قراءة نقدية في ديوان (الجبر بيته على الدنيا) للشاعر ناصر عمورة

> «الأيام» صالح عقيل سالم:

> للشاعر (فصيح أو عامي) ملكة فنية في قول الشعر، فتعجب- أحيانا- كيف استطاع أن يوفق في اختيار اللغة والصورة والموسيقى، وكيف استطاع أن يؤثر فينا فيدخل في عواطفنا دون استئذان أو رغبة، كما أن معانيه تأتي مستقاة من بيئته التي يعيش فيها خالية من التكلف، قريبة إليه، معبرة عن صدق التجربة والوجدان.

وتتميز منطقة يرامس عن غيرها من مناطق محافظة أبين بكثرة الشعراء الفحول، وربما أن طبيعتها الخضراء- سابقا- ساعدت على نبوغ هؤلاء الشعراء، إذ إن بعضهم توفي ولم يجمع له، والبعض الآخر وصلتنا بعض أشعارهم.

والمرحوم ناصر عمورة أحد شعرائها المجيدين في شعر (الغناء)، وقد جاء شعره معبرا عن بيئته التي عاش فيها، فإذا نظرنا إلى لغة الشعر عنده فهي منتزعة من هذه البيئة، إذ يقول:

حبيبي عاد لي بالود

ونا والله بارده

وعدني بايجي البارح

وجاني صدق في وعده

بدا يمشي ويتمخطر

قريب العصر بالبرده

محنى لابس الأخضر

وذاك الورد في خده

حاول الشاعر أن يوظف لغته من بيئته المعاشة، فالمفردات (البارح، البرده، الأخضر، محنى) وكذا التركيب (يتمخطر) من المفردات الشائعة في منطقة يرامس، كما أن لمفردة (البرده) دلالات معبرة عن وقت الراحة والسمر، وقد وفق الشاعر في توظيفها، إذ كانت مفردة محورية، بنى عليها تجربته، ولو استخدم مفردة غيرها (فصحى أو عامية) فلن تصل إلى تلك الدلالة التي أعطت النص رونقا بديعا معبرا عن شخصية الشاعر وبيئته، كذلك أهل الريف يميلون إلى اللون الأخضر لدلالته على الزرع وحبهم له، كما أن مفردة (محنى) تدل على المرأة الريفية. فالشاعر ربما لايبحث عن بيئته، يبحث عن شيء آخر، غير أن لغته- دون قصد- كشفت لنا مناخه، وفي ذلك يؤكد عفوية التجربة وآفاقها البعيدة لدى المتلقي. يقول عمورة:

كم ناس راحوا من الدنيا

ما قط حد شل في يده

طرح ضماره ومحصوله

ينعم به الغير من بعده

واللي عمل خير في الدنيا

لابد في الآخرة يلقاه

الجبر بيته على الدنيا

وان مت نا جبركم ما باه

ابتدأت القصيدة بـ(كم) التي تفيد (الخبر) ولاتفيد الاستفهام كما ذكر في مقدمة الديوان (ص11)، وهي تدل على الكثرة، واللافت في هذا النص توظيف الصورة الفنية (طرح ضماره ومحصوله) فالصورة منتزعة من البيئة الريفية، فقد شبه الحبيبة بالضمار والمحصول، ولولا الإيضاح في العجز (ينعم به الغير من بعده) لجاءت الصورة مكتملة الحسن والبهاء. يقول عمورة:

با يرامس أنا والله ولابا سواها

شوفها خير من صنعاء وبندر عدن

حيث ما رحت أو حليت أذكر سلاها

مسقط الرأس هي لا مت آخر وطن

كثيرا ما يحن الشعراء إلى ديارهم التي عاشوا فيها وفارقوها لظروف خاصة أو عامة، وعمورة من هؤلاء الشعراء، إذ تراه يحن بنفس تواقة وقلب صادق إلى تلك الديار، لذلك جاء حرف (السين) يحمل دلالة حب الشاعر لموطنه (يرامس)، فتكرار (السين) في كثير من المفردات (سواها، سلاها، مسقط الرأس) يوحي بحضور بلدته في مخيلته، علاوة على أن الشاعر أطلق العنان للقافية في صدر الأبيات (سواها، سلاها)، وقيدها في عجز الأبيات (عدن، وطن)، وهذه من المفارقات المحمودة عند كثير من النقاد، إذ تولد عنصر الدراما في النص، وتدل على رسم الصورة على الوجه المعبر.

وبذلك نرى أن الشاعر قد وفق في اختيار لغة شعرية وصورة فنية وموسيقى دالة على تجربته وإيصالها إلى المتلقي بروح عذبة ومؤثرة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى