قميح كرش).. وآهات التعليم في مدرسة تحولت إلى ركام من الأحجار

> «الأيام» أنيس منصور:

>
هنا ترعرعت الأجيال ومر القادة.. من هاهنا تخرجت أجيال وأجيال هم الآن في مراكز عليا في أجهزة الدولة.. ماتزال بصمات الذكريات محفورة في الصخر من مدرسة عريقة تأسست على يدي الرئيس سالم ربيع (سالمين)، وازدهرت في زمن الرئيس علي ناصر محمد، كانت من أهم وأفضل المحاضن التربوية المهمة، يأوي إليها البدو والمساكين والأيتام أخذوا من عصارتها علوما وثقافات وأدبا وأخلاقا ورياضة وسلوكا، تحت لوحة (مدرسة الشهيد عبده عبدالله قميح للبدو الرحل).. أصبحت أثرا بعد عين، لم يبق منها غير بقايا أطلال وخربشات الماضي، تحطمت شكلا ومضمونا، بكل مفرادات التحطيم.

«الأيام» نزلت بعد تظاهرات طلابية وصيحات لنقل ما آلت إليه مدرسة (الفرقان - حاليا - للتعليم الأساسي والثانوي ) و(قميح سابقا)، وبحثنا في المعاجم وقواميس اللغة عن أدق وأروع تعبير تصف الحطام الحجري والصمت السلطوي والمعاناة فلم نجد سوى الإنصات للتلاميذ والآباء يشرحون المأساة وجها لوجه.. فإلى التفاصل:

معلومات مهمة:

تتكون مدرسة قميح كرش بمحافظة لحج الواقعة على عرض الخط الإسفلتي العام (عدن - تعز) من 28 فصلا دراسيا، وأربع قاعات واسعة، ومنصة وخزانات مياه، ومخازن، وعشرات الحمامات، وملاعب رياضية لكرة الطائرة والتنس، وممر للسيارات والشاحنات، ومبان متفرقات، وأشياء كثيرة يطول استذكارها والوقوف على تفاصيل وحيثيات الهدم والدمار والخراب والإهمال وكل معاني العبث الذي تعرضت له مدرسة قميح، فلم يبق منها سوى جدران حجرية تتناثر من كل ناحية!.. فلا نوافذ ولا أبواب، حتى السطوح الإسمنتية أصبحت مفتوحة للرياح والشمس والهوام والحيوانات والحشرات الزاحفة والثعابين والوطاويط.. يعتصر قلب الإنسان قهرا وكمدا وهو يرى اتساع حجم وصور الانهيارات هنا وهناك، حتى يصل التفكير إلى عدم مصداقية ما يشاهده، تدور في خلجاته أسئلة: هل حقا هذه هي المدرسة التي كانت تضج وتعج بالعباقرة والأبطال والتي كانت تصنع رجالا من نوعية فريدة خاضوا معترك الحياة؟.. وهكذا ثمة تساؤلات: كيف وأين ولماذا وإلى متى، وماذا بعد، فكان جواب الأستاذ عريدان سعيد ملاح جاهزا للتوّ بصوت المغلوب الحزين: نعم، هذه هي (قميح) بكل تفاصيلها والسلام.

أحاديث تصف المصيبة!

عندما عرف تلاميذ مدرسة قميح بالمهمة الصحفية الاستطلاعية تجمعوا مزدحمين حول كاميرا «الأيام»، الكل يريد الحديث بكل ما في صدره عن واقع مدرستهم، لأن قلوبهم ضاقت ذرعا من هول وبشاعة المسلسل الانهياري وما تبقى من ركام وأحجار المدرسة.. فالطالب همام هادي علي مقبل أشار بأصعبه إلى بعض فصول تشققت وانهارت، وبعضها هوت أخشابها مع ظهور فتحات لدخول مياه الأمطار، فيما طلب الطالب ماهر هارون أحمد الصمة ضرورة مشاهدة منظر السقوط الخلفي للمدرسة، وقال الطالب هواش منصور سلام:«كما ترى أمامك، لا أبواب، لا نوافذ، ولا حماية للمدرسة، وفي فصل الشتاء - حاليا - تدخل الرياح الباردة مخلفة الأمراض».. واستعرض الطالب محمد سيف مقبل - بعبارات مختصرة - توقف التعليم في موسم الأمطار، وكيف تتحول الفصول إلى مستنقعات مائية، وتعرض أجزاء من أقسام المدرسة للدمار من قذائف حرب صيف 94م، وقال: «نحن ندرس على وجل وقلق، وعيوننا على شقوق وتصدعات المدرسة خشية أن تسقط فوق رؤوسنا».

ويستمر الطلاب في الحديث ويطول بطول وعرض وعدد صخور المدرسة المتساقطة، ويصفون قضيتهم الأساسية المهمة التي تصلح أن تكون رواية قصصية أدبية في كتاب تحت عنوان «التعليم في مدرسة الخوف!».

معلم ولو جبر خاطر!

قضية ثانية هي أيضا كابوس يؤرق التعليم، وهي نقص الكادر التربوي، فقد تم نقل المعلمين من المدرسة ضمن سلسلة الإجراءات الخفية والظاهرة دون إيجاد البديل أو دراية إدارة المدرسة، قال الأستاذ جميل محمد أحمد: «معلمو مواد العلوم والرياضيات واللغة الإنجليزية والاجتماعيات تم نقلهم من المدرسة وهم ذوو التخصصات للتعليم الثانوي، ونقلوهم للتدريس في التعليم الأساسي».

وقال الشيخ صالح سعيد مليط متحدثا باسم مجلس الآباء:«هناك مؤامرة يسعى عبرها البعض إلى إغلاق التعليم الثانوي وجعل المدرسة في موت سريري بمثل هكذا تعامل، ونحن نحمل المسئولية الكاملة مكتب التربية والمجلس المحلي عن أية كارثة قد تحدث للطلاب، وهم أمانة في أعناقهم، يعود الأبناء ودفاترهم فارغة لعدم وجود معلمين».. ورفع سالم سواد صالح مناشدة عاجلة للقيادة السياسية ووزير التربية بإعادة تأهيل وترميم المدرسة وتوفير طاقم المعلمين ومحاسبة من قام بسحب المعلمين واختلاق مشاكل وإرباك الأداء التعليمي.. ودعا فريد سعيد تركي في قصاصة ورقية إلى إعادة التسمية القديمة والاهتمام بالملحقيات التابعة لها.. وتفضلت معلمتان بالحديث عن صعوبة التنقل من الحوطة عاصمة المحافظة إلى كرش يوميا بسبب التكاليف الباهظة للنقل.. واكتفى مدير المدرسة عيدروس مسعدي ملبط بقوله: «نناشد المحافظ محسن النقيب ود. علي السلامي مدير تربية لحج بوضع معالجات سريعة لهذه القضايا فقط».

وداعا وفي القلب الأسى:

عجيب والله عجيب من النظرة الدونية القاصرة لهؤلاء القوم!! ونستغرب أيضا اتهامات وألفاظ بعض مسئولي التعليم الذين قالوا «إن هؤلاء الناس وهذه المناطق والمدرسة هم مجموعة من رعاة الأغنام، وأنهم مجرد مجاميع من الصبيحة يعشقون الأحجار والصحراء أكثر من القلم.. يتحدثون بأنهم ناقصون فلابد من معاقبتهم بمثل هكذا استفزازات، بل لابد من إلغائهم من خارطة التعليم».. إذا نترك التعليق للقارئ.

وفي نهاية مرصد الاستطلاع اختلطت أصوات الطلاب بالمعلمين كل يدلي بما في جعبته.

وبالمقابل لزم بعض المعلمين الصمت المستكين وفي اعتقادهم أن كتابات الصحافة لن تحرك شعرة في جسد منظومة الفساد والتجهيل والأمية الذين يرون أن نقل المعلمين من مدرسة الفرقان قميح وغض الطرف عن وضعية المدرسة نوعا من الشطارة والذكاء والفهلوة والمكايدات.. وانطلق خلالها أحد المعلمين قابضا بالجرس معلنا انتهاء فترة الاستراحة ليعود الطلاب كخلايا النحل مهرولين إلى مقاعدهم.. وينتهي المشهد الحزين عند تلاميذ الصفوف التاسع والمرحلة الثانوية واقفين في انتظار أي معلم، لكن بالعكس لا معلمين ولا يحزنون، فالسبورة أماهم سوداء صافية وصفحات الأوراق بيضاء كما هي ليس لهم سوى صفير إحدى الحشرات الزاحفة تسمى (الوزق) وعلى صوت الوزق اتعلموا!.. وعدنا من حيث أتينا.. وداعا وفي القلب الأسى.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى