الزريقة بوابة الحجرية .. من يحن عليها.. ويجبر عثراتها؟؟

> «الأيام» محمد العزعزي :

>
حاجز مائي
حاجز مائي
كانت الزريقة بالمقاطرة بلحج منطقة حدودية بين شطري اليمن (سابقاً) تحظى بنصيب وافر من الأهمية لموقعها الاستراتيجي المميز كونها البوابة الجنوبية لأهم القضوات اليمنية الشهيرة بالحجرية وأكبرها اتساعاً وأكثرها عدداً وقد كانت تسمى بوابة الخير والأمان كونها منفذاً لمرور التجارة بين شمال وجنوب الوطن.

وفقدت جزءًا من أهميتها إبان بزوغ الوحدة، فتخلت مجبرة عن استراتيجيتها الاقتصادية بعد أن كانت تدر على أبنائها الخير الوفير.

الإنسان في هذه العزلة المنسية من الوطن الجرح النازف لم يضمد أحد جراحه فأصبح يعاني الأمرين جراء الإهمال الرسمي، وعدم الاكتراث لها، وباتت نسياً منسياً بعد أن كانت بالغة الأهمية، وتحظى بود كافة الأطراف.

إن تاريخها النضالي عبر الأزمنة يشهد لها بالعديد من المناقب، والمآثر البطولية الرائعة، فمنها عبر المناضلون للنجاة من المشانق، وآخرون نزحوا بحثاً عن لقمة عيش كريمة في الحالمة عدن التي كانت الحضن الدافئ والمضيافة لكل من أتاها ملتحئاً أو عابر سبيل.

هذه القلعة الصامدة الصامتة تستصرخ عبر «الأيام» الجهات الرسمية وتهيب بهم للنزول الميداني لمعرفة حجم النكبة والمعاناة والإقصاء لمعالجة هذه الظواهر المرعبة التي تكاد أن تقضي على ما تبقى من الأمل.. فهل يسمعون؟!

جغرافية المكان

التضاريس: تعتبر منطقة حَنّو محمية طبيعية معزولة ذات هضاب واسعة وجبال عالية مقطعة الأوصال بأخاديد وأودية انكسارية قديمة وعميقة كوادي صيفان دائم الجريان ووادي حنّو الأعلى والأسفل وجبال قحاف والمذين وتمتد إلى قور والزعازع، كما تنتشر الإكام والضياح واستطاع الزريقي بجهوده الذاتية استغلال وعورة المكان فأقام المدرجات الزراعية واستفاد من الأحجار الملونة في بناء المساكن. هذه المنطقة غنية بالمعادن ولم تستغل بعد كالنحاس والحديد والجرانيت والرخام والجير والأماكن السياحية النادرة.

أهم القرى: الطور، الزراع، الأدغم، هجيو، الجاهلية، المسيار، النبقة، القرماد، تماقر، وقحفة حنو ذات الهضبة الواسعة والمنازل المشتتة التي تبعد عن التربة بتعز 40 كم جنوباً.

المناخ: معتدل صيفاً في المرتفعات وحار في الأودية كالشرق، النجلة، والأمطار موسمية وتنخفض شتاءً وتذهب المياه هدراً إلى خبت الرجاع وخليج عدن.

التربة والنبات: متنوعة ويزداد الغطاء النباتي صيفاً بالحشائش القصيرة والأشجار الشوكية والشجيرات المتنوعة وما تزال بعض الأودية غير آهلة بالسكان خصصت للرعي كوادي القهنان والمذنب والشارين وتنمو أشجار النخيل بكثرة، كما تعاني التربة الإنهاك والغسل وخط الانجراف وناشد الأهالي الحكومة عمل مصدات وقنوات في الأودية وإعادة بناء المدرجات الجبلية وإنشاء السدود والحواجز المائية.

الديموغرافيا:

قال الأخ حمود محمد عبده:«يبلغ عدد سكان زريقة اليمن أكثر من 23 ألف نسمة وفي منطقة حنو قرابة 2500 وهي منطقة طاردة لانعدام فرص العمل ويمارسون حرف الزراعة والرعي وتربية النحل ومهنا يدوية مختلفة والغالبية تحت خط الفقر، والنمو السكاني مرتفع والموارد محدودة والبطالة سافرة.التعليم: قال خالد محمد حسن، مدير مدرسة حنو الأساسية:«عدد الطلبة بهذه المدرسة أكثر من 300 منهم 100طالبة وعدد المعلمين (10) وتعاني العجز وانعدام الوسائل والمعامل وتحرم البنات من مواصلة التعليم الثانوي وتضطر بعض الأسر للهجرة إلى المدن لتدريس أبنائها، كما أنها تعاني عجزاً بالقاعات الدراسية وبنى الأهالي 3 فصول على نفقتهم الخاصة». وتابع النائب عبدالله المقطري: «تم بناء 3 فصول جديدة وسور وترميم القديم منها، ويدرس الأطفال في خيمة لنقص الفصول ويتعرضون للأمراض شتاءً»، وأردف قائلاً:«هذا العام تم تسجيل 7 فتيات لإتمام المرحلة الأساسية وأتمنى إعادة التغذية المدرسية التي كان معمولاً بها من قبل لتشجيع الفتاة والترغيب في مواصلة التعليم» وناشد المواطنون الأخ وزير التربية والتعليم سرعة توجيهه لبناء مدرسة ثانوية ورفدها بكادر مؤهل حتى لا يستمر تسرب الطلبة وحرمان الفتيات من حق التعليم، لكي لا تزيد نسبة الأمية، والنظر بعين المسؤولية لهذه المناطق النائية التي ما تزال هامشية ومحرومة.

الطرق:

قال المواطن يوسف عبدالله مُضْلع لـ«الأيام»:«بدأ شق طرق الزريقة فترة الشهيد امحمدي بتوفيره وحدة الشق وأشرف عليها المرحومون أحمد سلام وعبدالرحمن الصريمي وسعيد السلامي والشيخ عبدالولي الشرجبي وأفراد من حرس الحدود.

اليوم هذه الطرق أترية وشديدة الوعورة واختفت المعدات»، كما أضاف الأخ عبدالله علي هادي قائلاً:«وعورة الطرق إلى أي مكان كان تعد بؤرة للتخلف الاجتماعي العام باعتبارها السبيل للتواصل الحضاري بين الأمم وطرقنا ليس لها مثيل ولا تصلح لشيء وتعد بحق العائق المسبب لكل الآفات» وزاد بقوله: «تقع مسؤولية العزلة والانعزال على وزارة النقل ولابد من إعادة النظر في إحداث حركة نوعية ومبادرة فورية في شقها لغرض التواصل والتلاقي والتلاقح الثقافي والفكري لكسر العزلة والتخلف المفروضين على هذه المنطقة وأبنائها فإصلاح الطريق يعني بداية الحياة». إلى ذلك قال بجاش شمسان ثابت:«تحتاج هذه المنطقة مد شبكة خطوط الهاتف كوسيلة للتواصل ومد جسور التطور الكفيل بإلغاء حاجز التخلف الرهيب المفروض قسراً على أهلنا الطيبين».

الصحة:

أحمد محمد عثمان قال:«الزريقة منطقة منكوبة بالوباء والعديد من الأمراض وحرمت من أبسط الرعاية الصحية، والمياه غير النظيفة أحد الأسباب الرئيسة لانتشار الأمراض إلى جانب غياب الدواء والأطباء، وعند إسعاف المريض إلى التربة يصل في الوقت الضائع بعد أن تتمكن الأدواء من نخر الأجساد»، وفي هذا الصدد قال الشيخ عمر بختان:«تتحمل كافة المسؤولية الجهات ذات العلاقة كوزارة الصحة والمياه والمجلس المحلي النتيجة برمتها كون هذا التقاعس والإهمال وعدم الاهتمام بصحة المواطنين أودى بحياة العديد منهم». وأضاف قائلاً:«الوحدة الصحية في حنو سعى لإيجادها نائب الدائرة (71) ومؤسف أن مكتب الصحة لم يقدم حبة دواء ولم يزودها بطبيب فوجودها كعدمها وتنتشر كل الأمراض والآفات بين الناس ولا حياة لمن تنادي فمتى يتوفر الماء والدواء والطب الأمين ليعيش الإنسان بسلام؟!».

المياه:

يعتمد الناس على المياه المكشوفة من الغيول والآبار وتنقل فوق رؤوس النساء والأطفال وعلى ظهور الحمير. وأفاد «الأيام» عبدالله علي هادي بقوله:«أهدت منظمة إفريقيا (70) خمس مضخات يدوية للمنطقة ما تزال بعضها عاملة وأخرى تالفة، فهل تقدم الدولة مضخات آلية وشبكة مياه للمنازل رحمة بالناس المحرومين من شربة ماء نظيفة.. نأمل ذلك»، وأردف بالقول:«محلي المقاطرة مازال خارج نطاق التغطية فلم يقدم شيئاً».

الإنارة:

عبدالله علي عثمان (جامعي من دون عمل)، قال لـ«الأيام»:«في عصر السباق على تعميم الطاقة النووية السلمية تعيش حنو بالزريقة أزهى عصور الظلام الحجرية ويكون (القمقام) السراج المدخن الذي يصدر ثاني أكسيد الكربون، وقد أدى هذا المستخدم كضوء بديل عن الكهرباء إلى ظهور العديد من المآسي المؤدية للوفيات بين الأطفال الرضع..» متسائلاً:«متى يحس الإنسان أنه إنسان في عصر الضوء ويحظى بالحصول على الإنارة حتى يتمكن من العيش بكرامة فيشعر أنه ينتمي للقرن الواحد والعشرين».

وتمنى الأهالي على وزارة الكهرباء كون ذلك من مهامها وصلب اختصاصها التوجيه بضرورة ربط التيار الكهربي، وإيصاله إلى ريف الزريقة لتساهم في فك الحصار الحجري الدامس والجاثم على صدور ونفوس إخواننا الذين لايستحقون منا كل تلك المآسي باعتبارهم رواد الخير وعشاق العطاء واليد الحانية في عموم البلاد.. فهل آن ذلك؟!

الضمان كما نريده أن يكون:

الملاحظ أن أبناء الزريقة لم يستفيدوا من شبكة الضمان الاجتماعي للتخفيف من الفقر ولم يستفد من ذلك سوى أقل القليل، ولكون الأغلبية فقراء وأحراراً فإنهم يأنفون مد يد التسول للآخرين حتى وإن كانت الدولة، والمطلوب من القائمين على هذه الشبكة معاملة هؤلاء معاملة خاصة ومنحهم هذا الاستحقاق المفروض على الدولة فرضاً في ظل تردي المعيشة واحتدام موجة الغلاء الذي أرهق العباد والبلاد.

إن الفقر والحرمان يكاد أن يسحق قرى بمن فيها ونشر فيروس المجاعة إلى كل بيت فمراعاة هذه الشريحة بعيداً عن الاستجداء المرفوض بما يمكن هؤلاء أخذ حقوقهم دون أن يشعروا بذل السؤال الذي يرفضه الزريقي في أبجديته فهو ذو أنفة وترفع حتى وإن كان المعطي مفروضاً عليه ممثلاً بالدولة.

شاهدنا :

في قرية تماقر المعلقة بين السماء والأرض زارت «الأيام» رجلا يدعى محمد شعلان هزاع (75) عاماً فقال:«أمضيت عمري فقيها أعلم الأطفال القرآن الكريم وقبل عامين كسرت ساقي أثناء حفر بئر لإنقاذ الناس، لكن الإصابة منعتني من الحركة فلزمت فراش اليأس وبمناسبة زيارة «الأيام» إلى هنا أناشد الخيرين بعلاجي بعد أن خسرت على العملية في مستشفى خليفة 50 ألف ريال، وأضعاف قيمة أدوية دون جدوى ولم يبق ما أبيعه».عبدالواحد ثابت محمد (تربوي) قال: «لإصلاح الطريق فرضوا على الأهالي المساهمة المجتمعية 54 ألف حجر للرصف فبادرنا بعمل تعاوني ويوم 2008/10/13م فقدت أصبعين (بترتا) فأسعفت أثناء العمل التعاوني الذي مازال مستمراً ولم نتراجع لتحقيق هذا الحلم بعد أن فقدنا أشلاءنا، كما نشكر النائب المقطري لسعيه في فك الحصار ومتابعة الصندوق الاجتماعي الذي اعتمد للشق 220 ألف دولار».

طالب الثانوية العامة فرسان عبده محمد، قال:«أدرس بمدرسة الشهيد الدرة التي تبعد 6 ساعات سيراً على الأقدام ذهاباً وإياباً يرافقني عشرة زملاء وطالبة واحدة، فمتى تفتح وزارة التربية مدرسة ثانوية؟!». الطالبة الوحيدة بالثانوية العامة من منطقة حنو دليل الصمود ورمز الكبرياء في زمن الإهمال والصمت.

في الطريق شاهدت «الأيام» طفلة ترعى الغنم تركت المدرسة وأمنيها أن تعود لقاعة الدرس...قرى بائسة حرمت من كل شيء وتحتاج إلى كل شيء.. ماتزال كما هي منذ الخليقة لم يمسها أنسي ولاجان وسكان بقلوب من ذهب وشموخ لا يوصف وكبرياء بأمل حتى النجوم.

مضخة يدوية
مضخة يدوية
شكراً للنائب:

لقد حملني الناس أمانة تقديم باقات التحايا وأكاليل الاحترام لعضو مجلس النواب الأستاذ عبدالله محمد صالح، الذي ما انفك يسعى في تقديم الخدمات الضرورية التي تحققت على يديه في أرضية الواقع المعيش والبعض منها مازال ضمن جدول أعماله الحافل بالعديد من الخطط التنموية للنهوض بهذه المناطق وسعيه الدائم للمطالبة لدى جهات الاختصاص بتنفيذها كونه الوسيط الثقة مابين المواطن والدولة فله المزيد من الشكر والتقدير على جهوده رغم العقبات التي اعترضت مساره الزاخر صدقا ووفاء في تحقيق كل ما تصبو إليه هذه المنطقة بعد الحرمان الطويل، ونشد على يديه القابضة على الجمر.. وإنا لمنتظرون المزيد.

استغراب:

استغرب الأهالي أن البعض ممن ينتمون إلى هذه المنطقة وتربوا في أحضانها الدافئة يتنكرون لهذه الأم الرؤوم التي لا تستحق إلا الاقتراب إليها وتحسس كافة هموماتها التي ما أكثرها وتمنوها من هؤلاء مراجعة الضمير وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟

إلى هشام وتمام:

عبدالله علي الزريقي قال:«هذه الصحيفة هي الأولى التي وصلت إلى المناطق المعزولة عن العالم في يمننا الحبيب، فأنا وكل الناس نتقدم بالشكر والامتنان إلى الناشرين هشام وتمام فأنتما كالنخيل ترمى بالأحجار فتسقط أطيب الثمر أما تهديد الأقزام، فهي خطة حقيرة لن تخيفكما فأنتم بهذه «الأيام» الرائدة التي كشفت بجلاء على امتداد خارطة الوطن معاناة شعب بأكمله فلا غرابة أن يطلق (الشقاة) بالوكالة تلك الألفاظ النابية التي تدل على قلة عقل وذوق، ونشد على أيديكما ونبارك تألق هذه الصحيفة الوطنية، فلا تراجع ولا استسلام ولا تفاوض، فسيروا وعين الله ترعاكم وتبقى «الأيام» لامعة بحروف من الضوء فهل يرعوون عن غي رسائل التهديد ويرجعون إلى الصواب؟؟ هذا ما نتمنى».

أما بعد:

للخروج من المأزق في هذه المنطقة المنكوبة يتوجب على السلطة المحلية وبالأخص محافظ المحافظة القيام بالتنسيق مع قيادات الوزارات الخدمية بوضع خطة متكاملة يشترك فيها محلي المقاطرة الذي غيب دوره لاعتماد المشاريع الضرورية وأهمها توفير المياه والمستشفى والكهرباء والهاتف والطرق.. وتوظيف العاطلين عن العمل حتى لاينخرطوا في دوامة ما نحن في غنى عنه، ويكون الرد السلبي سبباً في ترعرع وتنشئة أجيال تسير بلا هدف، فعلى الدولة إعادة البرمجة والقضاء على البطالة وأساليب التخلف.

فهذه تعد من أولويات المطالبة الشعبية بتسريع تحقيقها وما أكثر الباحثين عن العمل والخدمات، ولكن لا حياة لمن تنادي، فيكون الإحباط واليأس هو الملجأ لمن لا يجد العون من الدولة!!

فمن ينقذ هؤلاء يا هؤلاء؟؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى