حرية التجمع السلمي: الموقف الرسمي من الحراك السلمي الجنوبي (1)

> أ. قادري أحمد حيدر:

> الإهداء: تحية لثورة 14أكتوبر التحريرية الوطنية في ذكراها 45، وتحية للحراك الاجتماعي السلمي الجنوبي ولقادته وجماهيره على طريق المشاركة والشراكة في السلطة والثروة، ولاستعادة روح الوحة السلمية 22مايو 1990م.

إن حرية التجمع والاعتصام المدني السلمي عملياً هي حريات مقيدة وهذا الحق محاصر بجملة من القيود الواردة في مضمون القانون رقم 29 لسنة 2003م بشأن تنظيم المظاهرات والمسيرات.

حيث إن المادة (13) من القانون رقم (29) تنص على أن البت بالسماح بالمظاهرة أو المسيرة يكون من خلال المحكمة والبت فيه بالاستعجال خلال اثنتين وسبعين ساعة.

القانون نفسه وفي المادة (16) يحظر القيام بمظاهرة أو مسيرة تستهدف المساس بالنظام الجمهوري وبسلامة الوطن ووحدة أراضيه، وهو نص عائم ومفتوح على كل الاحتمالات لتقييد حرية القيام بالتجمهر والتظاهر، أو المسيرات.

كما أن القانون رقم (29) أعطى وزارة الداخلية حق تغيير المظاهرات والمسيرات من خلال تحديد مكان وزمان المظاهرة أو المسيرة، والحق في تغيير خط سيرها كما تريد وزارة الداخلية.

وفرض حق الترخيص من الداخلية كجهة مقررة لإمكانية ممارسة هذا الحق - مثل أي نظام شمولي -عوضاً أن يكون ذلك بإخطار من خلال رسالة بالمظاهرة أو المسيرة وهو المعمول به حتى في أنظمة الديمقراطية الناشئة.

إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الالتزام فيه أدبي، ولكن الالتزام هنا يتم بموجب النص الدستوري في المادة (6). وفي هذا السياق فإن الحراك السياسي ، أو الحركة الاجتماعية السياسية الجماهيرية الاحتجاجية الجنوبية ، هي حركة كفاحية سياسية وطنية سلمية ، ذات خصوصيات وطنية يمنية جنوبية ، تمارس كفاحها السياسي بطريقة سلمية وديمقراطية ، وبما يتفق مع الدستور النافذ ، ونشاطها يتفق مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وهما : الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ، من المواثيق والمعاهدات الموقعة والمصادقة عليها اليمن ، وفي ديباجة الإعلان العالمي إشارة إلى رعاية حقوق الإنسان واحترامها من قبل أنظمة الحكم، وهو الضمان ليس فقط لتحقيق الاستقرار وإنما باعتبار ذلك شرطاً ضرورياً لجعل الشعوب تتخلى عن حقها في التمرد ، وجاء في الديباجة «لما كان من الأساس أن تتمتع حقوق الإنسان بحماية النظام القانوني ، إذا أريد للبشر ألا يضطروا آخر الأمر إلى اللياذ بالتمرد على الطغيان والاضطهاد» وهي دعوة صريحة لممارسة الناس حقوقهم المدنية والسياسية ، حتى لا يضطروا إلى الثورة واللجوء إلى العنف لتغيير الأوضاع . وأكدت المادة (5) أنه «لا يجوز لأي دولة أو جماعة أو شخص بمباشرة أي نشاط أو القيام بأي فعل يهدف إلى إهدار أي من الحقوق والحريات المعترف بها في هذا العهد» بهذا المعنى والفهم للدستور اليمني ، والمواثيق والعهود الدولية ، فإن الحراك السياسي الاجتماعي الجماهيري الجنوبي هو عمل دستوري وشرعي يكفله الدستور والعهود والمواثيق الدولية الموقعة والمصادقة عليها اليمن. وبهذا فالدولة معنية بإعادة صياغة القوانين جميعاً بما يتفق والنص الدستوري ، وروحه الديمقراطية ، وبما يتواءم مع تعهداتها واتفاقياتها الدولية . حتى لا يتحول التمرد والعنف ، والسلاح الأداة الوحيدة للتعبير عن الآراء ، والمواقف . كما هو حاصل في أكثر من مكان في البلاد . ومن هنا دعوتنا إلى حماية الحراك السياسي السلمي الجنوبي ، وتوفير حماية قانونية له تتناسب مع روح الدستور ومادته رقم (6) ، حتى يتوافق الموقف الرسمي من الحراك الجنوبي مع النص الدستوري ، والتزامات وتعهدات اليمن الدولية .

حرية التجمع السلمي.. وقانون حماية الوحدة الوطنية:

قانون حماية الوحدة الوطنية والجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي، جاء عملياً لفرض مزيدٍ من القيود على حرية التعبير، وجاء كأنه رد على نشاط وفعل الحراك الجماهيري الشعبي السلمي الواسع في المحافظات الجنوبية والشرقية.

المادة (2) من القانون وبنودها الستة جاءت بكلام عمومي ومجرد حول الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والثوابت الوطنية خطاب زجري لا صلة له بالقانون، خطاب تخويفي ردعي يهدف تقييد الحريات، لا ممارستها في الواقع.

المادة (4) في القانون تنص على معاقبة بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن خمس عشرة سنة (15) حسب جسامة الجرم لكل من ارتكب الأفعال الآتية:

1- المساس بالثوابت الوطنية بأي شكل من الأشكال وهي مادة تهدف إلى تقييد حق الناس في ممارسة حرياتهم في التعبير عن آرائهم تحت غطاء كلام عمومي مجرد.

مادة (11) تنص على إيقاف الحق في نقد شخص رئيس الجمهورية والحبس مدة لا تقل عن سنتين.

مادة (13) تنص كالتالي: يعاقب على الشروع في ارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون عن نصف الحد الأقصى المقرر للجريمة التامة ويدخل ضمن هذه العقوبات ممارسة حق التظاهر أو المسيرة.

المادة (8) في جميع مفرداتها تهدف تقييد حق الناس في ممارسة حرية التعبير سواء بالمظاهرة أو المسيرة، بل وحتى الحق في الكلام والكتابة، وهي تنص صراحة على الحق في تغيير المنظمات السياسية والصحافية في ممارسة حق النقد، تحت اسم (النقد البناء الهادف) الذي يحتمل أكثر من تفسير وتأويل.

كما في نص المادة الذي تقول «يحظر التشهير أو التجريح أو إفساد الحياة السياسية وتعريض الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي للخطر، ويعد من قبيل ذلك نشر أو إذاعة أو كتابة مقالات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة في الداخل أو الخارج ، يكون من شأنها المساس بالمصالح القومية أو إشعال روح الهزيمة»، وهي مادة مجرمة للحق في التعبير على أي مستوى كان من خلال نصوص مادة مفتوحة فقط لتجريم حق الناس في ممارسة نشاطهم المدني السلمي، وتعطيل حقهم في ممارسة حرية التعبير، وهي مادة مخالفة لنص وروح الدستور اليمني.

وكل من يخالف أحكام هذه المادة العقابية يعاقب بالعقوبة المقررة في المادة (4) في القانون حبس سنة إلى خمس عشرة سنة حتى الإعدام في حال إزهاق الأرواح.

وفي المادة (10) تكرار لهذه العقوبات نفسها الحبس ثلاث سنوات إلى خمس عشرة سنة وصولاً للإعدام إذا «ترتب على ذلك موت الإنسان» وكما ترى فإن هذا القانون جيء به لفرض المزيد من تقييد الحريات، ومنع الناس من ممارسة حقهم في التعبير، ووضع الممارسة الفعلية أو اليومية تحت قيود أكبر وتطال جميع أشكال وطرائق حرية التعبير ويمكننا اليوم الإشارة إلى واقع أزمة حرية التعبير بمختلف مستوياتها إلى بروز أشكال احتجاجية عنيفة مسلحة، وكذا تصاعد وانتشار حالة الحروب الداخلية الصغيرة والكبيرة.

1- الشكل الاجتماعي والمذهبي العسكري المسلح في صعدة والذي يدخل عامه السادس، ويعود جزء كبير من أسباب ظهور هذا الشكل الاحتجاجي العنيف والمسلح إلى ممارسة السلطة في تقييد حق الناس في التعبير عن آرائهم ومعتقداتهم وأفكارهم، وحرية نشاطهم المذهبي والديني، واللجوء إلى العنف والقهر خارج الدستور في التعامل معهم.

2- الشكل الاجتماعي الثاني، وهو أشكال المتمردات المسلحة على السلطة خارج القانون، والتقطع، والاختطاف، وقطع الطرق بالقوة المسلحة، وهي ظاهرة احتجاجية بدأت تتوسع وتشمل مناطق عديدة في الجنوب والشمال، ويعود وجود وقيام وانتشار معظمها إلى واقع الظلم القائم والمستمر على الناس، وعدم إنصافهم في حقوقهم، وأموالهم، وممتلكاتهم، وإلى عدم تنفيذ أحكام القضاء، وضعف حضور سلطة القانون.

الشكل الثالث: وهو لجوء الناس في المحافظات الجنوبية والشرقية إلى تنظيم أنفسهم في أشكال لجان وجمعيات وتجمعات جماهيرية مدنية سليمة، كوسيلة لممارسة حقهم في التعبير عن أنفسهم وعن حقوقهم المهدورة السياسية والاقتصادية والمدنية، وهو الشكل الاجتماعي الاعتصامي المدني السلمي الذي استكمل إلى حد ما بُعده التنظيمي، وإن ليس بصورة نهائية وواضحة، مع عام 2007م، وبدأ يعلن عن نفسه منذ أوائل العام 2007م. ولنشأته وظهوره أسباب موضوعية وذاتية ووطنية هي التي أنتجت هذه الأشكال واللجان والجمعيات والتجمعات الجماهيرية الاجتماعية الاعتصامية السليمة وهي حصيلة تعود إلى عملية تراكم سياسية طويلة تمتد إلى ما يقارب خمس عشرة سنة مع حرب 1994م، وما أدت إليه من نتائج كارثية على جميع سكان الجنوب، بعد أن تحول الجنوب كله إلى ساحة حرب - دار حرب ، بل ودار كفر حسب بعض الفتاوى- ما تزال استحقاقاتها السياسية والاقتصادية والمادية والسيكلوجية، قائمة حتى اليوم، بعد أن تحولت أرض الجنوب وملكيته العامة والخاصة إلى أراضي فيد وغنيمة، وتحولت إلى هبات وعطايا للمنتصرين في الحرب، وعملياً تم تصفية ونهب كل مقومات اقتصاد دولة الجنوب السابقة، وخصخصتها لجموع المتنفذين العسكريين والأمنيين والمدنيين الذين دخلوا بعد الحرب كفاتحين.

والأمر الثاني، اجتثاث وتفكيك مؤسسات دولة الجنوب السابقة الاقتصادية، والمالية، والصناعية والتجارية، والزراعية - جميع مفاصل وأساس البنية التحتية لدولة الجنوب- وتحويلها بطرق متنوعة ومتعددة إلى غنيمة حرب وفيد تحت أسماء وعناوين مختلفة، الخصخصة من دون قانون، الهبات والعطايا، تصفيتها مالياً، توزيعها أو بيعها إلى ذوي القرابة، وتسريح معظم كادرها والعاملين فيها.

وكان حظ مؤسستي الجيش والأمن النصيب الأكبر في ذلك التسريح القسري، والمقاعدة قبل الأوان، وإحالة جموع كبيرة منهم إلى قسم الفائض أو خليك في البيت، وتتفاوت أرقام المتقاعدين والمسرحين ما بين مئتي ألف إلى ثلاثمائة ألف شخص، ولم تتم حتى الآن معالجة وحل مشاكل سوى 7% من إجمالي المتقاعدين كما تشير بعض الأرقام الآتية من قيادة المتقاعدين، وبعض الإحصائيات من جانب قيادة المتقاعدين تقول إن من ذهبوا للتظلم عند اللجان الرسمية لا تتجاوز نسبتهم 18% والإحصائيات الرسمية مع أواخر عام 2007م تقول إنهم حلوا مشاكل 96% من قضايا ومشاكل المتقاعدين.

السبب الثالث هو وضع الجنوب كله في حالة عسكرة شبه كاملة، وكأنه في حالة قانون طوارئ غير معلنة، يكفي القول إن جميع محافظي المحافظات الجنوبية والشرقية من الشمال -إلى ما قبل عدة شهور- ولم تتحول عدن إلى مدينة حرة وعاصمة اقتصادية وتجارية، وتوقف العملية الاستثمارية فيها بشكل ملحوظ، والتوظيفات الرأسمالية فيها من ميزانية الدولة في جميع المحافظات الجنوبية أقل مما يخصص لمحافظة شمالية مثل أمانة العاصمة، أو الحديدة، وتوسع نطاق ظاهرة الفقر والبطالة وخاصة في محافظة عدن، وهناك عوامل وأسباب أخرى تساعد على توليد وإنتاج الظاهرة الاحتجاجية الاعتصامية الجماهيرية السلمية في الجنوب، ومنها ما يعود إلى فساد القضاء، وسطوة النافذين لعدم تنفيذ أحكامه والأهم من كل ذلك تدمير شراكة الجنوب السياسية والوطنية في دولة الوحدة المغدورة بالحرب.

ولم يجد المواطنون والمتقاعدون والمسرحون عسكريين وأمنيين، ومدنيين من وسيلة لممارسة حقهم في الاعتراض والاحتجاج سوى اللجوء لتشكيل اللجان والجمعيات والمنظمات التي سنأتي إلى ذكرها بالتفصيل كوسيلة يحاولون من خلالها وبواسطتها التعبير عن أنفسهم والوصول إلى حقوقهم التي ابتدأت مطلبية حقوقية وتحولت تدريجياً إلى مطالب سياسية دستورية قانونية.ويمكن القول إنه وخلال العام 2007م توسع استخدام هذا الحق ليشمل جميع محافظات ومديريات بل وحتى قرى الجنوب كله.والأشكال العلنية التنظيمية الاحتجاجية الجماهيرية السلمية، البارزة يمكن إجمالها في الجمعيات واللجان التالية:

1- جمعيات المتقاعدين العسكريين والأمنيين والمدنيين الموحدين في صورة أو هيئة مجلس التنسيق الأعلى لهذه الجمعيات، وعددها يصل في جميع محافظات ومديريات ومناطق الجنوب إلى أكثر من ثلاث وأربعين جمعية هذا إلى ما قبل ستة أشهر.

2- لقاءات أو لجان التسامح والتصالح والتضامن وكانت البداية لها في تأسيس جمعية أبناء ردفان يناير 2007م التي تم إغلاقها بالقوة العسكرية، ومنعها من العمل تحت هذا الاسم، ومطاردة الناشطين العاملين تحت هذه التسمية وكانت أول خطوة لإصدار وثيقة فكرية سياسية تحت اسم ملتقى التسامح والتصالح والتضامن في لقاء حضرموت/ المكلا الذي عقد بتاريخ 22 مايو 2007م، وأصبح اليوم ظاهرة احتجاجية سلمية تعم معظم محافظات الجنوب، وتصل اليوم أعدادها تقريباً إلى أكثر من أربعة وعشرين لقاء وملتقى تسامح وتصالح، واتخذت من ذكرى أحداث 13 يناير 1986م، مناسبة لإعلان هذا الملتقى التسامحي التصالحي لتجاوز آثار الصراعات والحروب في دولة الجنوب السابقة وخيراً فعلوا بتحديد هذا اليوم يوماً للتسامح وللتصالح الوطني في الجنوب، خطوة على طريق التسامح والتصالح الوطني اليمني الشامل.

3- جمعيات العاطلين عن العمل ولها وجود مؤسسي تنظيمي في جميع المحافظات الجنوبية والشرقية وهي من أكبر التجمعات الجماهيرية الاحتجاجية في الجنوب بعد جمعيات المتقاعدين العسكريين والأمنيين والمدنيين.

4- جمعيات شباب بلا عمل، وتضم العاطلين عن العمل من خريجي الجامعات والمعاهد الفنية والتخصصية المختلفة، وموزعة على جميع المحافظات الجنوبية والشرقية، ولهم نظام تأسيسي واجتماعات دورية، ولقاءات منظمة، وتم أخيراً - قبل أربعة أشهر- توحدها في مجلس تنسيق أعلى يضمها ويوحدها.

5- منظمة ولجان مناضلي الثورة وحرب التحرير.

6- جمعيات الزراعيين الموحدين تحت تسمية «مجلس تنسيق الجمعيات الزراعية» وعدد المشتركين فيها أكثر من سبعة وعشرين ألفا حسب إحصائية رسمية لقادة الجمعيات وتمثل عدن، لحج، أبين.

7- جمعيات الدفاع عن الأرض، وهي لجان متفرقة قليلة العدد، أعلنت عن نفسها تحت اسم وعنوان «الأرض والذاكرة»، وأصدرت بياناً تأسيسياً بذلك.

8- جمعية الدبلوماسيين المسرحين.

وحتى الآن تتميز هذه الجمعيات واللجان بأنها:

1- ذات طابع جماهيري شعبي واسع.

2- أنها بدأت حقوقية مطلبية وتحولت إلى سياسية.

3- أنها مؤطرة في أشكال تنظيمية معلن عنها وتمارس نشاطها الحقوقي والسياسي، والجماهيري من خلالها.

4- أنها غير حزبية ومستقلة كهيئات وأطر عن الأحزاب.

5- أنها مفتوحة وغير إيديولوجية.

6- أنها حتى الآن جنوبية الطابع والهوية.

7- جميع قيادتها جنوبية من المسرحين والمتقاعدين، والرافضين لنتائج حرب 1994م.

8- وجميعها ذات طابع مدني سلمي، ولم تخرج عن الدستور والقانون.

9- الحراك في جوهره سلمي وقانوني ودستوري ولذلك فهو في توجهه العام حراك ديمقراطي وحدوي ، فالحراك الجماهيري جاء ضد الوضع السياسي الفاسد السائد ، وليس ضد الوحدة بحد ذاتها ، كون جماهير الحراك كانت وما تزال هي الحامل السياسي والاجتماعي والثقافي للوحدة المغدورة بالحرب ، وللديمقراطية المصادرة بالاستبداد. إن جماهير الحراك هي الأصل والجوهر في الدعوة للوحدة وفي قيامها في 22مايو 1990م.

10- يتميز الحراك السياسي الجماهيري الجنوبي ، أنه بدأ على شكل رد فعل عفوي على نتائج حرب 1994م ، ثم أخذ يتبلور تدريجياً ذلك رد الفعل إلى أن أخذ شكل رد فعل منظم في صورة الفكر المكتوب في الصحافة (خطاب سياسي أيديولوجي) وفي صورة النكات السياسية الشعبية ، إلى أن تحول إلى تمرد مكتوم يعلن عنه في الشارع بأشكال مختلفة ، وصولاً إلى حركة جماهيرية اجتماعية واسعة غطت الجغرافيا الوطنية الجنوبية كلها ، مايعني تحولها إلى ظاهرة موضوعية ، سياسية اجتماعية ثقافية لا يمكن إقصاؤها أو تجاوزها - بل وحالة سيكلوجية شعبية- وماتزال عند هذا الحد ، ولم تصل إلى حد الثورة ، بدلالاتها الأيديولوجية والسياسية المنظمة .

11- مايزال الشكل التنظيمي المؤسسي للحراك وقيادته العليا في حالة تشكل مستمر ولم تتبلور حتى اللحظة رؤية سياسية برنامجية محددة واضحة للحراك وأهدافه السياسية النهائية . ويبدو أن حالة الحصار والقمع والهجوم السياسي الإعلامي ، ضد الحراك وقادته وصولاً إلى سجن قياداته، ساهمت في ذلك الاضطراب والإرباك اللذين تعيشهما بعض قيادات الحراك وتجمعاته في هذه المنطقة أو المحافظة. وقد يكون تفسير ذلك عائداً إلى طبيعة التحركات الجماهيرية الواسعة في مراحل تكونها الأولى.

وإذا كانت السلطة واجهت الشكل الاحتجاجي المسلح في صعدة بالعنف وكانت عاملاً أساسياً في إنتاجه وتوليده وتوسيع نطاقه، فإنها حتى الآن تلجأ للأعراف القبلية والوساطات المشائخية لحل مشاكل احتجاجات الجماعات المسلحة، التي تمارس التقطع وقطع الطرق والتعرض إلى قوافل الدولة الرسمية في العديد من المحافظات خارج الدستور والقوانين النافذة، فإنها بالمقابل تتعامل مع الحركة الاجتماعية الاعتصامية السلمية في الجنوب خارج إطار الدستور ونصه وروحه .

ولم تسمح حتى الآن لهذه الجمعيات واللجان والمنظمات ممارسة حقها الدستوري والقانوني في التعبير عن الرأي والاحتجاج والاعتصام والمسيرات وتواجهها بأشكال قمع وحصار أمني وعسكري يمنع عليها ممارسة هذا الحق.

يمكن القول إن جميع الفعاليات للجمعيات، وكافة أشكال الاعتصامات الجماهيرية السلمية تتعرض للمنع، ويتم إفشالها، بعد قمعها وحصارها أمنياً وعسكرياً.

بأن يتم إغلاق كافة المداخل والمنافذ المؤدية إلى موقع الاعتصام أو المهرجان الذي يتم الإعلان عنه مسبقاً، ويتم إخطار السلطات بذلك رسمياً، وتنشره الصحف الأهلية والمعارضة المختلفة، وذلك لمنع مشاركة الناس فيها، وصولاً إلى منع تنقل المواطنين داخل هذه الدائرة للمهرجان وما حولها، وهي مخالفة صريحة للدستور والقوانين النافذة، ومع ذلك تتم الاعتصامات والمهرجانات كما في البعض منها.

إفشال أكثر من فعالية اعتصامية ومهرجانية للمتقاعدين في عدن، وحضرموت، ولحج، وأبين.

هناك مهرجانات واعتصامات يتم فضها بالقوات المسلحة وحتى استخدام الرصاص الحي ضد المعتصمين ما أدى إلى استشهاد العديد منهم كما حدث في محافظات الضالع، حضرموت، الحبيلين (ردفان)، وعدن، مع أنها جميعها مهرجانات واعتصامات سلمية.

بعض المهرجانات والاعتصامات يتم مطاردة المعتصمين والمواطنين فيها إلى الحواري والشوارع الخلفية، وحتى إلى المساجد، وإطلاق الغاز المسيل للدموع عليهم وحتى الرصاص وتمت هذه العملية في محافظتي حضرموت، وعدن.

مطاردة ومتابعة المعتصمين وقادات الاعتصامات واحتجازهم وسجنهم ومحاكمتهم خارج إطار الإجراءات التنفيذية والقانونية.

حتى المحامون عن الشهداء والجرحى لم يسلموا من المتابعة والملاحقة وتوجيه تهم لهم بالدعوة للتحريض والعنف، واستثمار دماء القتلى والجرحى، وبعضهم تم اعتقالهم وسجنهم لعدة أشهر، وتقديمهم لمحاكمات شكلية هزلية ومنع الزيارة عنهم حتى لذويهم لمدة طويلة.خارج إطار سلطة القانون والدستور.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى