قصة قصيرة .. ذات الثوب الأزرق

> «الأيام» علي الجبولي:

> برد قارس يخز جسده النحيل، حاول اتقاءه بلحاف ممزق دون جدوى. الليل يودع هزيع منتصفه الأول، والظلام يمزقه رعد وبرق وأمطار خريفية، تسح على البلدة نقرات متسارعة تقرع باب شقته. رفع اللحاف، أنصت للقرعات تصطك بالباب. موقف لم يحدث له منذ تعين طبيبا جديدا لمستشفى البلدة النائية قبل تسعة أشهر.

تسارعت القرعات، جلس وسط السرير، واعترته قشعريرة رعب بددت برده.

- ربما ريح تهز الباب. أيعقل أن يكون الطارق إنسانا في هذه الساعة المتأخرة من الليل؟!. كيف وصل وسط هذه الظلمة والمطر والبرد اللاسع؟!.

تناول مصباحا يدويا، ورد بارتباك:

- من الطارق؟. حاضر سأفتح.

تقدم نحو الباب، وبتوجس وارتعاد فتح الباب.

- من أنت؟ وماذا تريدين؟.

- أرجوك يادكتور أنقذ أمي، فاجأتها أزمة قلبية، تركتها في المنزل تصارع الموت!.

سكن روعه، سلط المصباح نحوها، رأى بياض وجهها كأنه قطعة ثلج سقطت مع المطر للتو.

- يا إلهي هذا جمال إنسان!.

جرفه الذهول حينما فاق استل الضوء المسقط على وجهها.

- ادخلي من المطر ريثما أرتدي ملابسي وأحضر العلاجات.

جلست على المقعد بجواره. قاد السيارة بصعوبة بالغة، وراسه يكتظ بألف سؤال وتكهن. أمام دار عتيق في أقصى البلدة طلبت منه أن يتوقف.

حينما ترجلت كشف ضوء السيارة جسدها الرقيق، كأنه قضيب وحزمة شعر فاحم يعبر خلفه إلى أسفل وركها. صعقه جمال باهر فشل في ستره ثوب أزرق شفاف.

المطر لايكف عن الانهمار. فتحت باب الدار، دعته للنزول.

تبعها إلى إحدى حجرات الدار، تتمدد بوسطها امرأة أربعينية تصارع غيبوبة.

اقترب منها، أزاح الدثار عن جسدها البارد. حينما استطاع إفاقتها بصعوبة غرست عينيها في عينيه بدهشة:

- من أنت؟ وماذا تفعل هنا؟!.

- اهدئي.. أنا الطبيب، أتيت لمعالجتك.

- ومن أتى بك؟.

- ابنتك جاءت إلى منزلي وسط هذا المطر والظلام لإنقاذ حياتك.

- ابنتي!. من هي ابنتي؟!. ليس لدي بنات.. أنا لم أنجب، ولم أتزوج!.

- هذه الفتاة التي أحضرتني..

جال بنظره في الحجرة يمينا ويسارا يبحث عنها دون أن يجد لها أثرا.

- يا إلهي ماذا يحدث؟!. هل المريضة تهذي أم أنا؟. أين الفتاة التي كانت هنا بجواري؟!.

عادت القشعريرة تهز جسده بعنف. أرسل نظره مرة أخرى يبحث عنها برعب وحسرة، وحينما يئس لاذ بصمت كئيب.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى