> «الأيام» محمد الحيمدي :

«الأيام» كدأبها الدائم سبرت أغوار هذه الظاهرة مبينة وراصدة ومستكشفة إياها وملامح المعاناة فيها، أسبابها .. الحلول .. استشعارا منها بهذا الخطر الداهم الذي يهدد الزرع والضرع في هذه المديرية التي تعد من أفقر المناطق بالمياه على مستوى اليمن، وإسهاما منها في توصيل هذه المعاناة إلى الجهات الحكومية والمختصة، قارعة ناقوس الخطر بالقرب من مسامعها، عسى أن تصحيها من سباتها الذي طال أمده، وتنهض لكي تؤدي دورها المنوط بها في مثل هكذا قضايا وشؤون .
ملامح أولية للكارثة
بدأت «الأيام» استطلاعها لهذه الظاهرة من المواطن بوصفه الأكثر معاناة وتضررا من هذه الظاهرة، وذلك بلقائها بالمواطن عبدالحميد قاسم مثنى، الذي تحدث لـ«الأيام» بقلق ومسؤولية قائلاً : «إن ظاهرة الجفاف تنذر بكارثة إنسانية وبيئية»، موضحا «أن أبرز ملامح هذه الكارثة تجلت في هجرة العديد من الأسر إلى خارج المديرية، وإلى محافظات أخرى بحثا عن الماء، بعد جفاف الآبار والسدود والحواجز المائية في معظم قرى الشعيب، إضافة إلى أن سكان بعض تلك القرى يشربون مياها ملوثة تنزح من قاع الآبار الجوفية التي حفرها الأجداد منذ عشرات السنين بوسائل قديمة وبدائية .. كما أن مياه الشرب التي تجلب من خارج المديرية وأحيانا من خارج المحافظة مكلفة ولايستطيع شراءها إلا عدد قليل من الميسورين، إذ وصل سعر (الوايت) البرميل الصغير (سعة 500 لتر) إلى 2500 و 3000 ريال في مدينة العوابل عاصمة المديرية والقرى المجاورة لها، وفي القرى النائية وصل إلى أكثر من 5000 ريال، بينما وصل سعر الصهريج الكبير (حمولة شاحنة دينا) إلى أكثر من 15000 ريال وفي القرى النائية مابين 20000 - 25000 ريال».
المحامي خالد علي مصلح قال والألم يعصره: «إن موجة الجفاف العارمة أدت إلى نفوق العشرات من المواشي، مما اضطر الأهالي إلى بيع بقية مواشيهم بأسعار زهيدة، كما تسبب الجفاف في هلاك الكثير من محاصيل الحبوب قبل أن تؤتي ثمارها»، وطالب الجهات المسؤولة بـ«سرعة معالجة هذه الظاهرة الخطيرة ولو بطريقة إسعافية أولية من خلال توفير صهاريج (بوز) لاستخدامها للأغراض الإنسانية في مثل هذه الظروف». الأخ محمد طاهر جوبح، يعمل معلما في إحدى مدارس مدينة العوابل تحدث لـ«الأيام» قائلاً بإن ثلث راتبه ينفقه في شراء مياه الشرب التي ارتفع سعرها ارتفاعا جنونيا لاسيما هذا العام «فقد بلغ سعر وايت الماء (سيارة صغيرة) إلى أكثر من ألفي ريال في الحد الأدنى، وذلك للمنازل القريبة من المصدر الذي تجلب منه مياه الشرب». مضيفاً «أن هذه الكمية الزهيدة من الماء لا تؤدي الغرض ولا تفي بحاجة البيت الواحد سوى أيام قليلة يتم بعدها استئناف رحلة البحث عن (وايت) آخر وهي الرحلة التي قد تستغرق أياما وربما أسبوعا كاملا»، مختتما حديثه والحزن مرتسما على وجهه:«إن ارتفاع أسعار مياه الشرب جعل كثيرا من الأسر في مدينة العوابل عاصمة المديرية، وهي الأسر الفقيرة التي لا تقدر على شراء المياه التي تباع بـ(الوايتات) إلى أن تشرب من مياه الآبار الجوفية السطحية التي حفرها أجدادنا منذ عشرات السنين وهي عبارة عن مياه شحيحة توجد في قعر البئر مخلوطة بالتراب وتنتشر فيها بكثرة مختلف أنواع الديدان تعفها الحيوانات ولا تشربها إلا مكرهة، دفع هذه الأسر إلى ذلك الظروف القاسية التي تعيشها وحاجاتهم الماسة لهذه المياه، وإن كانت آسنة وتشكل خطرا على حياتهم، فهذا مصيرهم وقدرهم متضرعين إلى الله عز وجل أن يرحمهم أولا وإلى الدولة التي طالت رحمتها لنا طويلا ولانعرف متى تمنحنا إياها!!».
مقترحات وحلول وبدائل إسعافية
المربي الفاضل والتربوي القدير ناجي قاسم مصلح، وهو من أبناء قرية القهرة، التي منَّ الله عليها بالأمطار هذا الموسم وتعد نسبيا أوفر حظا بالمياه الجوفية من معظم قرى الشعيب، تحدث عن هذه الظاهرة واضعا بعض الحلول البديلة والنصائح للتخفيف من خطرها وويلاتها قائلا: «الحمد الله عز وجل على خيره وكرمه الذي منحه أبناء قريتي و القرى الأخرى هذا العام بنزول الأمطار، الأمر الذي جعلنا أقل معاناة وأفضل حالا من الآلاف من موطني معظم قرى الشعيب، لذا فإنني أقول لأهالي هذه القرى أن يحمدوا الله كثيرا على هذه النعمة الكبيرة التي لولاها لعانوا الأمرين، خاصة وأنهم من ذوي الدخل المحدود، ويعتمدون اعتمادا كليا على مياه الأمطار لري مزارعهم التي تعد الدخل والمصدر الوحيد لحياتهم، وذلك لأن الدولة لم تقم بعمل أي مشروع للمياه في هذه القرى»، موجهاً لهم النصح أن يحافظوا على هذه المياه التي في باطن الآبار الجوفية «من خلال ترشيد الاستهلاك والري المنظم وعدم العبث بهذه الثروة والنعمة الربانية في جوانب غير مهمة كسحبها بطريقة عشوائية لري شجرة القات أو تخزينها في خزاناتهم الخاصة أو لري محاصيل ومزورعات قليلة النفع والفائدة، لأن ذلك سوف يؤدي في الزمن القريب إلى نضوب المياه من هذه الآبار نهائيا، خاصة أنها سطحية»، وعن البدائل التي يقترحها للتقليل من خطورة هذه الكارثة، قال: «أقترح عددا من الحلول ويجب تنفيذها من قبل الحكومة، وللتقليل من مخاطر هذه الظاهرة كحل إسعافي: أن تقوم الدولة والجهات المختصة بالاستفادة القصوى من الأمطار الموسمية التي تهطل على بعض قرى الشعيب، وذلك بإقامة مشاريع صغيرة كالمواجل والحواجز المائية والبرك لتغذية الأحواض الجوفية (الآبار) أو حتى في الري، ولكن للأسف لم تقم هذه الجهات بمثل هكذا مشاريع إلا فيما ندر، وهو الأمر الذي ساعد على تعميق وزيادة مخاطر ظاهرة الجفاف»، وأضاف:«هناك بديل آخر أقترحه على مواطني الشعيب وأخص بالذكر الميسورين وهو أن يستشعروا هذا الخطر ويبادروا بعمل وإقامة بعض المشاريع كالحواجز والسدود وحفر الآبار في قراهم لما يعود بالنفع والفائدة للجميع بدلاً من هدر ملايين الريالات في جوانب كمالية وترفيهية كبناء المنازل الفخمة وشراء السيارات الحديثة وغير ذلك الكثير التي لا تعود عليهم وأهاليهم وإخوانهم بالنفع والفائدة»، موضحاً أن الحل الوحيد الناجع للقضاء على هذه الظاهرة «يتمثل بإنجاز مشروع (بنا) الذي تم استكمال الدراسات والمسوحات واعتماداته الخاصة لبدء العمل فيه منذ عدة سنوات إلا أنه ظل محلك سر، وحبرا على ورق حتى اليوم دون أن نعرف الأسباب الحقيقية لذلك».
ماذا قالت السلطة المسؤولة عن الظاهرة؟
وفي ختام استطلاعنا عن هذه الظاهرة توجهنا إلى السلطة والجهات المسؤولة بالمديرية لمعرفة رأيها وتصورها لهذه الظاهرة، وماذا عملت بشأنها، فكان لقاؤنا بالأخ أحمد مسعد علي، الأمين العام للمجلس المحلي لمديرية الشعيب، الذي تحدث قائلا: «في البدء أشكر صحيفة «الأيام» والقائمين عليها على تغطيتها الشاملة والدائمة لأنشطتنا وتناولها الصادق هموم ومعاناة المواطنين في شتى الجوانب مما جعلها الصحيفة الأولى والأكثر قراءة وشعبية في الشعيب، بل في عموم اليمن، فمن خلالها وعبر استطلاعكم هذا أطلق صرخة استغاثة مدوية باسم جميع مواطني مديرية الشعيب إلى الحكومة والجهات المركزية في الدولة لإنقاذهم من ظاهرة انعدام مياه الشرب، جراء موجة الجفاف التي تجتاح المديرية منذ عدة سنوات وصلت ذروتها هذا العام»، مستطرداً حديثه أن مديرية الشعيب «تعد من أفقر المناطق للمياه بسبب طبيعتها الجبلية ووعورة تضاريسها، حيث يغلب عليها وجود الجرانيت والبازلت وارتفاعها، حيث ترتفع فوق سطح البحر بـ (2420 مترا) ومعدل هطول الأمطار السنوي 330 ملم، وهذه الكمية قليلة لا تكفي لأكثر من ثلاثة أشهر، ويأتي هطول هذه الأمطار في شهري يوليو وأغسطس، بعد انقطاعها أكثر من تسعة أشهر»، موضحاً أن ذلك «يضاعف معاناة السكان كالنزوح الجماعي للأهالي إلى خارج المديرية ومحافظات أخرى بحثاً عن الماء»، وعن الإجراءات التي اتخذها المجلس المحلي إزاء هذه الظاهرة قال: «إن المجلس قد وقف في اجتماعه الدوري الثالث المنعقد في منتصف شهر سبتمبر أمام ما تشهده المديرية من جفاف وانعدام مياه الشرب، وأناشد الحكومة والمحافظة سرعة وضع الحلول والمعالجات الكفيلة بالتخفيف من معاناة الأهالي جراء هذا الجفاف، وذلك من خلال الإسراع في تنفيذ المشاريع المركزية الآتية:
مشروع مدينة العوابل عاصمة المديرية والقرى المجاورة لها (الشبكة الداخلية والمضخات)، مشروع مياه بني مسلم- القزعة، البحث عن تمويل متكامل للدراسة الشاملة لمشروع مياه الشعيب الاستراتيجي، مشروع مياه بنا، الذي تعثر منذ عام 2003م، ونطالب الحكومة بإدراج هذا المشروع ضمن قائمة المشاريع المقدمة للمانحين، كما طالبنا بسرعة إنجاز المشروعات التي تنفذ من قبل فرع مياه الريف بالمحافظة، وهي مشروع أشمان- المضو، القهرة- الصلئة، مشروع مياه بخال والثيلة».
مختتما حديثه بالإشارة إلى أن المجلس المحلي «عمل على تنفيذ عدد من الخزانات والسدود بتمويل محلي وتنفيذ عدد آخر من الحواجز من قبل صندوق التنمية الزراعي ومشروع الأشغال العامة ومشروع حماية التربة ومازلنا بحاجة إلى تدخل هذه الجهات للتوسع في خزانات حصاد الأمطار، كما نطالب المحافظة بتوفير (بوز) لنقل مياه الشرب إلى المواطنين بصورة إسعافية».

وردا على سؤال الصحيفة: ماذا عمل مكتب الزراعة بالشعيب للتخفيف من خطر هذه الظاهرة، قال: «لقد قام المكتب وبالتعاون مع السلطة المحلية بالمديرية والمحافظة ومكتب الزراعة بالضالع ووزارة الزراعة بإنجاز عدد من المشاريع نوجزها بالآتي: 24 خزانا، 250 بركة، وقيد التنفيذ 8 خزانات وحاجزان و20 شبكة ري حديث، و21 خزانا لمياه الشرب ، ومن أجل المحافظة على شجرة البن تم إدخال 30 شبكة لري البن ، وإنجاز 21 خزانا و250 بركة و11خزانا و50 شبكة المنفذ منها 30 و20 مازالت قيد التنفيذ والمتابعة، وهذه المشاريع قام بتمويلها المجلس المحلي بالمديرية ومشروع الحفاظ على التربة بالمحافظة ومشروع الأشغال والتشجيع الزراعي والسمكي وصندوق التنمية الزراعية»، مضيفاً أن هذه المشاريع «ما هي إلا مشاريع إسعافية فقط لا تفي بالغرض المأمول للقضاء على هذه الظاهرة»، متفقاً مع ما طرحه المواطنون وأمين عام المجلس المحلي في أحاديثهم من أن القضاء على ظاهرة الجفاف هذه «يكمن في إنجاز المشاريع المركزية المعتمدة التي تعثر بضعها وبعضها مازال في الأوراق (الأدراج) من خلال الإسراع في تنفيذ المشاريع الآتية: مشروع مدينة العوابل عاصمة المديرية والقرى المجاورة لها، مشروع مياه بني مسلم- القزعة، مشروع مياه الشعيب الاستراتيجي (بنا) الذي لم يتم البدء فيه منذ عام 2003م بسبب عدم وجود التمويل المالي لتكلفة المشروع التي تقدر بنحو تسعة عشر مليون دولار، ونطالب الحكومة حتى يتم تنفيذ هذا المشروع المهم لأبناء الشعيب إدراج المشروع ضمن قائمة المشاريع المقدمة للمانحين، كما نطالب بسرعة إنجاز المشاريع التي تنفذ من قبل مياه الريف بالمحافظة وهي مشروع أشمان- المضو، القهرة- الصلئة، بخال- الثيلة».
مختتماً حديثه بالقول: «إن المجلس المحلي عمل على تنفيذ عدد من الخزانات والسدود بتمويل محلي وأخرى بتمويل من صندوق التنمية الزراعي ومشروع الأشغال العامة ومشروع حماية التربة.
ومازلنا بحاجة إلى تدخل هذه الجهات للتوسع في خزانات حصاد الأمطار وغيرها من المشاريع لحاجة المديرية لذلك»، وطالب المحافظة بتوفير (بوز) لإمداد المواطنين بمياه الشرب بصورة إسعافية.
الأخ قاسم موسى عامر، مدير مكتب الزراعة والري في حديثه لـ «الأيام» اتفق كليا مع ما طرح من قبل المواطنين وأمين عام المحلي مؤكدا ما طرحوه من وجود هذه الظاهرة الخطيرة وما طرحوه من حلول.
وعند سؤال «الأيام» له عن الحلول التي قام بها واتخذها في هذا الشأن، قال: «هناك مشاريع قام المكتب بعملها وذلك بمساعدة السلطة المحلية بالمديرية والمحافظة ومكتب الزراعة بالضالع ووزارة التربية إلى جانب بعض الجهات الأخرى التي أشار إليها الأخ أمين عام المجلس المحلي في حديثه لـ «الأيام» وأحب أن أفصل هذه المشاريع بالرقم وهي حاجزان، 24 خزانا، و250 بركة، وإدخال 30 شبكة لري البن، وقيد التنفيذ 8 خزانات وحاجزان و20 شبكة ري».
واستدرك بقوله: «إن هذه المشاريع لا تفي بالغرض المأمول وتعد بسيطة أمام هول وشدة ظاهرة الجفاف، بل تعد مشاريع إسعافية أولية للمساهمة في رفع ولو جزء بسيط من معاناة المواطنين في المديرية».