بريم أو ميـوّن ..جزيرة منسية منذ 70 عاماً ! فهـل تسـتعيـد بريقهـا من جديـد ؟

> «الأيام» د.علـي محمـد الأكحلي:

> تقع جزيرة بريم Perim (وينطقها العرب بريم Barim بفتح الباء مع تغليظه) جنوب غرب الساحل اليمني في مضيق باب المندب Strait of Mandeb ، وهي عبارة عن جزيرة صخرية بركانية تبلغ مساحتها 13 كم مربع (5 أميال مربعة) وترتفع 65 مترا عن سطح البحر. وتبعد الجزيرة 90 ميل عن مدينة عدن و ميل ونصف الميل من الشاطئ اليمني، كما تبعد 11 ميلا من الشاطئ الإفريقي. في عام 1513م قام البرتغاليون بالنزول اليها ولكنهم تركوها بسبب عدم وجود مياه للشرب.

واحتلها الفرنسيون في عام 1738م ، إلا أن الإنجليز استطاعوا إخراج الفرنسيين عام 1799م ثم غادروا الجزيرة. وقد عاد الإنجليز إليها من جديد في عام 1857م بعد احتلال مدينة عدن عام 1839م ، وأخضعوا إدارتها لحكومة بريطانيا مباشرة وليس إلى إدارة «رئاسة بومبي» كما حصل لمدينة عدن بعد احتلالها. تعرف هذه الجزيرة عند السكان المحليين بجزيرة ميوّن (شدة على الواو) نسبة إلى قرية ميوّن الواقعة في شرق الجزيرة .

وقد ظلت هذه الجزيرة طي النسيان والإهمال لنحو 72 سنة ، بعد إقفال «شركة بريم للفحم» أعمالها في الجزيرة وخروجها منها عام 1936م. إن انتعاش الجزيرة بدأ عندما تحصل السيد هلتون سبالدينج Hilton Spalding في عام 1883م (وهو تاجر من مدينة ليفربول) على عقد إيجار Lease مباشرة من حكومة الملكة فيكتوريا لأرضية على جزيرة بريم لمدة 30 عاما قابلة للتجديد وذلك لإنشاء شركة لتموين البواخر بالفحم، وقام بتأسيس «شركة بريم للفحم» Perim Coal Company .

بعد حصوله على العقد قام السيد هلتون بإرسال سفينة من بريطانيا إلى الجزيرة وعلى متنها مصنع لتقطير المياه بطاقة 60 طنا يوميا و مصنع للثلج بطاقة 5 أطنان يوميا وخزانات متنوعة وقداحات للإنارة ، حيث عبرت السفينة قناة السويس وأفرغت حمولتها على الجزيرة في يونيو 1883م. في شهر أغسطس من العام نفسه، رست أول سفينة تجارية على الجزيرة للتزود بالفحم. قامت شركةَ بريم للفحم بإنشاء مقرها على النصف الغربيِ لجزيرة بريم. وقد عرف الجانب الذي فيه الشركة بـ«موقع الشركة» حتى يتميز من «الموقع الحكومي» المنتشر على النصف الشرقي. وشكل النصفان شبه جزيرة ضمن جزيرة بريم يفصلها عن باقي الجزيرة خليج موراي Murray Bay (انظر الصورة).

صورة لأحد أرصفة الفحم بالجزيرة التقطت عام 1928م
صورة لأحد أرصفة الفحم بالجزيرة التقطت عام 1928م
يحد موقع الشركة من الشمال مركز «بالفي» Balfe Point وبنى عليه فنارا لإرشاد السفن، ومن الجنوب مركز بيراي Pirie Point وبنى عليه مبنى مركز الشركة. على الجانب الأيسر من شبه الجزيرة تقع العديد من المرافق مثل مقر شركة لويدز، ملعب للجولف، ملعب للتنس، مقر محطة لويدز للإشارة السلكية، مصنع تقطير المياه وهناجر الأعمال الهندسية، حظائر تخزين الفحم بسعة 16 ألف طن ومنشآت أخرى، كما تم تركيب رافعة بقوة 10 أطنان وكانت هناك سفينتان للإنقاذ والإرسال في الجزيرة.

وتم بناء مسجد صغير وأنشئ فندق جميل من طابقين. أما في شمال المنطقة فتوجد مقبرة صغيرة للسكان المحليين. كان عدد السكان في ذلك العام نحو 150 فردا ، وصل عددهم في عام 1885م إلى 820 فردا منهم 276 مواطنا محليا و 94 من جنسيات أوروبية و 450 من جنسيات أخرى كالهنود والصينيين والدناقلة Dankalis والصومال. وكان غالبية السكان المحليين يعيشون على الجانب الحكومي الذي توجد عليه قرية ميون. في عام 1892م زار السيد هلتون جزيرة بريم بغرض تفقد شركته. في هذا العام تم إحصاء وجود مدرسة ومستشفى ومركز للشرطة ومسجدين ومقبرة للسكان الأصليين.

خارطة لشبه الجزيرة التي تقع عليها شركة بريم للفحم ومنشآت أخرى
خارطة لشبه الجزيرة التي تقع عليها شركة بريم للفحم ومنشآت أخرى
كما كان هناك ضابط صحي للميناء وبقالات تموين ومحكمة. كما شقت عدة طرق داخلية وتم سفلتة بعضها لأهميتها. وتم تجهيز عدة أرصفة لتحميل الفحم إلى السفن. وكانت طاقة تحميل الفحم من الميناء في هذا العام قد وصلت معدل 120 طنا يوميا (نحو 60 ألف طن سنويا)، وقد شكل هذا تحديا حقيقيا لشركات تحميل الفحم العاملة في ميناء عدن.

حيث إن هذه الكمية شكلت نصف الطاقة السنوية المحملة من ميناء عدن خلال تلك الفترة والتي كانت تقدر بنحو 120 ألف طن وكانت تقوم بها ثلاث شركات هي شركة قهوجي و شركة لوك توماس و شركة عدن للفحم المملوكة للأخوين كوري Cory Brothers. كان تفوق شركة بريم في تموين البواخر بالفحم من الجزيرة يعزو إلى عمق المياه المحاذية لرصيف الجزيرة، مما مكن استيعاب السفن الكبيرة لترسو على بعد بضع ياردات فقط من مخازن تموين الفحم الموجودة على الشاطئ.

أما السفن التي كانت تأتي إلى عدن فقد كانت ترسو على بعد ميلين من الشاطئ. دخلت الشركات الثلاث في منافسة شديدة مع شركة بريم للفحم ولم تستطع نزع تفوق شركة بريم إلاّ بعد أن تم تعميق ميناء عدن من ناحية وازدياد أعداد السفن التي تعمل بالزيت بدءا من عام 1930 على حساب تناقص عدد السفن التي تعمل بالفحم. أقفلت شركة بريم أعمالها في عام 1936م تاركة سوق تموين البواخر بالفحم كليا إلى ميناء عدن .

خريطة تبين موقع جزيرة بريم في مضيق باب المندب
خريطة تبين موقع جزيرة بريم في مضيق باب المندب
وفي العام التالي ، قررت بريطانيا تحويل مدينة عدن إلى مستعمرة وقامت بضم جزيرة ميون إلى أراضي هذه المستعمرة واعتبارها جزءا منها ومن ثم تحولت إدارة الجزيرة إلى عدن ، ولكن لم يتم إشراك مواطني الجزيرة في أي دور حيوي في حياة مستعمرة عدن . في عام 1959م قرر المجلس التشريعي والهيئة الإدارية لمستعمرة عدن إخلاء مسئوليتهم عن إدارة الجزيرة رغم بقائها جزءا من المستعمرة وأخضعوها لإدارة حاكم المستعمرة مباشرة.

كان عدد السكان في ذلك العام 300 فرد وكلهم من المحليين يعيشون في قرية ميون ويعمل غالبيتهم في مهنة الصيد. في وقت لاحق تم إنشاء مدرج لهبوط وإقلاع الطائرات الصغيرة في شمال الجزيرة قريبا من قرية برخود. في عام 1967م نال جنوب اليمن استقلاله وتم إعلان قيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية وأدرجت جزيرة بريم تلقائيا ضمن أراضي الجمهورية الفتية.

حاليا تعيش الجزيرة أوضاعا مأساوية من حيث البنية التحية والخدمات العامة، وقد لا نبالغ بالقول بأن حال الجزيرة قبل 70 عاما عندما ضمت إلى مستعمرة عدن قد يكون أفضل مما هو عليه الآن! فهل ستستعيد هذه الجزيرة بريقها في المستقبل القريب خصوصا بعد بروز اسمها مؤخرا على الواجهة العالمية بعد نشر خبر مشروع إقامة جسر بحري (قد يكلف 20 ملياراً من الدولارات) يربط القارة الآسيوية بالقارة الإفريقية مرورا بهذه الجزيرة.

صورة هناجر تخزين الفحم ومصنع إنتاج الماء المقطر وخزانين للمياه
صورة هناجر تخزين الفحم ومصنع إنتاج الماء المقطر وخزانين للمياه
نأمل ذلك، ولكن بما أن هذا المشروع لا يزال قيد الدراسة فعلى المجلس المحلي لمحافظة عدن إرسال لجنة إلى الجزيرة ورفع تقرير بتحديد الخدمات الضرورية والاحتياجات الملحة لساكني الجزيرة، التي لا تنتظر التأجيل لإنقاذهم مما هم فيه من شظف العيش الذي يعانونه، خصوصا وأن هذه الجزيرة تقع تحت صلاحيته ومسئوليته.. والله من وراء القصد.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى