الصلو .. حضارة تحاور الماضي ونسيان يحاكي الحاضر

> «الأيام» رياض الأديب:

>
كانت «الأيام» قد رحلت في استطلاعات سابقة إلى بعض مناطق الحضارة و التاريخ في مديرية الصلو التي ما تزال شاهدة على التاريخ العريق والواقع المهين.

انطلقت «الأيام» في بداية رحلتها الأولى من عزلة الأشعوب و بالتحديد من مدرسة أروس التاريخية التي تتلمذ فيها أشهر العلماء والأعلام و ذكرت بعضا من أولئك الذين غيروا مجرى الحياة وصنعوا الملاحم في تلك الحقب التاريخية العظيمة لتنتقل بعد ذلك في رحلة استطلاعية أخرى إلى قلعة و حصن الدملؤة حيث تكمن عظمة الإنسان العربي و تاريخه المشرق بدءا من الفتوحات الإسلامية إلى عصر الدويلات المختلفة التي شهدتها اليمن وسائر بلدان الجزيرة العربية .

انطلاقا من روح المسئولية الصحفية التي انتهجتها «الأيام» في البحث و التنقيب عن تاريخ هذه المديرية العريقة التي حسب بعض المعمرين فقد اشتق اسمها (الصلو) من كلمة الصلاة التي فرضت على المؤمنين كتابا موقوتا. تواصل «الأيام» استطلاعها في حلقة ثالثة لبعض من عزل هذه المديرية وهي تحاور فيها جانبا من حضارة حاورت الماضي ونسيان حاكى الحاضر .

مساجد تعبق بالتاريخ :

من مدرسة أروس التاريخية إلى جامع الخير العريق حكاية تعانق أصالة وفنا يتحدى أي مهارة.

قبل ثلاثمائة و ثلاثين عاما تقريبا بني الجامع على نفقة محمد بن صالح الحريبي, يقع في قرية صغيرة بعزلة حمدة وكلاهما بعيد عن الأضواء. يحتوي المسجد على خمس عشرة قبة, في طراز معماري فريد , يدل دلالة واضحة على قدرة أبناء المنطقة على التميز, في مكان ليس بالبعيد عن عزلة حمدة تقع عزلة الصعيد القريبة من قلعة وحصن الدملؤة، السير فيها أشبه بمغامرة بين السحاب مما حدى بالبعض أن يطلق عليها حدائق بابل المعلقة وذلك لارتفاعها الشاهق عن سطح البحر وعذوبة مياهها إضافة إلى لذة الخضروات و الفواكه التي تزرع فيها و قلما يجد المرء له مثيلا، للعزلة سد يسمى (المدد) يجهل الكثير تاريخ بنائه فيما يخمن البعض أن جذورها تعود إلى ما قبل أربعة قرون مستدلين بذلك على بقايا شواهد لمدرسة تاريخية بجواره لم يبق منها إلا بقايا متناثرة هنا و هناك , ومن عزلتي حمدة والصعيد كانت حمدة نقطة انطلاق رحلتنا هذه .

عزلة حمدة :

أو كما يطلق عليها منطقة الخمس القرى قرى (حمدة, الموسطة , صعرة, الشعابي, حجامة) يبلغ تعداد سكانها نحو 4000 نسمة تعاني الحرمان وتفتقر لأبسط مقومات الحياة, تعيش سنوات عمرها المديد فقيرة بائسة, امتزجت أيامها بمرارة اليتم المبكر وقسوة الزمن عليها . جميع قاطنيها يتطلعون بأعين زائغة إلى المشاريع الحيوية والخدمية في مختلف مجالات الحياة, يراودهم الأمل بالانتقال من حياة الفوانيس إلى الكهرباء, ينحتون بأظفارهم الصخر بحثا عن قبس من نور وأمل في حياة أفضل وغد أجمل. أناس يعيشون بين أحضان الثالوث الهدام: الفقر والجهل والمرض، لا يعرفون من الدنيا سوى المعاناة وضنك العيش .

المياه :

الماء يكاد ينعدم في هذه العزلة فالأهالي يعانون شحة المياه الصالحة للاستخدام الآدمي. بشكل يومي يضطر قاطنو المنطقة إلى تكبد المعاناة والمخاطرة بأرواحهم بقطع المسافات البعيدة لجلبه على رؤوس النساء وأكتاف الرجال وظهور الحمير ووسائل أخرى متعارف عليها .

مشهد يتكرر طوال العام , يبعث في النفس الحسرة وشدة الألم و الأخطر من ذلك أن معظم تلك المصادر المائية من ينابيع وغيول وآبار ملوثة غير صالحة للشرب، الأمر الذي جعله مصدرا لكثير من الأمراض , و النتيجة أن العشرات من أبناء المنطقة يذهبون ما بين ضحايا الفشل الكلوي والتهابات كبدية ناهيك عن أمراض أخرى كالطفيليات وغيرها .

في مواسم الجفاف يعشعش البؤس ويكتوي الناس بسموم الأحزان, عشرات النساء ينتظرن حتى ساعات متأخرة من الليل من أجل الحصول على (دبتين) فقط ، والعودة بهما بدلاً من العودة بلا ماء ، أطفال في عمر الزهور يتركون مدارسهم ولعبهم ويمتطون صهوة الحمير إلى موت شبه محقق بحثا عن قطرة ماء ولو ملوثة .

يقول مواطن: «هناك مشروع مياه في منطقة الموسطة لكنه لم يكتمل بعد ولا يلبي الاحتياج» ويضيف : «استبشرنا خيرا بنزول مناقصة توسيعه لكن لا نعلم الأسباب التي أعاقت التنفيذ؟».

الصحة :

يوجد في العزلة مركز صحي هو مركز الفاروق لكنه كغيره من المرافق الصحية الأخرى في المديرية يطغى عليه إهمال وتجاهل المسئولين, خدماته وفق ما هو متاح والمتاح هنا أشبه بوحدة صحية مهزوزة لا تملك القدرة على تقديم الخدمات الصحية بالشكل المطلوب.

ورغم الصعوبات التي يواجهها المركز إلا أن الحق يقال فالكادر الصحي فيه يبذل جهودا طيبة في استقبال الحالات وإحالة أخرى مستعصية إلى المستشفيات في المدن الرئيسية. بإمكان المركز القيام بتغطية جزء من العجز القائم فيه كونه يمتلك العديد من الأجهزة والمعدات الطبية التي تبرع بها فاعل خير من أبناء المنطقة إلا أن ضيق المبنى وغياب الكادر المتخصص بتشغيلها حال دون ذلك .

مركز الفاروق بلا صيدلية وبلا مختبر والدواء الموجود قليل جدا يعتمد على ما يوفره القائمون عليه لكن ثمة شكاوى من أسعار بيعه مع أنه أفضل من مرافق أخرى في تسعيرة الدواء. والمؤسف أن مكتب الصحة في المديرية لم يقدم للمركز الأدوية المجانية المتعارف عليها كالأدوية الخاصة برعاية الطفولة مما حدى بالمواطنين إلى التساؤل عن مصير تلك الأدوية و أين تذهب؟

التعليم:

مدرسة الفاروق هي الوحيدة في المنطقة والوضع التعليمي فيها لا يختلف عن بقية مدراس الصلو فانعدام الرقابة وإهمال المركز التعليمي هو الطاغي في هذه العزلة، تعليم مهمل ومتدن ومواد دراسية دون معلمين, ودروس بلا كتب وأنشطة مدرسية غائبة.. ومبنى ضيق لا يتسع للكثافة الطلابية الموجودة. حقيقةً لقد غابت قناعة الدارسين بالتعليم وضاق بهم الوضع التعليمي القائم.

يقول طالب: «هذا العام كرهت التعليم فمواد دون دروس وبلا كتب نعيش في دوامة نعاني من مشاكل كثيرة لكننا لا نجد لها آذانا صاغية لدى إدارة المدرسة التي تتجاهل مطالبنا ومشاكلنا التي نطالب بحلول لها».

ويضيف آخر: «حتى الأنشطة المدرسية التي كنا نمارسها الأعوام السابقة غابت هذا العام , النظام الذي كان في عهد المدير السابق غاب أيضا نريد أن نتعلم مثل باقي الناس» .

وما يثير الاستغراب هو تعثر أعمال الترميم للمبني القديم للمدرسة، الذي أحدث إرباكا لدي الطلاب والمدرسين وكانت أعماله مقررة بثلاثة أشهر لكنه تجاوز العام ولا تزال متوقفة مما أدى إلى عدم إمكانية استيعاب الطلاب ليصبح ظلال الأشجار والساحات المجاورة للمدرسة فصولا إضافية بينما الطرابيل هي الحل الفاصل لحرارة الشمس في الصيف و صقيع البرد في الشتاء .

وفيما يمضي التعليم إلى مصير مجهول بدأ بعض الطلاب يفضلون الذهاب إلي العمل وترك فصول الدرس نهائيا , فيما تساءل البعض عن أسباب عدم ترميم بقية المدرسة ومن يقف وراء ذلك وما هي نتائج زيارة مدير المديرية للمدرسة العام الدراسي الفائت؟؟

الكهرباء:

حرمان المنطقة من الكهرباء مشكلة أخرى في مسلسل طويل من المشاكل التي يعاني منها الأهالي فالمنقطة لا تزال تعيش في ظلام دامس, بعد أن كانت قاب قوسين أو أدنى من تحقيق حلم توديع الظلام لولا أن هناك من يقف حجر عثرة أمام إعطاء الناس حقوقهم المشروعة .

يقول عبد الله: «منطقنا محرومة من كثير من المشاريع الخدمية منها الكهرباء التي لا نعرف الأسباب التي أدت إلى تعثر إعمال الربط ولمدة طويلة بعد أن كانت قد وصلت إلى قرى مجاورة» .

يضيف عارف على سعيد :«نؤكد لهم أن مطلبنا مشروع كون الأعمدة الكهربائية أقيمت على أراضينا، ومازلنا نأمل من الجهات الرسمية تلبية مطالبنا ومدنا بالتيار الكهربائي، فلقد وصل التيار إلى كثير من مناطق الصلو وتم تجاهل قرانا», فيما يعلق مواطن آخر «أكيد استئناف أعمال الربط ستواكب الموسم الانتخابي القادم كدعاية انتخابية لمرشح الحزب الحاكم».

الطرق:

طرق جبلية وعرة معلقة بين الجبال فلا يوجد فيها شيء يعطيها ملامح العصر , طرق شقت في الثمانينات ومنذ ذلك الحين لم يتم صيانتها أو تجديدها بشكل صحيح, الأمر الذي انعكس سلبا على نقل مرضى المنطقة في الحالات الحرجة, يتكبد المواطن يوميا مبالغ كبيرة أجرة المواصلات خصوصا المواد الغذائية ومع ذلك فالأهالي يعولون خيرا في إنهاء معاناته على أعمال السفلتة والرص التي يجرى بها العمل حاليا والجميع على أمل أن تنجز وفق المعايير والموصفات.

الضمان الاجتماعي:

الكثير من الحالات الفقيرة والمستحقة لبطائق الضمان الاجتماعي حرمت منها بسبب المعايير المزدوجة التي اتخذتها لجان المسح التي اعتمدت على أسلوب العشوائية في تسجيل الأسماء . شكا الأهالي من غياب عدالة التوزيع لتلك الحالات مؤكدين أن هناك سماسرة وانتهازيين قاموا بتجميع -2000 4000 ريال من كل شخص مقابل قيد اسمه في حصة الضمان الاجتماعي وبمساعدة بعض لجان المسح , فحالات استحوذ عليها متنفذون وشخصيات اجتماعية وحرم منها مستحقون حسب إفادة الأهالي. استبعاد الفقراء واعتماد المقتدرين جعل المواطن يتساءل : أين دور المجلس المحلي وأعضائه كممثلين للناس في إيقاف هذا العبث وإعادة الحق لأصحابه؟

رسالة الأهالي :

إلى مدير المديرية الرائد عبد اللطيف الشغدري : ما تزال آمالنا فيك بالتصدي لقوى التسلط والنفوذ وللأفواه الثرثارة فاقدة الصلاحية، ومحاربة الفاسدين والمرتزقة ممن يتخذون المجلس المحلي مكانا لتسويق احتياجاتهم الخاصة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى