رجال في ذاكرة التاريخ

> «الأيام» نجيب محمد يابلي:

> الميلاد والنشأة:تعز:جاء في الموسوعة اليمنية (الجزء الأول- ص687) أن تعز مدينة في مرتفعات اليمن الجنوبية تقع في سفح جبل صبر الذي يبلغ ارتفاعه نحو (3000) ثلاثة آلاف متر، وكانت تعز موجودة قبل وصول توران شاه الأيوبي إلى اليمن سنة (569هـ - 1173م) بدليل أن توران شاه رتب فيها أميرا ينوبه مثلما صنع في زبيد وعدن، وأن أخاه ضفتكين قد أعاد بناء حصنها واتخدت قاعدة بلاد المعافر.

وتضيف الموسوعة اليمنية عن تعز (أعد هذا الجزء د. يوسف محمد عبدالله) أن صاحب كتاب (مرآة المعتبر في فضل جبل صبر) أن تعز هي القلعة التي تسمى اليوم القاهرة، أما ماتسمى اليوم بتعز والتي يضمها السور وفيها جامع المظفر فكانت تسمى عُدَينة.

أهل تعز:

يشكل سكان تعز كثافة سكانية كبيرة، وتحتل المرتبة الأولى بين عموم المناطق، وفيهم رجل المال والأعمال والطبيب والمهندس والمقاتل والتربوي والرياضي والصناعي والإداري والسياسي والحزبي والحقوقي والخيري، وقدرهم في كل المنعطفات تقديم التضحيات والبطولات ودفع الأتاوات.

تحمل سكان تعز إبان العمل الوطني من أجل إسقاط الإمامة في بلادهم وحملوا القضية على أكتافهم وخاصة في عدن والشرق الأفريقي عندما دفع تجارهم المال النقدي والعيني بسخاء، وعندما انفجرت ثورة 26سبتمبر 1962م هب أبناء تعز من كل حدب وصوب لدعم الثورة بالروح والمال، وسجل لهم التاريخ ذلك الموقف الإيجابي التي جسده أبناء تعز (أغابرة وأعروق وقريشة وأعبوس وحيافنة ومعامرة ومنامرة وأصابح ومقارمة وعزاعزة وشراعبة وشراجبة وذباحنة وأقدوس وزريقة ومشارقة ومداحجة وأخمور وأحكوم وأعلوم وأثاور وسامع ومقاطرة وأشمور ومن جبل حبشي ودبع)، وتحمل أبناء تعز كل شيء مقابل لا شيء وأقلها (مشاريع الكهرباء والماء والصرف الصحي).

المغفور له بإذن الله الأستاذ قاسم غالب أحمد أحد رواد حركة التعليم والتنوير في اليمن من مواليد لواء تعز عام (1330هـ - 1912م) تلقى تعليمه أولا في تعز ثم انتقل إلى زبيد لتلقي العلوم الدينية واللغة العربية بكل فروعها (أدب، نحو، صرف، بلاغة) تولى الإشراف على مدرسة تعز (نبيل الصوفي: قاسم غالب الشرجبي، رائد ثورة المدارس- مجلة «نوافذ» - ص38- 39 العدد 26 أغسطس 2000م وأعيد نشر جزء منها في الموسوعة اليمنية ج 1 - ص140).

ويبدو أن الأستاذ قاسم غالب- رحمه الله- استفيد منه في مكتب الإمام بتعز في القضايا المتعلقة بالأوقاف، وتمكن من الاطلاع على أعمال البسط على أراضي المواطنين، فأنشأ مع عدد من زملائه الأحرار (جمعية الإنصاف) فنشطوا في حرب المنشورات ليطلعوا الشعب على الممارسات الفاسدة في التعامل مع الأرض، ومن طبيعة الأنظمة الاستبدادية أنها تتعامل بمنتهى القسوة مع كل من تسول له نفسه السير في هذا الطريق.

ودفع الأستاذ قاسم غالب ضريبة مواقفه المبدئية، حيث زج به الإمام يحيى بن حميد الدين في العام 1939م في أقبية سجن القاهرة المظلمة بتعز، وحول الزنزانة إلى حجرة نور، حيث محا أمية الرهائن القابعين في السجن، ونور الآخرين فنقله الإمام إلى سجن نافع بحجة عام 1944م (بحسب إفادة وردت في مادة مطبوعة أعدها نجله المهندس أمين قاسم غالب).

الفرار إلى عدن موئل المدنية والنظام والقانون:

بعد 14 عاما قضاها الأستاذ قاسم غالب في زنازين الظلم والظلام أخلى الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين سبيل الأستاذ قاسم، وعرض عليه العمل في ديوانه، فطلب الأستاذ قاسم مهلة للتفكير في الفرصة المقدمة، وبعد ثلاثة أشهر رست قناعته على الفرار إلى عدن (مدينة النور) وذلك في العام 1953م.

وفي عدن سنحت الفرصة للأستاذ قاسم لقاء الشيخ الجليل الفاضل عبدالله علي الحكيمي، وكان آنذاك متحملا مسئولية الاتحاد اليمني بعدن، وكان الأستاذ قاسم غالب أحد أبرز مساعدي الشيخ الحكيمي، وتحت مظلة الاتحاد اليمني تم تأسيس مدرسة ابتدائية وإعدادية ليلية، وساهم في إرسال 70 طالبا للدراسة في مصر على دفعات وعلى نفقة الأحرار اليمنيين: عبدالغني مطهر وناشر (والد الدكتور أمين) وشعلان والأسودي وعلي محمد سعيد وعبدالقوي حاميم وشعلان والنينو ومحمد عبده أنعم ومحمد مهيوب ثابت وأحمد ناجي العديني ومحمد قائد سيف وعلي حسين غالب الوجيه ومحمد غالب الدميني ومحمد الحاج المحلوي (راجع: عبدالغني مطهر: يوم ولد اليمن مجده- ص 46).

عمل الأستاذ قاسم غالب مدرسا في المدرسة العطرة الذكر: مدرسة بازرعة الخيرية الإسلامية بكريتر (عدن)، وهي أقدم مدرسة أهلية التي أسسها المحسن الكبير محمد عمر بازرعة عام 1912م، واشتهرت المدرسة بمناشطها المتنوعة:

تعليم، تمثيل، جمعيات متخصصة، حركة كشفية، صحافة حائطية، وأسست مطبعة في المدرسة عام 1948م لطباعة جريدة «الذكرى» وكان رئيس تحريرها الشيخ الجليل علي محمد باحميش (مدير المدرسة) وسكرتير تحريرها الأستاذ محمد سعيد الأصبحي (يرحم الله الجميع).

إلى العوالق حزنا وكمدا على رحيل الشيخ الحكيمي:

لم يأت نزوح الأستاذ قاسم غالب إلى عدن من باب الترف، لأنه حرر من عدن رسالة إلى جلالة الإمام عنوانها «رسالة من الجحيم» ورد في سياقها: «إننا جندك المخلصون يا صاحب الجلالة، لا نطلب منك إلا أن ترجع السجون مدارس، والسجان معلما، والقيود والأغلال أدوات للحراثة، وأن لا تسجن شخصا إلا بعد محاكمته..».

وترجم الأستاذ قاسم أقواله إلى أفعال في حدود الإمكانيات التي توفرت للاتحاد اليمني في ظل قيادة الشيخ عبدالله الحكيمي، الذي لقي ربه شهيدا مسموما في 5 ذي الحجة 1373هـ الموافق 4 أغسطس 1954م، فتأثر الأستاذ قاسم أيما تأثر وآثر الانكفاء على نفسه وغادر إلى أرض العوالق وتولى القضاء الشرعي هناك.

الأستاذ قاسم في مثلث المعهد العلمي وكلية بلقيس ومعهد النور:

في نهاية العام 1956 عاد الأستاذ قاسم غالب إلى عدن، وكانت فكرة إنشاء صرح تعليمي اسمه (المعهد العلمي الإسلامي) قد اختمرت، وغادر الشيخ الجليل محمد بن سالم الكسادي البيحاني إلى عدد من الدول العربية، بالإضافة إلى تبرعات من داخل البلاد، ووقف الأستاذ قاسم غالب إلى جانب هذا المشروع، وشارك مع بعض الأحرار في التدريس في هذا المعهد الخالد الذكر.

في العام 1959م كان الأستاذ قاسم غالب ضمن مخلصين آخرين تقدمهم محسنون يمنيون في إنشاء كلية بلقيس في ظل عمادة قامة وطنية كبيرة وهي الأستاذ حسين علي حبيشي، أطال الله عمره ومتعه بالصحة.

وكانت مؤسسة تعليمية نموذجية جمعت بين التعليم العام والثانوي والتجاري ومناشط تخصصية وإبداعية صنعت في محصلتها النهائية منتجا متميزا.

يتوسط مدينة الشيخ عثمان (عدن) مسجد ضخم تم بناؤه عام 1959م وشكلت لجنة من رجال الأعمال للإشراف على بنائه تصدرهم العالم الجليل محمد بن سالم البيحاني والأعضاء الآخرون هم: الشيخ محمد عوض باوزير ومحمد علي مقطري وهائل سعيد أنعم وعبدالمجيد السلفي ومحمد علي عبده وياسين محمود وعبدالملك أسعد وعبدالرحمن عبدالرب وعبدالقادر علوان. وقد ساهم تجار كثيرون في تكاليف بناء هذا المسجد الكبير منهم: هائل سعيد أنعم ومحمد علي مقطري ومحمد سالم باسنفر وعبالرحمن عبدالرب وعبدالملك أسعد ومحمد عبدالحليم وآخرون، كما ساهمت أيضا شركتا «انتوي بس» و«لوك توماس» (راجع: حلقات القرآن الكريم ومجالس العلم في مساجد عدن: أمين سعيد باوزير ص 108- 109).

أرفق بالمسجد معهد علمي أطلق عليه (معهد النور العلمي) وتولى عمادته إضافة إلى تولي الإمامة والخطابة فيه الأستاذ قاسم غالب أحمد.

واقع محفوف بعواصف ورحيل غير آسف:

لبى الأستاذ قاسم غالب نداء ثورة 26سبتمبر 1962م، شأنه في ذلك شأن ضحايا لا حصر لهم، فأسند إليه رئاسة كتب المظالم ونيابة الأوقاف في تعز (أمين قاسم- مرجع سابق) ومن المشاريع التي أنجزها الأستاذ قاسم:

1- قيامه بعمارة ما هدم من جامع الجند، جامع المظفر، وإنشاء مدارس في الأشرفية وهجرة والقاعدة والمسراخ وذي السفال.

2- إنشاء مركز إسلامي ومعهد ديني في تعز.

3- إنشاء جمعيات زراعية.

تم تعيين الأستاذ قاسم غالب نائبا لوزير المعارف (التربية والتعليم) وكان الوزير آنذاك أبا الأحرار محمد محمود الزبيري، إلا أنه قدم استقالته في يناير 1964م وأسندت الوزارة لنائبه الأستاذ قاسم غالب، وفي 31 مارس 1965م استشهد القاضي محمد محمود الزبيري في برط في ظروف غامضة لم يكشف عنها النقاب حتى اليوم.

في 5نوفمبر 1967م أعلن في صنعاء عن الإطاحة بالمشير عبدالله السلال رئيس الجمهورية في انقلاب أبيض، وكان الرئيس السلال في زيارة للعراق فقطع زيارته وتوجه إلى القاهرة ليستقر المقام به هناك.

تم تشكيل مجلس جمهوري برئاسة القاضي عبدالرحمن يحيى الإرياني وعضوية أحمد محمد نعمان ومحمد علي عثمان وكلف محسن العيني بتشكيل حكومة جديدة، وتزامن ذلك مع اعتراف قيادة جيش اتحاد الجنوب العربي بالجبهة القومية، وشهدت المنطقة اضطرابا، وعانت من شحة الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي حتى يومنا هذا.

البقاء لله وحده:

جرى إقصاء الأستاذ قاسم غالب من منصبه ولم تكتف القوى الشريرة بذلك، بل وأودعته السجن لأسباب سياسية، فمثلما كان محسوبا على الشيخ عبدالله الحكيمي كان أيضا محسوبا على المشير عبدالله السلال، فدفع الضريبة مرتين، فغادر إلى القاهرة التي احتضنته حتى يوم وفاته في 4 يناير 1972م عن 60عاما، وشهد عام وفاته والأعوام اللاحقة أحداث اغتيالات وانقلابات واضطرابات هددت وتهدد السلام الاجتماعي.

الأستاذ قاسم في ذاكرة الشيخ الجليل عبدالغني مطهر:

ورد في الكتاب القيم (يوم ولد اليمن مجده) للطاهر الذكر المناضل الوطني الكبير عبدالغني مطهر (ص 105- 107) تفاصيل مفيدة عن سيرة الأستاذ قاسم غالب أحمد، ومن إفاداتها بأنه- أي مطهر- عندما غادر الحبشة نهائيا في أواخر عام 1957م التقى لأول مرة بالشيخ قاسم غالب في منزل الأخ الوطني المناضل محمد مهيوب، حيث تناولا معا طعام الغداء ودار حديث ذو شجون عن القضية الوطنية. ويضيف مطهر بأن التعاون بينهما «استمر حتى قيام الثورة، وكان للشيخ قاسم بصمات بارزة في قطاع التعليم ونهض به نهضة مشرفة لا ينكرها عدو أو صديق، ومع ذلك غدر به قادة انقلاب 5 نوفمبر وزجوه معنا في سجن القلعة، وفي سجن الرادع إلى أن قيض له الله مغادرة اليمن إلى القاهرة، حيث ظل بها يصارع المرض حتى انتقل إلى جوار ربه راضيا مرضيا».

هناك العديد من الأعمال التي خلفها الأستاذ قاسم غالب، منها مخطوط ومنها منشور مثل: من أعلام اليمن: الشيخ المجتهد محمد علي بن علي الشكواني وابن الأمير وعصره، صورة من كفاح الشعب اليمني واشترك في تأليفهما مع علماء أجلاء أمثال: محمد بن علي الأكوع وحسين السياغي وعبدالله المجاهد.

خلف الفقيد قاسم غالب أحمد وراءه إرثا علميا ومبدئيا وأرملة صابرة على حكم ربها وخمسة أولاد هم :

كمال (مدير الجمعية الخيرية لمجموعة هائل سعيد أنعم وشركاءه) وأمين (نائب مدير شركة السعيد للمقاولات والخرسانات) وعبدالصمد (محاسب بشركة ناتكو) وعبدالحكيم (مصرفي) وطارق (بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى