الأزمة المالية العالمية واليمن

> قادري أحمد حيدر:

> من دون أي مقدمة نظرية أو تحليل سياسي يمكننا إيجاز آثار نتائج الأزمة المالية العالمية على بلادنا، وما هي الدروس المستفادة منها يمنياً في التالي:

-1 إن الأزمة المالية وتبعاتها الاقتصادية تطرح علينا اليوم وبقوة الضرورة السياسية والاقتصادية والوطنية لدور الدولة في التنمية، وفي العملية الاقتصادية والإنتاجية الجارية في البلاد. وعلى قاعدة إيجاد حالة من التوازن بين منطق اقتصاد السوق، وبين دور الدولة الاقتصادي. فلا تتصور وخاصة بعد الأزمة المالية العالمية قيام اقتصاد سوق حر، من دون تنظيم للأسعار، والأجور، ومن دون ضمان اجتماعي، ومن دون دور للدولة في الرقابة على المسألة المالية والمصرفية، أي من دون تدخل جدي للدولة في العلمية الاقتصادية، والتنموية، والإنتاجية والمالية.

-إن ما جرى في بلادنا تحت مسمى الخصخصة ومن ون قانون للخصخصة ووفقاً لروشنة الصندوق والبنك الدوليين، إنما أتت على تفكيك بل وتدمير مكتسبات ومنجزات الثورة اليمنية الاقتصادية والمادية وهو ليس أكثر من عملية فيد رسمي للملكية الوطنية العامة للشعب.

-الخصخصة، وسياسات الصندوق والبنك الدوليين جاءت لتفرغ أهداف الثورة اليمنية -سبتمبر،وأكتوبر- من مضامينهما الاجتماعية والاقتصادية، ومن بعدهما الاجتماعي كما أكدتها أهداف الثورتين اليمنيتين سبتمبر وأكتوبر وكذا دستور دولة الوحدة.

-إن اتجاهات الفكر السياسي الاستراتيجي العالمي المعاصر تقرأ اليوم الأمن القومي للدول والشعوب باعتباره أمنا اقتصاديا اجتماعيا، وليس أمنا عسكريا، ومن هنا جاءت أهمية تقليص النفقات العسكرية والأمنية وتوجيههما للاستثمار في البعد الاجتماعي، والإنمائي أو الإنتاجي .

-إن تكلفة إعادة بناء وتصحيح مسار تشوهات القطاع العام والبيروقراطية الإدارية وفسادها، أقل كلفة اقتصادية ومالية من مشاريع بيعية باسم الخصخصة ، وما هو وما يجب أن يجري التنبيه له اليوم.

-إن التكلفة الاجتماعية الباهظة للسياسيات الاقتصادية على حياة الناس رافقها كذلك حالة تراجع في الصناعة، وفي القطاعات الاقتصادية الإنتاجية وتنامي تمويل البيئة الاقتصادية الريعية (مصارف)، عقارات، استثمارات في سوق الأموال العالمية وإن كانت محدودة وصغيرة نسبيا قياسا إلى ما يحاورنا ، إضافة إلى ظاهرة عمليات غسيل الأموال.

-2 تأثير الأزمة المالية على الاستثمارات الخارجية، والمحلية، وتراجعها الأكيد، فوق ما هي راكدة وهو تعبير عن حالة اقتصادية سالبة.

-3 تأثير الأزمة المالية العالمية على تدفق المساعدات -على محدوديتها- والقروض الميسرة، لدعم اقتصادات بلداننا من الدول الغنية، حيث المساعدات ستتوجه للداخل المأزوم عالميا ، وهو ما سيترك آثاره على أصحاب الدخول الفقيرة.

-4 الأزمة المالية العالمية تؤكد أهمية وضرورة مراجعة بلادنا لموقفها من مبيعات الصندوق والبنك الدوليين ، ونمط اقتصاد إعادة الهيكلة، أو التكيف الهيكلي بالصورة التي تمت. وعكست كلفة اجتماعية باهظة على حياة الناس ومعيشتهم.

-5 انعكاس الأزمة المالية العالمية على اقتصادنا في صورة انخفاض أسعار النفط الكبير وفي واقع اقتصادي ريعي تعتمد موازناته بدرجة كلية ، حوالي %90 على أسعار سلعة النفط ، وخاصة في ظل تراجع خدمات النفط الخارجي ، وهو ما سيؤدي في الواقع إلى تراجع في قدرة اليمن على الاستيراد ، وتدهور في حجم الواردات في بلد يستورد كل شيء كما قال محافظ البنك المركزي في جلسة مجلس النواب لمناقشة الأزمة المالية العالمية ، وهو ما قد يؤدي إلى استنزاف الاحتياطي النقدي اليمني ، إضافة إلى تراجع مدخرات أو عوائد تحويلات المهاجرين اليمنيين ، وغيرها من التحويلات النقدية الأجنبية التي تتجه نحو الانخفاض وبالنتيجة انخفاض وتراجع الإيرادات الجمركية على السلع الاستهلاكية المستوردة. وهو قطعاً ما سيؤدي إلى انخفاض أو انحسار الناتج الإجمالي لليمن .

-6 تقديم المعالجات الجدية لانعكاسات الأزمة المالية العالمية على انخفاض حالة سعر النقط ، خلال الشهرين المنصرمين، حيث انخفضت أسعار برميل النفط من 148 دولارا للبرميل، إلى أقل من 50 دولارا، علما أن تقديرات الاختصاصيين العالميين في الاقتصاد يقدرون عمر الأزمة بين 5-3 سنوات أو أكثر، وهو ما يترك آثاره على موازنات الدولة، ويقلل من حجم إسهامها ودعمها للقضايا الاجتماعية (الصحة، التعليم، البنية التحتية، الضمان الاجتماعي) وهو ما يساعد على خلق بيئة ملائمة لتوسع قاعدة الفقر والبطالة، ويخلق مناخات للتطرف ، والعنف، والإرهاب.

-7 الأزمة المالية العالمية تطرح علينا بالضرورة إعادة النظر في ما يسمى استثمارات اليمن المالية في الأسواق والمصارف العالمية، وإعادة توظيفها في الاقتصاد الإنتاجي، خاصة وأن قيمتها النقدية تتآكل ، ولا نعلم مع استمرار الأزمة كيف سيؤول حالها أو وضعها ماليا ونقديا.

-8 الأزمة المالية العالمية، من خلال التدخل المالي للدول الرأسمالية، لن يوقف الأزمة ، بل هي معالجة سريعة تهدف إلى الحد أو التخفيف منها ومن أضرارها السلبية، وهي مستمرة لسنوات قد تمتد إلى خمس سنوات أو أكثر، مما يزيد من مشكلات بلداننا، ويجعل من تحديات التنمية (الفقر ، البطالة الكساد، تراجع دعم الصحة، التعليم) أصعب من أي فترة سابقة، والخوف كل الخوف من أن ينعكس ذلك على مستقبل هامش الحريات، والديمقراطية، وحتى لا يخسر المواطن الخبز والحرية معا، ويكون ذلك بداية لتفكك المجتمع، وانهيار السلطة/ الدولة، فالديمقراطية هي أنجع الوسائل لمواجهة الأزمة المالية العالمية، من خلال المشاركة والشراكة للناس في صنع القرار السياسي، والاقتصادي، ومستقبل البلاد كله.

-9 لقد أكدت الأزمة المالية أن حالة العجز في النمو الاقتصادي والاجتماعي ليس سببه ضعف الموارد، أو سوء تقدير في رسم الموازنات بل خلل في الرؤية الاستراتيجية الاقتصادية للتنمية، التي قادت إلى تفكيك وتدمير الطبقة الوسطى حاملة مشعل العقلانية والحرية، والتنوير والثقافة في البلاد، بقدر ما أدت إلى زيادة حدة قاعدة الفقر والبطالة، ذلك إن من يتحمل التبعات والتكاليف الاقتصادية لسياسات الإصلاح والتكيف الهيكلي إنما هي الشرائح والفئات والطبقات الفقيرة ، مع أن المستفيد الأعظم منها هي الفئات الطفيلية، وكبار الأغنياء واقتصاد الوجاهة ، أو الرأسمال السياسي الذي دخل إلى حقل الاقتصاد من خلال علاقته بالسلطة ، بعد أن توحدت السلطة بالثروة، وتحولت الملكية الوطنية العامة للشعب إلى رديف للحكم والحاكم، وهو مصدر كل الشرور والفساد الذي نعيشه.

-10 الأزمة المالية العالمية تطرح علينا ضرورة تعزيز مؤسسات الضمان الاجتماعي وعدم جعل حياة الناس المعيشية، والاجتماعية، والمادية، عرضة لمثل هذه الهزات الخطيرة. يجب أن يجري توسع حقيقي في تمويل قضية الضمان الاجتماعي (صحة، تعلم، رعاية وتأمين صحيين، معاشات التقاعد، خدمات البنية الأساس).

-11 إعادة النظر في الميزان الضريبي، بما يحقق القدر المعقول من العدالة الضريبية (وهي جزء مهم من أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر).

-12 الأزمة المالية العالمية تطرح على الدول النفطية العربية الكبرى العمل الجاد الدؤوب لإدخال النفط منطقة التجارة الحرة العالمية، وهو ما تفرضه الأزمة العالمية خاصة وأن النفط سلعة حيوية بل واستراتيجية عالميا.

-13 الأزمة المالية العالمية تفرض علينا وبالضرورة ترشيد الإنفاق الحكومي والبدء بتحويل ظاهرة الاعتمادات الإضافية (وهي الميزانية الثنائية التي يتم تقديمها من الحكومة إلى مجلس النواب لإقرارها مع كل نهاية عام خلافا للدستور والقوانين النافذة) وتحويلها إلى خدمة الاقتصاد الإنتاجي الوطني، أو جعلها احتياطيا نقديا بدلا من العبث بها فيما لا صلة له بالعملية الاقتصادية والتنمية.

-14 أن أسوأ دليل على الإدارة السياسية، والاجتماعية، والتنموية، ذلك الموقف الرسمي من كارثة السيول في حضرموت وغيرها من المحافظات الجنوبية والشرقية، فقد تحولت المصيبة إلى نعمة، ومكافأة لجماعات الفساد، التي تحاول استثمار الموت والدمار للسكان والمباني، والممتلكات، مع أن المساعدات المالية العربية والاجنبية بالدولار تكفي وتزيد لمعالجة الدمار الكارثي للسيول ، فالمساعدات المالية من السعودية وقطر والإمارات والصندوق العربي للتنمية تزيد أو تتجاوز الحاجة الفعلية لإعادة الإعمار وتعويض المتضررين في المجالات المختلفة، لولا جماعات الفساد والفيد والنهب التي تعبث بكل شيء و تستثمر حتى الموت والخراب لتعزيز سلطة الفساد، والأزمة العالمية، والأزمة السياسية الوطنية التي تعيشها البلاد .

إضافة إلى كارثة السيول، جميعها تؤكد أن النظام السياسي بحاجة إلى إصلاح سياسي ودستوري ، وإعادة بناء اقتصادي اجتماعي جديد ،على قاعدة حكم محلي واسع الصلاحيات، وتجاوز للدولة الشمولية المركزية القائمة اليوم .

-15 ختاما: إن الأزمة المالية العالمية، وانعكاساتها على مجمل الاقتصاد العالمي إنما جاءت لتؤكد الحاجة إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب، بل وإلى نظام اقتصاد متعدد الأشكال الاقتصادية، لأن الأزمة في جوهرها العميق إنما هي أزمة النظام الأحادي العالمي، في طابعه العسكري (الإمبراطوري)، ذلك أن جذر الأزمة العميق إنما كامن في تخلي النيوليبرالية الوحشية عن بعدها الديمقراطي التقليدي للاقتصاد الحر، ولذلك فإن الأزمة ليست مالية، وليست عابرة، وإن كان مظهرها الخارجي مالي، على أنها في العمق أزمة سياسية أيديولوجية، اقتصادية، أزمة بنيوية، وحين نقول أزمة بنيوية لا يعني ضرورة سقوط الرأسمالية، أو انهيار النظام الرأسمالي ، وإنما تأكيد على أن الأزمة البنيوية بحاجة إلى إعادة نظر جذرية في العلاقة بين مكونات النظام الرأسمالي بما يتيح من استمرار تطوره بتكلفة أقل على مسيرة الاقتصاد العالمي، وبما يساعد على تجاوز قانون القوة، والعسكرة، والحرب في تحقيق المصالح، والإنتقال إلى إنتاج قانون عالمي جديد يرتكز على قاعدة توازن المصالح العالمية (الدولية)، سياسيا، واقتصادياً، ويؤسس في الواقع وفي العلاقات الدولية لعالم متعدد الأقطاب، ومتعدد الأشكال الاقتصادية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى