حضرموت تحت الركام

> صالح حسين الفردي:

> لم يعد الأمر سراً علينا أن نخفيه أو حادثاً صغيراً يجب أن نتجاهله، فالأمر جلل والواقع أكثر بؤسا وقتامة من كل الرتوش التي يحاول البعض أن يضعها على الصورة العبثية أو خلفيتها الضبابية، وأكثر مرارة مما يذهب إليه البعض الآخر في التغاضي والسير في الركب، كالذي يحمل الأسفار ولم يعد يرى ما يبصره الآخرون في زوايا المكان كل المكان بمداه واتساعه الرحيب، إذ إن هناك حقائق واضحة، حضرموت تحت الركام بعد هطول الأمطار، صارت بين عشية وضحاها مطمورة بين أكوام الطين ومخلفات البناء الطيني المتهالك في كثير من قرى الوادي وبين بقايا ما سميت زوراً وبهتاناً بنية تحتية تفوق المعجزات في هوجة (180) يوماً عمل دون حسيب أو رقيب أو خطط عملية حقيقيــة تبدأ بالمهم قبل الذهاب إلى الأهم.

هي هوجة حمل الكثير مباخر النفاق فيها ليرسم أمجاداً وهمية لوجوه أثرت من خيرها ثراءً فاحشاً، غزلها بخيوط التغاضي والزيف ومداراة الحقيقة ليعلنوا لنا أن حضرموت لم تعد في حاجة إلى مشروعات بنية تحتيــة، إذ علينا أن ننتقل بها إلى مرحلة الاستثمار السياحي والصناعي (وهات يا مؤتمرات) لتأتي هذه الرحمة الربانية كاشفة للكثير من الحقائق التي يحاول ثالوث الزيف والنفــاق والوهم أن يطمسها، ولن ينجح، فلم يعد في الخـواطر مكان أو مكانــة لكل من أبقى أهلها (ماسكين القرون) ليحلب غيرها ضروعها الضاجة بالحليب المغذي.

ومن تلك الحقائق التي برزت للعيــان أن المنــاطق التي يجري تحتهـا الذهب الأســود لم يحصد أهلهـــا إلا الحصرم، لذا يقطنون المنازل الهرمة دون أن تتحسن حالتهم المعيشية، ودون أن يحصل أولادهم على فرص عمل كريمة في تلك الشركــات النفطية العملاقة، فبدت حالة البؤس والفاقة والعوز جلية لمن يضم في صدره قلباً من لحم ودم وشرايين، وكشفت هذه المأساة خيوط العنكبوت التي تتشابك بين من يقع على عاتقهم إيصال صوت الضحايا عالياً، وهم ممثلوهم في المجالس المحلية والنيابية، فبدأ الممثلون يتقنون التمثيل الهزلي دون غيره من المواقف الجادة ،ومايزال الكثير منهم يتحدث مبتسماً عن تلك الوجيعة التي أصابت أهله وناسه، وليتهم تخلوا عن السيارات الفارهة والبدلات الباذخة والأرصدة عابرة الحدود، في مثل هذه المحنة العصيبة وعادوا إلى ما كانوا عليه قبل الولوج لنفق المصلحة والتربيطات التي لم تعد خافية على غشيم.

وهــناك حقيقة ثانية عرتها تلك الرحمة الربانية تجلت في جرفها لكل المشروعــات (السفري) التي أعطيت في خفاء، والشفافية منها براء، لتجد حضرموت نفسها عارية من العلائق المبهرجة لمشروعات لاتغني ولاتحمي من سيل، ومازالت تدفع فاتورتها بعد أن خلص سيل الفساد إلى ما يرغب فيه، وذهبت الطيور بارزاقها، فمن يحاسب من؟!.

والوجيعة مستمرة من خلال الوجوه نفسها التي تسببت في كارثة البنية التحتية، إذ تعود اليوم لتضع من المبررات ما يخجل العبيط، وقد أدركت أن فرصة (الهبر) الجديدة لن يلتفت إليها أحد، فالكل منكوب ويبحث عن الخلاص ولو بشق تمرة، ولو أن هذا العبث والتدمير لمشروعات الطرقات والمياه والكهرباء الذي بلغت خسائره ملايين المليارات وضع تحت المجهر الوطني الخالص لكشف عن منظومات فساد سرت وتسري كالنار في هشيم الجسد الحضرمي، ولكن السؤال سيتكرر، من يحاسب من؟!. ومن يستطيع أن يرفع هذه الملفات في وجه المواطن مرة واحدة، خاصة المعارضة وصحفها الكثيرة ليبرئ ذمته الانتخابية قبل الجولة النيابية القادمة.

خلاصة القول، سقطت حضرموت تحت الركام، وستظل تعاني هذا السقوط، ولكنها ستنهض كالعنقاء، فمن كبد المأساة تلوح حضرموت التاريخ والأصالة والتراث.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى