رجال في ذاكرة التاريخ

> «الأيام» نجيب محمد يابلي:

> 1- محمد عمر إسكندر..الميلاد والنشأة.. الفقيد محمد عمر حسن إسكندر من مواليد بلدة الوهط في السلطنة اللحجية عام 1936. نشأ وتلقى دروسه الأولى في القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة في بلدته الوهط، وتلقى بعد ذلك تعليمه الابتدائي في المدرسة المحسنية العريقة في الحوطة حاضرة السلطنة اللحجية، وأكمل تعليمه فيها عام 1951.

عمل محمد عمر إسكندر في سلك التدريس لفترة تقدر بثلاث سنوات، وطرق بعد ذلك باب الاتحاد اليمني في القاهرة عام 1954، وحصل على منحة دراسية هناك، وكانت منطقة الوهط آنذاك تتمتع بحضور طلابي أكبر مقارنة بأي منطقة أخرى من مناطق لحج، لتنوع الفرص المتاحة لأبنائها للدراسة في مصر على وجه الخصوص، فمنهم فاز بمنحة من السلطنة (لاسيما في ظل راعي نهضة لحج السلطان علي عبدالكريم فضل، متعه الله بالصحة وأطال عمره)، ومنهم من سافر للدراسة على نفقة أهله، ومنهم من فاز بمنح من الحكومة المصرية بواسطة منظمات أو أحزاب، خذ على سبيل المثال الاتحاد اليمني ورابطة أبناء الجنوب وغيرهما، ومن أبرز الطلاب الذين زاملوا محمد عمر إسكندر من أبناء الوهط عمر الجاوي- رحمه الله- وأبوبكر السقاف- متعه الله بالصحة- وآخرون.

إسكندر أول رئيس للطلاب اليمنيين في القاهرة

ورد في عرض سيرة الفقيد محمد عمر إسكندر المقدمة من اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، التي نشرتها لسان حالهم «الحكمة» في العدد 163 أغسطس 1989 ص 112 أن «الفقيد اشترك في كل أنشطة الطلاب منذ البداية، وقد تم انتخابه- استنادا لنفس المصدر- أول رئيس لرابطة الطلاب عام 1956، وكان ضمن طلاب الرابطة عمر الجاوي وأبوبكر السقاف، وكان الفقيد محمد عمر إسكندر أحد أعضاء اللجنة التنفيذية للمؤتمر العام الأول الذي عقد في نادي الطلبة الفلسطينيين».

إسكندر في صفوف المقاومة الشعبية في وجه العدوان الثلاثي

أبلغت الولايات المتحدة الأمريكية الحكومة المصرية رسميا يوم 19 يوليو 1956 بأنها سحبت عرضها بتقديم المساعدة لبناء السد العالي في أسوان، وقوضت بذلك فرصة الحصول على قرض من البنك الدولي للإنشاء والتعمير، وبعد أسبوع من ذلك التاريخ أقدمت مصر على تأميم قناة السويس.

اتفقت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل سرا على غزو مصر يوم 24 أكتوبر 1956، وفي 29-30 أكتوبر قامت بغزو سيناء، وفي السادسة من مساء 30 أكتوبر وجهت بريطانيا وفرنسا إنذارا مدته 24 ساعة لمصر وإسرائيل بوقف القتال، وافقت إسرائيل على وقف إطلاق النار، لأنها كانت قد تغلغلت في أراضي مصر، التي رفضت وقف إطلاق النار، وصار العدوان على مصر ثلاثيا (بريطانيا وفرنسا وإسرائيل).

شاركت إلى جانب قوات الجيش المصري مقاومة شعبية، شارك فيها بفعالية الفقيد محمد عمر إسكندر، وكان مسرح عملياتها مدينة بورسعيد التي شهدت عملية إنزال بريطانية وفرنسية، ولعبت المقاومة دورا وطنيا وقوميا في الدفاع عن الكرامة.

إسكندر في صفوف اليسار المصري

في إفادة للدكتور أبوبكر السقاف قال: «خالد فضل منصور وطاهر أحمد رجب وعبدالغني علي (كان الأخير أول وزير للخزانة بعد ثورة 26 سبتمبر 1962) مثلوا الرعيل الأول من الطلاب اليمنيين في صفوف اليسار المصري». راجع حلقة (رجال الذاكرة - خالد فضل منصور 20 يناير 2008).

وفي حديث للدكتور أحمد القصير ألقاه في منتدى الجاوي في صنعاء (راجع الزميلة «التجمع» العدد (610) 14 يناير 2008) جاء أن «الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني (حدتو) تأسست في مصر في الخمسينات من القرن الماضي». ويفيد الدكتور القصير أن «الثقافة الوطنية التي تأسست في مصر في الخمسينات من القرن الماضي كانت من إبداع شخصيات كان معظمها في قيادات (حدتو) منهم: عبدالرحمن الشرقاوي وكمال عبدالحليم وعبدالرحمن الخميسي».

نشط محمد عمر إسكندر في صفوف (حدتو) من ناحية، وقاد المواجهات والاعتصامات ضد سفارة الإمام في مصر من ناحية أخرى، وصار غير مرغوب فيه لدى المخابرات المصرية ونظام الإمام، وتعرض للتعذيب في زنازين المخابرات المصرية، وعكس ذلك ظلاله القاتمة على صحته البدنية والنفسية، دفع ثمنها لاحقا.

الزبيري والنعمان يطالبان بعودة إسكندر

بناءً على طلب نظام الإمام، قامت السلطات المصرية بطرد محمد عمر إسكندر من القاهرة عام 1957، فشهدت القاهرة أكبر اعتصام طلابي في وجه الإمامة، واتخذ الاتحاد اليمني ممثلا في القامتين الكبيرتين محمد محمود الزبيري وأحمد محمد نعمان موقفا كبيرا، مطالبين بعودته إلى مصر.

إسكندر يناضل في ثلاث جبهات

حصل محمد عمر حسن إسكندر على منحة للدارسة الجامعية في جمهورية ألمانيا الديمقراطية (GDR)، وتم قبوله في كلية الطب بعد إكمال دورة لدراسة اللغة الألمانية والفترة التحضيرية، وتجاوزت فترة دراسته السنوات المقررة، لأنه قبع لسنوات مرقدا في المستشفيات، حيث خضع لعلاج وعمليات جراحية دقيقة، والدليل على ذلك أنه كان مرقدا في حجرة زجاجية، وبالمختصر المفيد فإن أجهزة المخابرات العربية أكثر انحطاطا وخسة بالمقارنة مع مثيلاتها الأجنبية، وإلا كيف يفسر المرء سوء حالة الرجل بدنيا ونفسيا طيلة 32 عاما؟!!.

ظل محمد عمر إسكندر في موقعه القيادي في الحركة الطلابية في ألمانيا الديمقراطية، إلا أن حالته الصحية حالت دون إكماله دراسة الطب خلال فترة الستينات من القرن الماضي.

إسكندر بين الخارجية ومستشفى الوهط

عاد محمد عمر إسكندر إلى الوطن، وعمل في عدن ضمن كوادر وزارة الخارجية في السبعينات من القرن الماضي، ولفترة قصيرة ونتيجة لظروف خاصة وصعبة انتقل إلى الوهط للإقامة فيها والعمل في مستشفاها الذي أنشأته حكومة دولة الكويت الشقيقة هدية لحكومة وشعب اليمن الديمقراطية، ضمن مشاريع عديدة، وبدت البصمات البارزة والحانية للسيد والأستاذ الكبير أحمد محمد السقاف الرجل الأول في هيئة تنمية وتطوير الجنوب والخليج.

انطوى محمد عمر إسكندر على نفسه، وظل على ذلك الحال حتى وفاته في 27 أغسطس 1989، عن عمر ناهز الثالثة والخمسين عاما، مخلفا وراءه سجلا ناصعا من الأعمال الوطنية والقومية، كساه الغبار، ولم يجد من يزيل عنه ذلك الغبار، ويعيد نشره من باب الوفاء، كما خلف رحمه الله ثلاث بنات معتزات بسجل والدهن الوطني والقومي المشرف.

2- علي عبدالله البيتي

الميلاد والنشأة

علي عبدالله البيتي- رحمه الله- من مواليد قرية (محمدة) بمديرية حجر بسلطنة حضرموت القعيطية في العام 1951، أكمل دراسته الابتدائية بمدرسة قرية محمدة عام 1962.

وعن مدرسة القرية كتب الفقيد البيتي: «تأسست مدرسة قريتنا (محمدة)، إحدى قرى مديرية حجر، في عام 1944، وتم بناؤها كمدرسة حديثة من أربع قاعات وملحقاتها، واستمرت في تخريج دفعات متلاحقة من التلاميذ منذ ذلك الوقت». (علي عبدالله البيتي: شذى من الماضي ص13).

من متوسطة الغيل إلى ثانوية السودان

أكمل الفقيد البيتي دراسته المتوسطة في (وسطى غيل باوزير) العريقة والعطرة الذكر عام 1967، وشد الرحال بعد ذلك إلى السودان ليتلقي دراسته الثانوية هناك، وكان عام تخرجه 1970، وعمل بعد ذلك.

عين الفقيد علي عبدالله البيتي مدرسا في مدينة الشحر عام 1970. وكتب البيتي أنه يكن للشحر احتراما كبيرا، لكونها أولا العاصمة التاريخية لحضرموت، كما أنها أنجبت عددا من القامات والهامات، منها محمد عبدالقادر بامطرف ومحمد عبدالقادر بافقيه وحسين أبوبكر المحضار وعبدالله عبدالكريم الملاحي (المرجع السابق - شذى من الماضي ص 56).

البيتي يحصد درجات التأهيل

كان التأهيل وحصد درجاته العلمية شغلا شاغلا للفقيد علي عبدالله البيتي، ومنها حصوله على الدبلوم الوزاري (الخاص) بتقدير عام جيد جدا من معهد التدريب أثناء الخدمة خلال العام الدراسي 1983/ 1984، وحصوله على دورة تدريبية في التخطيط التربوي والمناهج في جمهورية ألمانيا الديمقراطية (GDR)، وأنهى حصاده بحصوله على شهادة البكالوريوس (فيزياء ورياضيات) في كلية التربية في المكلا عام 1990.

البيتي رجل المسئولية والبنية التحتية

صدر كتاب (شذى الماضي) بعد وفاة الأستاذ علي عبدالله البيتي، وضم بين دفتيه مواضيع نشرتها الصحيفتان الحضرميتان «المسيلة» و«شبام»، وشغلت حيزا قدره (168) صفحة، وشغلت الصفحات المتبقية من الكتاب (حتى صفحة 224) مواضيع سطرتها أقلام شخصيات حضرمية لها حضورها العام على مستويي المحافظة والجمهورية، وهم: عوض عبدالله حاتم وعوض حسين البكري وأحمد عوض القحوم وأحمد سعيد باحبارة وسالم أحمد المنصوري ومحمد أحمد عباد ومحمد سقاف الهدار ومحمد عبدالله بن ثعلب وسعيد سالم الجريري وعبدالقادر علي باعيسى وعبدالله سعيد الحصيدي وخالد يسلم بلخشر وعبده عبدالله بن بدر وعمر عبدالله البيتي ومحمد سالم الديني وعمر عوض باني وعمر أحمد بازاهر وجمال سالم عبدون وعبدالقادر سعيد بصيعر وخالد أحمد القحوم وصالح حسين الفردي وعادل أحمد القحوم.

قدم شقيقه عمر عبدالله البيتي عرضا بانوراميا عن شقيقه الراحل علي البيتي، حيث أفاد أن شقيقه علي درس ألفية بن مالك على يد خاله عبدالله بن محمد المشهور البيتي، وتعلم القرآن على يد والده وخاله.

كما أفاد بأن شقيقه علي أكمل دراسته الثانوية في السودان عام 1970، وفي نفس العام أكمل نصف دينه بالزواج، وعين مدرسا بإعدادية الشحر ثم مدرسا بمدرسة الثورة لأبناء البدو الرحل حتى عام 1980، وفي هذا العام عين مديرا لمدرسة 30 نوفمبر بالجول - باسودان سابقا، ولم يطوَ الفصل الدراسي حتى عين مديرا لمكتب التربية والتعليم بمديرية حجر، وفي العام 1983 أنجز الفقيد علي البيتي بالتعاون مع الأهالي، المغتربون منهم خاصة، ومع المؤسسة العامة للكهرباء إدخال خدمة الكهرباء إلى قريته محمدة، ولايزال المشروع أهليا، وفي عام 1988، وأنجز الفقيد علي البيتي بالتعاون مع السلطة المحلية آنذاك برئاسة سالم عمر باهرشان إدخال خدمة المياه إلى المنازل ولايزال المشروع أهليا أيضا.

من المحطات اللاحقة في حياة الفقيد توليه رئاسة شعبة المناهج والتوجيه بمكتب تربية حضرموت في مطلع التسعينات، وعين بعد ذلك عميدا للمعهد العالي للمعلمين في المكلا حتى إحالته للتقاعد مطلع 2005.

اختتم الفقيد علي عبدالله البيتي مشواره العملي بصدور قرار وزير التربية والتعليم رقم (431) بتعيينه مستشارا لمكتب التربية والتعليم (حضرموت الساحل) في 24أبريل 2005، وظل يشغل هذا المنصب حتى وفاته في الفاتح من سبتمبر 2008.

خلف الفقيد سجلا حافلا بالمساهمات والمشاركات النوعية، منها في اتحاد الأدباء والكتاب (فرع حضرموت) وقنوات أخرى، كما خلف تسعة أولاد، الذكور منهم مروان، محمد، عبدالرحمن، حسين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى