقية الإمارات، ويضيف:«هم يحاولون تصور أبوظبي ككيان منفصل..وينافسون دبي، فمن جهة تملك الأخيرة طيران الإمارات، أما أبوظبي فلديها الاتحاد، دبي تستثمر في ستاد الامارات في آرسنال، أما أبوظبي فاشترت نادي مانشستر سيتي».

بالفعل إنها الرياضة، حيث المنافسة في أوضح معالمها من خلال سلسلة من الصفقات التي تعتبر ردا برد للحصول على أفضل الأملاك الرياضية في العالم..ففي حين أصبحت دبي موطن مجلس الكريكيت العالمي، قدمت أبوظبي عرضا لفريق الكريكيت الانجليزي بقيمة 750 مليون جنيه استرليني ليلعب لمدة عشرة أعوام كضيف في بطولتها التي تستغرق 21 يوما..وبعد أن أصبحت دبي محطة لأكبر حدث في جولة بطولة تنس الرجال للمحترفين، مولت منافستها بطولة السيدات..وإدراكا لمحاولة دبي استضافة الجائزة الكبرى لسباق الفورمولا ون، اشترت أبوظبي أسهما في فريق فيراري وضمنت مكانا لها في الحلبة العام المقبل.

وحتى الآن الشيء الوحيد الذي يراوغ عليه المتنافسان هو استضافة كأس العالم لكرة القدم أو الاولمبياد، ويبدو أن العروض نحو الاحداث المستقبلية في الطريق.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى