كتاب أحمد السقاف الذائع الصيت.. (أنا عائد من جنوب الجزيرة العربية) الصادر عام 1955 الذي يروي (قصة انقلاب العقيد أحمد يحيى الثلايا في تعز - مارس 1955.. خلفياته ودوافعه)

> «الأيام» د.هشام السقاف:

> توطئة:تستعد الأوساط الأدبية والثقافية (اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين ووزارة الثقافة والجهات الرسمية في بلادنا) لتكريم الأديب والشاعر العربي الكبير أحمد السقاف، وإقامة ندوة فكرية وأدبية عن إبداعاته الشعرية والنثرية، ونشاطه الإعلامي والسياسي العام على مدى ستين عاما من العمل القومي العربي، وذلك في شهر نوفمبر القادم.

«الأيام» إسهاما منها بالتعريف بأعمال ومؤلفات الأستاذ أحمد السقاف- خاصة للأجيال الجديدة- تستعرض تباعا بقراءات تحليلية أهم هذه الأعمال التي صاغها فكرا وأدبا عربيا خالصا.

يقول الأستاذ أحمد السقاف في تصدير الطبعة الخامسة من كتابه (أنا عائد من جنوب الجزيرة العربية) إن الكتاب قد صدر صيف 1955، بعد ثورة العقيد أحمد يحيى الثلايا على الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين أواخر شهر مارس 1955، وأعيد طبعه صيف 1956، وطبع للمرة الثالثة لدى قيام ثورة سبتمبر 1962 على الإمام البدر التي تزعمها عبدالله السلال، أما طبعته الرابعة فقد جاءت في صيف 1985، وقد حوت كل طبعة زيادات وإضافات اقتضتها الأحداث والمستجدات، وليس هناك من مستجد أعظم من ثورة سبتمبر التي باركتها القيادة المصرية بزعامة جمال عبدالناصر (ط5، 2002، ص 3).

ولقد لقي الكتاب تقريظا حسنا من الأستاذ أحمد محمد نعمان الشخصية السياسية اليمنية الكبيرة وزعيم حزب الأحرار اليمنيين، وذلك في صحيفة الحزب التي كانت تصدر في القاهرة، بعد أن اطلع على الكتاب في نسخته الأولى، ومما قاله الأستاذ النعمان: «قدر لي أن أمضي لحظات أسامر فيها هذا الكتاب القيم لمؤلفه السيد أحمد السقاف من شبان المؤمنين.. والكتاب في حد ذاته مجموعة حية من الحقائق عن اليمن بعد الانقلاب الثاني، ودراسة تفصيلية لدوافع ذلك الانقلاب وأسبابه، صدّره مؤلفه- النابه عن دراية- بحقائق التيارات التي اكتنفت ذلك الانقلاب فانكفأت به. وعرض لنا- عن خبرة- مشاهد مثيرة من الطغيان، طغيان الحكم، وطغيان التقاليد، وطغيان المجتمع.. ولا أتعرض اليوم لهذا الكتاب في هذه العجالة بالدراسة والتحليل، ولكنني أستخرج منه العبرة الحية، والعظة النافعة، أقدمها بحرارة للشباب اليمني الذي لايعرف شيئا عن بلاده، إلا أنها متأخرة فحسب، ولا يهتم- وهو الأجدر والأحرى- بدراسة شؤونها ونفسية شعبها حتى يعالج هذه النفسية المريضة على ضوء معرفة الدراسة العميقة والتحليل الواعي». (ط 4، ص 12).

لقد تتبع الأستاذ أحمد السقاف تسلسل أحداث ذلك الانقلاب الذي قضَّ مضاجع الحالمة (تعز) بقراءاته الواعية للأوضاع السياسية التي سبقت دويّ المدافع يوم الأربعاء 30 مارس 1955 في محيط قصر الإمام أحمد في العرضي بتعز.. ففي أثناء توقفه في القاهرة في طريقه إلى عدن لمدة يومين يطلع السقاف على فحوى الصراع الجاري بين سيوف الإسلام على ولاية العهد وموقف القوى السياسية المختلفة، خاصة الأحرار اليمنيين، ونلمس «أن أولئك الأحرار قد أبدوا موافقتهم للبدر مقابل اعترافه بحقوق الشعب المشروعة التي من أهمها الدستور، وإطلاق الحريات، وإلغاء نظام الرهائن، وإخراج البلاد من العزلة المخيفة.. وعلمت في ما علمت- والقول لأحمد السقاف- أن البدر في آخر زيارة له للقاهرة قد اجتمع بقيادة الأحرار اليمانيين، وتم بينهم التفاهم، فقبلوه وليا للعهد، وقَبِلَ شروطهم وتحفظاتهم». (ص 12) .

ويقول السقاف: «ومن تتبع خطب الأستاذ محمد محمود الزبيري، وخطب الشيخ أحمد محمد نعمان- أثناء انقلاب سيف الإسلام عبدالله- يدرك ابتعاد اليمانيين الأحرار عن سيف الإسلام عبدالله، ونفورهم من انقلابه المرتجل، كما يدرك في الوقت نفسه تفاهمهم مع الأمير محمد البدر. وليس معنى هذا أن اليمانيين الأحرار ماشون إلى آخر الشوط في ركاب الإمام أحمد، أو ولي عهده الأمير محمد البدر، ولكنهم من دون شك كانوا نافرين من جميع السيوف، وإذا كانوا قد أظهروا شيئا من التأييد لموقف الإمام أحمد أو شيئا من الرضى بولاية عهد البدر فلأنهم يخدمون مصلحة الوطن بالدرجة الأولى». (ص 18 و 19).

كيف حدث الانقلاب؟

لعلنا في قناعة بأن الأزمة العامة في مملكة الإمام أحمد عام 1955 قد وصلت إلى مرحلة اللاعودة، وأن نذر الصراع قد باتت وشيكة، وأن سبعا من السنين العجاف بعد الثورة الدستورية عام 1948 قد ضاعفت من فرضيات المواجهة بين سيوف الإسلام، ودخول قوى أخرى على خط الصراع بحسابات متباينة، لعل الأحرار أبرزها وكذلك الجيش. وإذا كانت ولاية العهد هي القشة التي قصمت ظهر البعير في فبراير 1948، فإنها هي ذاتها عامل التسريع باحتقان الصراع بين سيوف الإسلام إلى درجة المواجهة والثورة عام 1955.. فبعد عودة محمد البدر من مصر بعد لقائه الأحرار «أدرك سيوف الإسلام أعمامه لاسيما عبدالله والعباس والحسن أن أخاهم الإمام أحمد يستعد لإعلان النبأ رسميا ليضعهم أمام الأمر الواقع، فأخذ الشقيقان عبدالله والعباس يعدان العدة للثورة ويستعدان للانقلاب قبل فوات الأوان. أما الحسن فقد شغله أخوه الإمام أحمد عن الاستعداد للتمرد والثورة، فأصدر إليه أمرا- بوصفه رئيسا للوزراء- بالسفر إلى مصر لحضور مؤتمر رؤساء الوزارات العرب حينما تأزمت الأمور بين العراق ومصر بسبب التخطيط لحلف بغداد». (ص21).

البداية

هناك روايتان تردان في سياق كتاب السقاف (أنا عائد من جنوب الجزيرة العربية) عن السبب المباشر لحدوث الإنقلاب، الأولى: احتكاك بين جنود حامية تعز وأهالي (الحوبان) أدى إلى سقوط بعض الجرحى من الفريقين، على إثره ثارت ثائرة الحامية، مما حدا بقائد الحامية العقيد أحمد يحيى الثلايا أن يطلب من الإمام أحمد تأديب القرية، غير أن الإمام رفض الطلب وأصرّ على وجوب إجراء تحقيق في الحادث لإنزال العقاب بالمعتدين، سواء أكانوا من الجنود أم من الأهالي، فلم يكن من العقيد الثلايا إلا أن أمر حامية تعز- وهي تربو على الألف جندي- بمحاصرة قصر الإمام، وتبودل إطلاق النار بينها وبين حرس القصر، حدث ذلك يوم الأربعاء 30 مارس 1955.

والرواية الثانية: أن المناوشات بدأت بين الجنود وأهالي الحوبان يوم الإثنين 3/28/ 1955، وأن الأهالي قتلوا جنديين، فحمل الجنود القتيلين وأتوا بهما إلى حامية تعز، فثار الجنود والضباط لرؤيتهم جثتي الجنديين، وانطلقوا إلى (الحوبان) يمعنون فيها فتكا وتخريبا.. وفي صبيحة يوم الأربعاء استدعى الإمام أحمد العقيد الثلايا للتحقيق معه، وانتهى الأمر بحبس الثلايا، وفي الحال خرج عدد من الجنود واقتحموا السجن وأخرجوه منه، وبدأ على إثره محاصرة قصر الإمام». ( ص 23 - 24).

التنازل للأمير عبدالله

الظاهر أن حصار القصر وتبادل إطلاق النار لم يفت في عضد الإمام أحمد الذي تولى قيادة حرسه في معركتهم مع الجيش، ويبدو أن العقيد الثلايا كان عازما على المضي قدما في خلع الإمام، بعد أن أحكم تطويق القصر وعزل مدينة تعز عزلا تاما عن بقية أنحاء البلاد (ص 25)، حيث استطاع عن طريق العلماء والوجاهات التي لعبت دور الوسيط أن يتوصل في يوم الجمعة إلى صيغة اتفاق لتنازل الإمام أحمد عن الحكم ووقف إطلاق النار بين الطرفين.

يقول السقاف: «وقد أخبرني مصدر ثقة أن الإمام أحمد كتب بخط يده تنازله عن الحكم بصيغة لاتخلو من الخبث، وقد جاء فيها: تنازلت اليد اليمنى لليد اليسرى، ولا بأس من تولي الصنو عبدالله بناء على طلب الجيش المتمرد في تعز». (ص 25).

بيد أن المواجهات المسلحة قد عادت بين الطرفين بعد رفض الإمام المخلوع طلبا للجيش بمغادرته البلاد والتوجه إلى مصر، ولما لم تجدِ معه جميع الوسائل والحيل تقدم الجيش بطلب آخر هو ترك قصر (العرضي) والانتقال إلى قصر آخر، غير أنه لم يلبِ هذا الطلب أيضا وأصرّ على البقاء في العرضي. ولعل الإمام أراد من إطالة أمد المفاوضات ورفضه المغادرة المراهنة على الوقت ريثما تصله النجدة، فسلطت المدفعية نيرانها على القصر الذي انقطع عنه الماء والكهرباء لمدة ثلاثة أيام، إلا أن ثبات الإمام أحمد لم يتزحزح، وراهن الإمام على تحركات نجله سيف الإسلام محمد البدر الذي بدأ نشاطه من الحديدة.. ويقول السقاف إنه التقط في عدن إذاعة موجهة من الحديدة تتهم سيف الإسلام عبدالله بالخيانة والتآمر على سلامة البلاد. (ص 27). وكما كانت حجة ملجأ الإمام أحمد ونصيرته في ثورة 1948، فإنها كانت كذلك في انقلاب 1955، حيث توجه إليها البدر.

سيف الإسلام عبدالله الذي أعدمه شقيقه الإمام أحمد في اجتماع مع ترومان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بالبيت الأبيض وقد تزعم ثورة 1955 المعروفة باسم الثلايا
سيف الإسلام عبدالله الذي أعدمه شقيقه الإمام أحمد في اجتماع مع ترومان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بالبيت الأبيض وقد تزعم ثورة 1955 المعروفة باسم الثلايا
بيان سيف الإسلام عبدالله (ص 29)

في غضون ذلك أذاع الملك الجديد سيف الإسلام عبدالله بيانا هذا نصه: «نعلن للعموم أنه بناء على ما يعلمه الجميع من استمرار مرض مولانا الإمام- شفاه الله- واعتذاره عن المواجهة والقيام بالأعمال حتى كان إهمام الأعمال وتكاثفها، وجر ذلك إلى المشقة على الشاكين والمتظلمين وغيرهم، مما أدى إلى عموم الاستياء والتبرم، كان من الجيش والعلماء وأهل الحل والعقد تقديم طلب إلى جلالته بتنازله لنا عن الخلافة، فكان منه التنازل، وبعده كانت البيعة من العموم. وقد آثرنا إجابة رغبة الجميع في القيام بالأعمال حفظا للبلاد من التدخل الأجنبي وغيره، وخشية من التفرقة وسفك الدماء ونشوب الفوضى. وقد عاهدناهم وعاهدونا على العمل بكتاب الله وسنة رسوله وإقامة الشريعة ونشر العدل وإصلاح البلاد والنظر في استغلال المعادن، وإحياء المعارف والزراعة وكل مرافق الحياة وخيراتها بكل ما هو ممكن بعون الله سبحانه.

وإننا نلزم العموم بلزوم السكينة والمحافظة على الأمن، وليحذر الجميع المخالفة، والله عون الجميع وهو الموفق إلى أحسن سبيل».

لماذا فشل الانقلاب؟

عدّد أحمد السقاف في كتابه الروايات المختلفة التي أدت إلى فشل الانقلاب، ومنها استمالة الإمام بعض الضباط ممن كانوا يحاصرون قصره (ص 34)، وأخرى عن خروجه من القصر ممتطيا صهوة جواده شاهرا سيفه مخترقا صفوف الجنود، الأمر الذي أوقع الرعب في قلوبهم.

وفي رواية ثالثة يقبلها العقل ويرتضيها المنطق أن الرسل الذين طاروا من تعز إلى الحديدة وعلى رأسهم الزعيم المشهور أحمد محمد نعمان لتهدئة البدر وحثه على مبايعة عمه عبدالله عقب التنازل قد اتفقوا هناك على إنقاذ الإمام أحمد والعمل يدا واحدة مع البدر، فكان أن توجه البدر والنعمان إلى (حجة) وهي معقل مهم من معاقل القوة في اليمن. (34 - 35).

وقد أكسب السبب الذي اتخذه الجيش ذريعة للانقلاب الإمام شعبية، وأظهره في نظر أهالي تعز بمظهر الملك الشعبي العادل (ص 35)، وهناك سبب آخر لفشل الحركة- والكلام للأستاذ أحمد السقاف- هو بقاء الإمام محاصرا في القصر بضعة أيام، مما شجع القبائل المجاورة لتعز على نصرته والانتقام من الجيش المتمرد. والذي أعتقده أن هذه أسباب كلها قد تضافرت مجتمعة ضد الانقلاب وتآزرت لنصرة الإمام أحمد (ص 35).

فعندما طال الحصار على قصر الإمام، وزحف بعض القبائل من أطراف تعز ومحاصرتها للجيش، أشعل الإمام أحمد النيران على سطح قصره (التناصير)، وتجاوبت معه أكثر البيوت في تعز وضواحيها بإشعال النيران أيضا (ص 37) ليكون ذلك آخر مسمار يدق في نعش الانقلاب، فلم تبلغ الساعة الرابعة من فجر يوم الثلاثاء 5 أبريل حتى كانت مقاومة الثائرين قد تلاشت تماما.

لقد نفذ الإمام أحمد مجزرة مريعة في عدد من المشاركين في الانقلاب، على رأسهم البطل العقيد الثلايا، الذي ذهب ضحية تنازع سيوف الإسلام على حكم اليمن (أحمد السقاف).

وممن طالهم سيف الجلاد: الضابط عبدالرحمن الباكري، الضابط محسن الصعر، الضابط محمد ناصر الجذري، قاضي تعز يحيى السياغي، السكرتير الخاص لسيف الإسلام عبدالله (علي حمود السمة)، قائد حرس سيف الإسلام عبدالله الشيخ علي حسن المطري، شيخ الغول عبدالرحمن الغولي، الضابط حسين الجنابي، القاضي حمود السياغي، القاضي الدفعي. (ص 39) كوجبة أولى، كما أمر الإمام بنقل أخويه عبدالله والعباس إلى (حجة)، حيث نفذ فيهما الإعدام بضرب عنقيهما بالسيف. (ص 40).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى