رجال في ذاكرة التاريخ

> «الأيام» نجيب محمد يابلي:

> السيد عبدالله عيدروس سقاف:السيد عبدالله عيدروس محمد أبوبكر سقاف من مواليد الفيحاء (الوهط) في 7 نوفمبر 1930م ونشأ في مدينته الوهط، هذه المدينة المتواضعة التي أنجبت أرتالا من الفرسان في سائر المضامير.

تلقى السيد عبدالله عيدروس سقاف دروسه الأولى في كتاب (معلامة) الجعفرية الذي تحول إلى مدرسة نظامية (FORMAL SCHOOL) وكان رمزها عمر بن أحمد باعوين وكان من مناصب ولي الله الصالح عمر بن علي.

انتقل السيد عبدالله عيدروس سقاف إلى المدرسة الابتدائية الجعفرية وكانت مدعومة من الجمعية الخيرية الإسلامية بعدن، وثبتها بعد ذلك معارف السلطنة اللحجية وكان من زملائه في المدرسة السيد عبدالله جعفر والسيد أبوبكر بن زين والسيد عبدالكريم فضل.

السيد السقاف ينتقل من كرسي الدراسة إلى كرسي التدريس:

عمل السيد عبدالله عيدروس سقاف مدرسا في المدرسة الجعفرية بالوهط والمدرسة المحسنية بالحوطة، وكانت قدراته متميزة نتيجة شغفه بالاطلاع على أمهات الكتب، وكل مايقع في يديه من إصدارات، وكان في صدارة من حملوا انطباعا طيبا عنه الأمير علي عبدالكريم فضل (السلطان لاحقا) وكان الأمير علي- أمد الله بعمره ومتعه بالصحة- مديرا للمعارف (التربية والتعليم)، ورشحه لإكمال الدراسة.

وحدثني السيد السقاف:«كان السلطان علي عبدالكريم فضل- متعه الله بالصحة- وراء كل عمل جميل في السلطنة، وكان داعما ومشجعا للشباب وراعيا للتعليم والرياضة والفن ولشؤون التنمية عامة في أرجاء السلطنة».

لايزال السيد عبدالله عيدروس سقاف يتلذذ بذكريات أيام التدريس في المدرسة المحسنية إلى جانب جيل العمالقة: محمد علوي أبوبكر وعلي عبدالحبيب باعوين وعبدالله هادي سبيت ومحمد حسن أفندي.

السيد السقاف يطرق باب التجارة في الشيخ عثمان:

اختلف السيد عبدالله عيدروس السقاف مع مدير معارف السلطنة حول حصة الوهط من المنح الدراسية إلى مصر فقدم استقالته من العمل في العام 1947م وانتقل إلى الشيخ عثمان وبدأ ممارسة التجارة شريكا مع خاله، إلا أن شغفه بالقراءة على نفس وتيرته فأقبل على قراءة الكتب التاريخية والأدبية وغيرها، كما زادت رغبته في قراءة المجلات المصرية مثل «المصور» و«آخر ساعة» و«روز اليوسف» وشغف بعد ذلك في قراءة «المختار».

كان السيد السقاف مع غيره راغبا في إحداث التغيير في أسلوب الحكم في السلطنة ليس بدوافع سياسية، فقد كان نهجه إصلاحيا، لأن الحزبية من وجهة نظره تولد العصبية والضغينة والانغلاق.

السقاف ناشطا في نادي الشباب اللحجي:

يفيد السيد عبدالله عيدروس السقاف في شهادته للتاريخ بأنه نشط في الشيخ عثمان من أجل إنشاء نادي الشباب اللحجي في عدن، لأن ناديا آخر بنفس الاسم تم تأسيسه بمدينة البريقة وكان منحازا للسلطنة.

كان العطرالذكر عمر سالم طرموم رئيسا للنادي وكان قياديو النادي وأحدهم السيد عبدالله عيدروس سقاف يستقطبون شباب لحج في عدن أو القادمين من المهاجر وخاصة أثيوبيا. ويستطرد السيد السقاف في إفادته:«كتبت في فتاة «الجزيرة» و«النهضة» و«المستقبل»، ولم أكن لا أنا ولا زملائي من أصحاب اليمين أو أصحاب اليسار وبالمختصر المفيد لم يكن لنا أي انتماء حزبي، لأن الحزبي لايرى الأمور إلا بعين حزبه، ومن هنا تنشأ العصبية الضيقة على قاعدة: من ليس معنا فهو ضدنا. وصدق من قال إن الحزب قبيلة القرن العشرين».

كانت عدن كدار أبي سفيان:

يفيد السيد السقاف:«كنا مطلوبين من السلطنة، ولكن بمجرد أن نجتاز النقطة الحدودية نقطة التفتيش رقم 6 الفاصلة بين الشيخ عثمان ودارسعد كنا نشعر بالأمان والاطمئنان لحظة وصولنا إلى عدن، وقد كانت عدن بالنسبة لنا كدار أبي سفيان التي قال فيها الحبيب المصطفى: من داخل دار أبي سفيان فهو آمن».

كانت الدائرة الاجتماعية للسيد عبدالله عيدروس سقاف نوعية وشكلت في مجموعها كوكبة مباركة، ومن رموزها :علي ناجي محسن وعبدالمنان محسن وعبدالله عمر صالح البان وعلي حيدرة عوض وعلي سالم النهدي وعمر عبدالرحمن شقيق (الدكتور أبوبكر السقاف) ومحسن محمد زين (والد الدكتور هشام السقاف) وسعيد سالم يافعي (أبوعصام) وعبدالله فاضل فارع، إلا أن خاصته تمثلت في محسن محمد زين السقاف (أبو هشام) وعبدالله زين حسن سقاف (أبو عبدالله) ويعزز السيد عبدالله سقاف هذه الحقيقة بأن قال لي: رب أخ لم تلده أمك».

الأستاذ أحمد السقاف يخص السيد عبدالله السقاف بالذكر الحسن:

كان الأستاذ أحمد محمد السقاف- أطال الله عمره ومتعه بالصحة- يحرص عند زيارته لعدن أن يزور السيد عبدالله عيدروس سقاف ويتناقشان في موضوع أدبي أو تاريخي، وقد أثنى عليه الأستاذ أحمد السقاف كثيرا في كتابيه (أنا عائد من جنوب الجزيرة)، و(أوارق من شعر الديارات النصرانية في العراق)، وقال لي السيد السقاف: «قمت بزيارة الكويت عام 1990م واستأنست بزيارة الأستاذ أحمد السقاف في بيته في الشويخ».

السيد السقاف مع الأستاذ سعيد قائد مقطري في كلية بلقيس:

في العام 1962م أنهى السيد عبدالله عيدروس سقاف عمله التجاري والتحق بكلية بلقيس في الشيخ عثمان في ظل عمادة الرجل الكبير حسين علي حبيشي- أطال الله عمره ومتعه بالصحة- وكان السيد السقاف مدرسا أول للغة العربية ثم مشرفا على القسمين الإعدادي والثانوي وربطته علاقة وثيقة وحميمة بالعطر الذكر سعيد قائد مقطري، وكان أولاد السيد السقاف يعتبرونه- رحمه الله- أباهم الثاني.

كان السيد السقاف شاعرا مجيدا وقدم لمسرح كلية بلقيس في إطار اهتمامه بالمسرح المدرسي مسرحية شعرية عنوانها (عابد المال)، ومسرحية شعرية أخرى عنوانها (طاغية المخلاف)، وقام بإخراج مسرحية (سيف بن ذي يزن) للسيد محمد عبده غانم.

علي ناصر محمد وسالم ربيع علي يأخدان بيده:

آلت كلية بلقيس إلى الدولة بعد الاستقلال وتم إقصاء السيد عبدالله عيدروس السقاف وعاد إلى قريته، ولم يكن معه قوت يوم واحد لأولاده وأظلمت الدنيا في وجهه واستدعاه علي ناصر محمد، وكان محافظا للحج (المحافظة الثانية) بالوكالة، وسأله :عندك استعداد لتتولى دائرة الحصر الزراعي؟، أبدى السيد السقاف موافقته، وكان للسيد السقاف اهتمامات بالأمور المحاسبية منذ أيام كلية بلقيس، وكان هناك قسم تجاري، وكان يقرأ بنهم، ويطبق قراراته في العمل المحاسبي، وعلى تلك الخلفية عينة الرئيس (السابق) سالم ربيع علي (سالمين) محاسبا أول للجنة العليا للزراعة والإصلاح الزراعي، وعينه بعد ذلك في لجنة الإنعاش الزراعي، وحالفه الحظ عندما فاز في انتخابات المجلس المحلي في لحج، وارتقى درجة السلم عندما عين سكرتيرا ماليا في المكتب التنفيذي، وعين بعد ذلك مديرا عاما لمكتب المالية بلحج حتى تقاعده من العمل في العام 1993م، وسبق له أن أعد النظام المالي للمحافظة.

للسيد السقاف ثمانية أولاد، كلهم خريجون، الذكور منهم أربعة هم الطبيب محمد، وم.علي، وم. هشام، وم. مازن.

فؤاد محمد عبدالله طرموم

الميلاد والنشأة:

قال لي الأخ فؤاد محمد عبدالله طرموم في لقاء جمعنا لغرض الإعداد لهذه الحلقة إن آل طرموم من مدينة الغرفة بحضرموت، وتسمى أيضا (غرفة بن عبدات).. وأضاف: إن آل طرموم منتشرون في عدة مناطق في الداخل والخارج، فهناك طرموم الوهط وأبرزهم الراحل الكبير عمر سالم طرموم، وهناك طرموم شبوة ومنهم القائد العسكري المعروف عبدالله طرموم، وهناك طراميم بربرة، وطراميم الحبشة (إثيوبيا).. ومن آل طرموم البارزين: المرحوم م. محمود طرموم، والدكتور عبدالعزيز طرموم، وعبدالرحمن طرموم، وغيرهم.

فؤاد محمد طرموم من مواليد حي الطويلة بكريتر - عدن، في 22 إبريل 1942م. تلقى دروسه الأولى في القرآن الكريم في كتّاب (معلامة) الفقي مهيوب، وبدأ تعليمه النظامي في مدرسة الإقامة residency school (مدرسة السيلة -سابقا، المتحف الحربي -حاليا) بكريتر، ثم انتقل إلى مدرسة الريزميت (ثانوية لطفي أمان-حاليا)، حيث تلقى تعليمه المتوسط.. ومن زملاء دراسته الدكتور أبوبكر القربي، ومحمد الخادم الوجيه، والشيخ الننو، وعبدالحميد باسودان.. وأنهى تعليمه الثانوي في مدرسة القديس يوسف العالية (البادري) بكريتر.

إلى سوق العمل عبر بوابة (برنامج الشباب):

حكى لي الأخ فؤاد طرموم حكاية من حكايات الزمن الجميل، زمن الأسس السليمة للعمل والتعامل، وهي أنه فور إنشاء مصافي الزيت البريطانية (B.P) نزل فريق من الشركة البريطانية المذكورة إلى المدارس الثانوية وطاف بالفصول الدراسية يعرض على الطلاب فرصة الالتحاق بمستشفى الشركة في إطار برنامجها الذي أطلقت عليه (برنامج الشباب) Youthg Programme، وكان فؤاد طرموم من ضمن المجموعة التي تم اختيارها والتحق بمدرسة البرزخ للتمريض Isthmus Nursing School، درس هناك لمدة ثلاث سنوات على حساب الشركة.

وكان العام 1962م عام تخرجه، ليصبح Aden Registered Nurse (ممرض مسجل بعدن)، وبالمقابل كان هناك ممرضون من درجة أعلى وهم المعروفون بالـ Senior Registered Nurse (ممرض أول مسجل) أمثال محسن شيباني، بلابل، وشوالة، ومجاهد سعيد.

فؤاد طرموم يستفيد من سياسة تعريب الوظائف:

بعد ثلاث سنوات أثريت بخبرات أطباء المصافي تبنت حكومة اتحاد الجنوب العربي Federation of South Arabia سياسية تعريب الوظائف، وحدث إحلال عربي محل البريطاني، والتطور التدريجي خير من الهرولة العظيمة، أما على مستوى عدن فقد عرفت تلك السياسة (تعدين الوظائف)Adenisation of Jobs .

قرر فؤاد طرموم أن يحمل عصا الترحال من مستشفى المصافي إلى وزارة الصحة الاتحادية، وكان وزيرها الشيخ علي عاطف الكلدي - أطال الله عمره ومتعه بالصحة.

لم تكن أمور شغل الوظائف كما هي هزلية في مثل هذه الأيام، بل كان المتقدم يخضع لشروط قاسية أولها - كما حدث لطرموم - أن تم استدعاؤه إلى إدارة التوظيف (العطرة الذكر) Establishment Dept (مبنى مستوصف الحكمة حاليا) وطرحت عليه أسئلة ذات طابع فني، ومنها ماهو متعلق بالقيم الطبية Medical Ethics (العملة الصعبة في هذه الأيام).

نتيجة سياسة التعريب أصبح محسن شيباني رئيس قسم العمليات, وعلي غانم كليب رئيس قسم الجلد والعظام, ومجاهد سعيد رئيس قسم السل، وفؤاد طرموم رئيس قسم الباطني، وهكذا دواليك وحظي طرموم بدرجة B2-5 التي كانت تؤهله لسلفة سيارة Car Loan وسلفة بيت House Loan ورحلة سنوية مجانية مع الأسرة Free Passage، وحظي طرموم أيضا بسكن رفيع المستوى في مساكن الممرضات Sisters Quarters وكان من جيرانه الدكتور أحمد البار والدكتور محمد عرمان العطرا الذكر.

فؤاد طرموم وزمالة العمالقة:

أخد طرموم نفسا عميقا أعقبه نهدة حارة، وهو يتذكر زملاءه من جيل عمالقة التمريض الذين لا نظير لهم في هذه الأيام. قال لي طرموم: إنه جيل خالد عبده علي وصالح حميدان وطه الصعيدي ومحمد معتوق وإبراهيم كوكني ومحمد نوح ومحمد أحمد حاشدي وأحمد طرموم (شقيق فؤاد) وحامد عبدالقادر ويوسف فضل وعبدالوكيل السروري وحمود سعيد علي وعبدالرحمن مهيوب ومحمود سلطان والقائمة طويلة جدا.

محطات في مشوار فؤاد طرموم:

كان فؤاد طرموم من الوطنيين الشباب المنضويين تحت راية الجبهة القومية، لكنه لم يكن متحمسا للحديث عن تلك الفترة وتركز حماسه على الحديث عن فترة عمله وملازمته لعمالقة الأطباء والممرضين والإداريين في تلك الفترة المسكونة في ذاكرته وفي ذاكرة مساكن الصحة التي انتقل من بيت إلى بيت من بيوتها بدءا بمساكن الممرضات المجاورة أو قل التي من حرم مستشفى (الملكة إليزابيت الثانية) Queen Elizabeth Hospital بخورمكسر (الجمهورية التعليمي حاليا)، ثم مساكن صيرة، ثم مساكن عيادة البيومي في كريتر (مكتب الصحة والسكان مديرية صيرة حاليا) التي جاور فيها أطباء كبارا وفي مقدمتهم د. أحمد باصهي (المظلوم كما وصفه طرموم) ود. أحمد البار ود. باشنبين وغيرهم.

تلقى طرموم دورة استطلاعية Orientation إلى بريطانيا مدتها ستة أشهر، ثم إلى ألمانيا الشرقية، حيث أمضى فيها سنتين و8 أشهر، درس اللغة الألمانية في لايبزج، وتلقى العلوم الطبية في (هاله)، وحصل على بكالوريوس علوم طبية.

تحمل فؤاد طرموم مسئولية الأقسام والدوائر والعيادات خلال فترة عمله التي امتدت حتى عام 2004 منها مسئوليات في إدارة الخدمات الصحية ومسئولية الطوارئ والإنعاش، وبالمختصر المفيد لا يوجد قسم ولا دائرة إلا وعرف الطرموم ومن لا يعرف الطرموم؟

من مساهمات فؤاد طرموم أنه قدم دروسا في المعهد الصحي وساهم في تأسيس مدرسة داخلية ومدرسة التمريض للطلبة والمتطوعين بعد حرب 1994.

فؤاد محمد عبدالله طرموم المتقاعد عن الخدمة عام 2004 متزوج ولديه سبعة أولاد كلهم خريجون، الذكور منهم اثنان: رائد (خريج محاسبة) وبليغ (خريج كيمياء) وخمس خريجات.

فؤاد طرموم وهو يتحدث عن الدكتور أحمد باصهي - رحمه الله - بأنه مظلوم نسي أن يقول أنه هو نفسه مظلوم، وأن التقييم والهيكل اللذين صدرا مؤخرا قد أغفلاه.

هل يكمل هذا الرجل مشواره عمره وهو راض عن ولاة الأمر؟!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى