د.ياسين:الحاصل في الشارع رد فعل شعبي لا يدعي المشترك أنه وراءه وإن كان مسئولا عن جزء منه

> «الأيام» عن «النهار» اللبنانية:

> أجرت صحيفة «النهار» اللبنانية حوارا مع الأخ د. ياسين سعيد نعمان، الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني في عددها الصادر أمس أجراه الزميل أبو بكر عبدالله. وفيما يلي نص الحوار:

> الاحتجاجات الشعبية في شأن الانتخابات، كيف ترونها خصوصاً بعدما تحولت إلى مواجهات كما حدث أخيراً في العاصمة؟

- ما جرى في صنعاء أخيرا كان تعبيرا عن الإرادة الشعبية في رفض إجراءات السلطة تزوير الانتخابات وتحويلها إلى عملية سلطوية، ورسالة واضحة أن الشعب يرفض تزوير إرادته، وتأكيدا أن الإرادة الشعبية هي العنصر الفاعل في تقرير مصير هذا البلد. وهذا العمل السلمي المعبّر عن إرادة الشعب هو الطريق الوحيد، بل الأوحد لإعادة الاعتبار إلى الإرادة الشعبية المقموعة.

> انتقلت الأطراف السياسية من الحوار إلى المواجهة في الشارع. كيف ترون هذا التحول؟

- الحاصل في الشارع هو ردّ فعل شعبي تلقائي في جزء رئيسي منه، ولا يدعي المشترك أنه وراء رد الفعل هذا وإن كان مسؤولا عن جزء منه. فهناك شعور لدى الناس أن تنظيم الانتخابات بالشكل الذي يجري الإعداد له الآن ليس إلا محاولة لإعادة إنتاج هذه السلطة بكل ما رافقها من إخفاقات وفشل. وجزء من رد الفعل الشعبي التلقائي هذا كان موجها إلى أحزاب المعارضة، وهو يأتي في إطار الحديث عن الصفقات والتسويات، والمجتمع يريد أن يقول لنا إننا لسنا مع صفقاتكم. وعلى هذه السلطة أن تفهم حقيقة أن ما يدور في الشارع لا يتحمل المشترك مسؤوليته ولا يدعي مسؤوليته، فهناك رفض شعبي عام بما في ذلك رفض لأي اتفاقات لا تخدم مصلحة المجتمع ولا تساهم في حل الأزمة الوطنية الحاصلة.

> هل تعتقدون أن هذه قراءة عميقة للمزاج العام للشارع في الانتخابات المقبلة؟

- لا أدّعي أن هناك قراءة عميقة لمزاج الشارع، لكن القراءة الأولية للمزاج العام على صعيد البلد تكشف عن أزمة طاغية لدى الشارع الذي لا يرى في الانتخابات بوابة لحلها، بل يراها بطابعها الحالي تكريسا للأزمة، والمناطق الملتهبة في الجنوب ربما أكثر من يرى عدم الجدوى من الانتخابات، كونها لن تفضي إلا إلى تكريس ما هو قائم. ولو فُتحت الأبواب لانتخابات حرة ونزيهة يستطيع فيها الناس التعبير عن قناعاتهم وآرائهم لاختلف الوضع، أما إذا استمرت بالشكل الذي تجري فيه حاليا فالشارع لا يراها بوابة للحل.

نزعات متطرفة

> في ضوء الاحتقان الحاصل في المحافظات الجنوبية ثمة مخاوف من أن يتطور إلى أعمال عنف. هل تعتقدون أن الأمور قد تسير في هذا الاتجاه؟

- إن كان هناك عنف فهو لن يأتي إلا من السلطة ومن أصحاب المصالح الضيقة فيها. والحراك السياسي في الجنوب خلال الفترة الماضية كان احتجاجا سلميا ديمقراطيا، ويعبر عن ظاهرة صحية في المجتمع بغض النظر عما يبرز بين الحين والآخر من شعارات، إلا أن طابعه العام سلمي ديمقراطي.

في المحطات التي ظهر فيها العنف كانت المبادرة تأتي من أجهزة السلطة، كما حدث في عدن والضالع وغيرهما، وأعتقد أن الحراك السياسي ضمان حقيقي من الضمانات التي من شأنها إصلاح أحوال هذا البلد، ولا يمكن أن يكون هناك نظام سياسي يستطيع أن يصلح نفسه من دون أن تكون هناك معارضة تكشف عيوب هذا النظام... فلماذا لا يترك لهذا الحراك السلمي أن يعبر عن نفسه؟

> ثمة اتهامات من السلطة للمعارضة بجر البلاد إلى العنف والتخطيط لمؤامرات؟

- عندما يبدأ الناس التحرك في الشارع ويعبّرون عن آرائهم فذلك نوع من العمل السياسي السلمي المتقدم، والغريب أننا نجد في السلطة من يقول إن المعارضة تعمل في الغرف المغلقة. فلماذا إذاً يرفضون خروج المعارضة والناس إلى الشارع؟ الحراك السلمي والاجتماعي بالشكل الذي جرى التعبير عنه أمر سيحتاج إليه الوطن مستقبلا إذا أريد أن يتجاوز تعبيرات التطرف والعنف لأن البديل من هذا الحراك السلمي هو مشاريع العنف.

> بماذا تفسرون النزعات المتطرفة في الجنوب كأن يقال إن المشاركة في الانتخابات هي استفتاء على الوحدة واعتراف بشرعية نظام الرئيس علي صالح؟

- لأن الأزمة هي التي أنتجت هذا الوضع، فلو لم تكن هناك أزمة لما برزت مثل هذه الظواهر المتطرفة. كان هناك سلوك متطرف من السلطة الرسمية أوجد تطرفاً مضاداً لمواجهة تطرف السلطة وهذه بعض مظاهر الأزمة.

طريق مسدود

> الطريق المسدود الذي وصلت إليه أطراف العملية السياسية تجاه الانتخابات، كيف ترونه؟

- الطريق المسدود ليس بين السلطة والمعارضة، بل بين السلطة والمجتمع. فهذه السلطة تضع كل يوم حواجز من النوع الثقيل بينها وبين المجتمع، والمعارضة جزء من المجتمع وتعبر عن طموحاته، لكنها في إطار نشاطها السياسي ترى أن مستقبل الحياة السياسية في ظل الثقالات الضخمة التي تضعها السلطة يتجه نحو مصير مجهول. ولنا أن نقرأ بتمعن وعمق الخطوات التي دأبت السلطة على اتخاذها خلال الفترة الماضية ومنها الإصرار على إجراء انتخابات شكلية خارج نطاق حاجة المجتمع من خلال العبث بالسجل الانتخابي أو بتشكيل لجنة للانتخابات خارج نطاق الدستور والقانون وغيرها من الخطوات التي تؤكد أنها تتراجع عن مشروع الخيار الديمقراطي.

وآخر مثال على ذلك الخفة التي تعاملت بها السلطة في تأجيل انتخابات المجالس المحلية حيث اتخذ الحاكم القرار بمفرده بعدما قدم إلى غالبيته البرلمانية مشروعا لتعديل القانون جرى إقراره في ثوان قليلة، وهذا يضع الجميع أمام سؤال إلى أين تسير الحياة السياسية في البلاد؟

أزمة سياسية وطنية

> دشنتم أخيرا مشروعا للحوار الوطني، لماذا لجأتم إلى هذه الخطوة وماذا تريدون منها؟

- ما دشن أخيراً هو المرحلة الثانية من مشروع الحوار الوطني، والمرحلة الأولى بدأت قبل أربعة أشهر، والمشروع جرى الإعداد له منذ نحو سنة، واللقاء المشترك عندما طرح مبادرة الحوار الوطني كان يرى أن البلاد قد دخلت في أزمة سياسية ووطنية تحتاج إلى إشراك المجتمع بكل قواه الحية لمواجهة هذا الوضع المتأزم.

> ما الذي تريده المعارضة من الحوار الوطني؟ هل سيجبر السلطة على تلبية مطالبها؟

- نحن لا نتوجه بمشاريعنا إلى السلطة بل إلى المجتمع. فهل ما يجري في هذا البلد شأن يهم الناس جميعا أم نخباً معينة أم السلطة؟ لا بد أن ننتقل إلى المجتمع ونعرف كيف يرى المشكلة وحتى لا يبقى الحوار نخبوياً فوقياً كان لا بد من هذا الانتقال.

> تتحدثون عن أزمة ينفيها النظام الحاكم، ما هو برأيكم جوهر المشكلة إذاً؟

- جوهر الأزمة يكمن في النظام السياسي، ولذلك من الصعب أن يعترف النظام بوجود أزمة لأنه هو الأزمة، فهو فقد القدرة على إيجاد الحل لمشكلات المجتمع، ولذلك نراه يتجه إلى الحرب لحل مشكلة صعدة وإلى القمع والاعتقالات لحل مشكلة الجنوب. لا يوجد لدى هذا النظام مشروع سياسي حقيقي استراتيجي لمعالجة أوضاع البلد، ومن ثم من الطبيعي ونحن نتحدث عن الأزمة ألا نفتش عنها بمعزل عن النظام السياسي. ومن وجهة نظرنا الأزمة هي في النظام السياسي الذي فقد القدرة على مواجهة تحديات البلاد ومشكلاتها.

جذور المشكلة

> هل من تجليات واضحة على الأرض لهذه الأزمة، وكيف يمكن فهم جذورها؟

- لا أبالغ عندما أتحدث عن أزمة وطنية، فأنا لا أريد استخدام هذا التعبير للاستهلاك وأدعو إلى أن نتتبع جذور الأزمة التي بدأت منذ حرب صيف 1994. هذه الحرب أنتجت فعلا أزمة حقيقية لها طابع وطني، فماذا حدث في 1994؟ وكيف جرت الحرب؟، وأي منحى اتخذت؟، وما هي الآثار التي ترتبت على هذه الحرب سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وسيكولوجيا؟ هذه الآثار كلها أنتجت ما نحن عليه اليوم. يضاف إلى هذا أن النظام السياسي لم يتعامل مع آثار الحرب ونتائجها بالطريقة التي تمليه عليه مسؤوليته كحاكم مسؤول عن بلد، وإنما راح في معالجته للمشكلة يقتفي أثر المنتصرين في الحروب التي تندلع بين دول. لم يعالج الحاكم المشكلة من واقع أن هناك وحدة سياسية مهددة بالمخاطر، والسياسات الخاطئة التي أنتجت كل هذه العوامل جعلت الأمور تبدو وكأن هناك جزء من البلاد انتصر على الآخر. وياللأسف كان هناك من فسر الحرب على أنها انتصار الشمال على الجنوب بينما هي ليست كذلك ولا يجب أن تكون كذلك.

كما جرى في إطار سلوك المنتصر والتعبئة السياسية تصوير الحرب على أنها معركة بين شطرين، ولذلك أرى أن جوهر الأزمة الوطنية يكمن هنا وعلينا أن نفهمها كذلك ثم نعالجها من هذه الزاوية.

مبادرات الحل

> الرئيس علي عبدالله صالح اتهم المعارضة برفض مبادرات الحل ومنها مبادرته الأخيرة. لماذا رفضتم المبادرة مع أنها أتاحت فرصة للخروج من الأزمة الراهنة؟

- قبل الحديث عن المبادرة لا بد أن يعرف الجميع جوهر المشكلة. فهناك حزب وسلطة أرادا فرض الأمر الواقع خارج الاتفاقات التي تمت بين المعارضة والحزب الحاكم في شأن الانتخابات وأقدما على خطوات منفردة بتشكيل اللجنة العليا للانتخابات بصورة غير قانونية ولا شرعية، وما أنتجته على الأرض لم يكن شرعيا وكل الخطوات التي تمت نفذها الحاكم بشكل انفرادي. وبعد فرضهم الأمر الواقع تأتي منهم دعوة للمعارضة للبحث في حل لمشكلة لجنة الانتخابات جزئيا، ونحن لا نرى أن المشكلة في اللجنة بل نرى أن إصلاح النظام الانتخابي هو المقدمة الضرورية لإجراء انتخابات حرة ونزيهة. نحن متمسكون بنظام القائمة النسبية لأنه سيفتح آفاقا حقيقية للديمقراطية في هذا البلد، لأن الانتخابات بالطريقة التي تمت في الفترة الماضية أنتجت وستنتج وضعا لا نعتقد أنه يخدم الديمقراطية ولا حياة مستقرة في البلد.

> ما هو المطلوب في ما يخص الانتخابات البرلمانية المقبلة؟

- العودة إلى الاتفاقات التي وقعناها مع الحاكم سابقا وبخاصة ما يتعلق بإصلاح النظام الانتخابي وكل ما أفسدته اللجنة العليا للانتخابات سواء ما يخص السجل الانتخابي أو غيره من الترتيبات والنظر إلى الانتخابات باعتبارها بوابة لحل الأزمة اليمنية. ويجب أن تتم الانتخابات في إطار سياسي مناسب تتوافر فيه الجدية لمعالجة كل القضايا سواء القضية الجنوبية أم حرب صعدة وقضية التطرف أم القضايا الاقتصادية والاجتماعية وغيرها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى