قضية ما تحملها ملف..

> متعب مبارك بازياد:

> يحكى أن الزعيم الإنجليزي (تشرشل) عقب الحرب العالمية الثانية وقف في مجلس الوزراء البريطاني أمام قضية إعادة إعمار ما دمرته الحرب الرهيبة، وكان كل من وزيري المال والتنمية يتأهبون لعرض خطط إعمار بريطانيا العظمى ففاجأ الجميع بسؤاله عن حال القضاء بعد كل هذا الخراب، فكانت الإجابة مختصرة «القضاء بعافية» فلم يكلف نفسه الاستمرار في مناقشة التفاصيل، بل قال للحكومة: «انصرفوا للعمل»!!.

لقد بلغ السكين إلى العظم ولكن هناك مقدمات وصلت بالأمر إلى هذه الحال المزرية لهيبة القضاء اليمني، وأقولها بأسف وأنا من عملت بهذه السلطة -القضاء- وبحثت في تاريخها وأحسب أنني حذرت أولي الألباب من أبعاد هذا الاستهتار بهذه السلطة الوطنية والقلعة التي يجب أن تبقى صامدة مهما نخر الزمن وأشياء أخرى في أخواتها، لأن (عافية القضاء) أمان ببقاء الحلم في تجدد الحياة المدنية ولو بعد خراب.. لقد تعرضت هذه السلطة الوطنية لسهام كثيرة من خصوم العدالة، بل من داخلها-وظلم ذوي القربى أشد- وقديما قالوا في حضرموت: «إذا شفت صاحب المال يجهش ويؤكل. جهش وطير».

فبعد أن سمعنا عن خطف قضاة وأبناء قضاة من وسط العاصمة صنعاء- منهم نجل رئيس المحكمة العليا الأسبق- دون محاسبة على الملأ أو زجر لردع علية القوم عن هكذا حماقات، وكأن الاعتداءات على القضاء والقضاة مبرمجة وموجهة للنيل من هذه السلطة، لأن اللصوص يوظفون كل هذه الاعتداءات لتصب في خانة التشكيك في نزاهة القضاء والقضاة، وبكل أسف إن الإعلام الرسمي بدلا من الضغط باتجاه محاسبة المجرمين يكرس صورة نمطية في مخيلة القارئ عن (القاضي)- ولا ننكر الاختلال في القضاء- ويستمر النزيف المحزن في هذه المؤسسة على أكثر من صعيد، وتوسع الخرق على الراقع، و تابعنا مسلسل (اعتلال العافية) يمتد إلى أطراف قصية من الوطن، كانت على مدى تاريخها الطويل في سفر العدالة مثالا رائعا للنظام و احترام القانون، فكانت حضرموت إحدى محطات هذا القطار الرهيب، وفيها اتسم المشهد بالدم في أبشع تجليات هذا الانحدار الكبير، فكان النفير الكبير سنة 2003 للجحافل المسلحة التي عبرت كل النقاط العسكرية (من جيش وشرطة) لتحط رحالها بقاعة محكمة سيئون الابتدائية لتسبق كلمة العدالة منهية حياة متهم يقبع خلف قضبان قفص الاتهام (في أمان العدالة وتحت كنفها)، وتنسحب في مشهد تراجيدي إلى قواعدها سالمة.

وتمر الأيام ونسمع على صفحات «الأيام» الصامدة شكوى رئيس محكمة استئناف حضرموت من تهديدات (عساكر يفترض فيهم حماية العدالة) في ملهاة لا تنتهي، وبالأمس كانت فاجعة القضاء في حضرموت واليمن عموما باغتيال القاضي محمد عبود الشعيب- رحمه الله وأخلف أهله وكل زملائه خيرا- في مكتبه.

وكان القاضي الشعيب صيدا سهلا للجاني في أي مكان عام آخر كان يرتاده وهو أعزل ولا مرافقين، لكن لتوقيت الزمان والمكان نكهة أبعد من استهداف هذا القاضي أو ذاك، لأن هيبة القضاء غائبة من خيال المجتمع، ومهما كانت دوافع الجاني فإن الرسالة يجب أن تقرأ جيدا، وكم تكون الحقيقة مؤلمة حينما يكون الشر في المشهد (ضمن السياق) وليس خارجا عن النص!

كثيرة هي القراءات لهذا المشهد إلا أنها يجب أن لا تبتر الصورة من المشهد العام، وهي قضية لا يحتملها ملف، القضية المنظورة أمام القاضي الشعيب أو المحكمة العليا- مع الاعتذار للمحضار- ونأمل صحوة من رجال القضاء قبل غيرهم من رجال هذا الوطن العزيز المعطاء، ولكن وصلنا اليوم وللتو:«قالت الهيئة الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات (هود) إن قيادات في الدولة على رأسهم وزير العدل وعبده بورجي وأكرم عطية نائب رئيس مجلس النواب بالإضافة إلى الشيخ شعيب الفاشق قاموا بزيارة القاضي علي أبو الغيث- محكمة بيت الفقيه في الحديدة- إلى منزله والاعتذار له عما بدر من الفاشق من إهانة له.

وأكدت في بلاغ صحفي أن الفاشق قام (بتقبيل رأس القاضي) مقابل التنازل عن الدعوى المرفوعة أمام المحكمة الجزائية المتخصصة والتي صدر فيها حكم ابتدائي يقضي بإدانة الفاشق والحكم عليه بالحبس ثلاث سنوات».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى