عدن في عصر الدولة الرسولية

> «الأيام» د. هشام محسن السقاف:

> أهداني الزميل العزيز محمد منصور بلعيد، المحاضر في التاريخ الإسلامي بكلية التربية زنجبار، نسخة من رسالته التي نال بموجبها درجة الماجستير من جامعة عدن، والموسومة بـ (عدن في عصر الدولة الرسولية 629 - 858هـ / 1231- 1454م) وهي دارسة قيمة أشرف على الباحث بلعيد في مراحل إعدادها د. شائف عبده سعيد، وتضمنت مقدمة وأربعة فصول بالإضافة إلى الخاتمة والملاحق والمصادر والمراجع، ومخلص الرسالة باللغة الإنجليزية في (314) صفحة، أحاطت بتاريخ عدن في العصر الرسولي للفترة من (629 - 858هـ) في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالإضافة إلى الحياة العلمية في المدينة العريقة.

ومن النظرة الأولى نرى أن الباحث قد تجشم عناء البحث والدراسة والتقصي في جوانب حياتية يستحق الجانب المنفرد منها أن يكون دراسة وبحثا مستقلا لنيل الدرجة العلمية المشار إليها، أما وقد أحاط بجوانب الحياة الأساسية في عدن في فترة زاهية وليست بالقصيرة كان أدوات الفعل السياسي هم الحكام الرسوليين، فإن هذه بجدارة الاستحقاق تصلح أن تكون كتابا ومرجعا للدارسين والباحثين وطلبة التاريخ في الجامعات. يكفي أن نلقي نظرة على الفصل الرابع لنعرف تفاصيل الحياة العلمية في عدن في مجالات العلوم النقلية: علم القراءات، التفسير، علم الحديث النبوي الشريف، الفقه وأصوله وعلوم اللغة والنحو. وفي العلوم العقلية تقصي الباحث: علوم الطب، علم المنطق، علم الفرائض، علم الرياضيات والحساب والجبر والمقابلة، علم المنطق والكلام...إلخ. وعندما أتى الباحث إلى مساجد عدن وأثرها في الحياة العلمية تحدث عن مسجد أبان ومسجد العندي ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ومسجد التوبة (أبوشعبة) ومسجد الشجرة، ومسجد ابن عبلول، ومسجد الزنجيلي ومسجد السوق صاحب المنارة ومسجد الشيخ جوهر...إلخ، حيث أثار الباحث أن مسجد أبان (نسبة إلى أبان بن عثمان بن عفان وكانت مدة إقامة ابنه الحكم بعدن في مسجد أبيه الذي تأسس في القرن الهجري الأول/ السابع والثامن الميلاديين إذ إن بانيه توفي في المدينة سنة 105هـ- 723م، وأشار إلى هذا المسجد المقدسي: أنه يقع خلف البلد، وإلى مسجد أبان قدم الأمام أحمد بن حنبل للأخذ عن إبراهيم بن الحكم بعد سنة 170هـ/ 786م. وفي القرن السابع/ الثالث عشر الميلادي كان إماما به الفقيه أبوقفل، فلما كبر ابتنى له مسجدا شرقي مسجد أبان، ومازال مسجد أبان يؤدي وظيفته وجدد بناؤه عدة مرات عبر التاريخ وآخرها بخرسانة مسلحة في شكل جديد) وهذا الشكل الجديد الذي تم في عام 1997م هو الذي مسخ الأثر التاريخي لمسجد عظيم من أقدم المساجد في اليمن والبلاد الإسلامية واستبداله بتلك الشاكلة الخرسانية المتشابهة من كثير من المساجد الحديثة ناهيك عن ضياع أو إتلاف محرابه العتيق وهي خسارة تاريخة وأثرية لا تعوض.

وفي الحياة الاجتماعية للمدينة تحدث الباحث عن سكان عدن وتركيبتهم الاجتماعية وأصولهم وانحداراتهم المختلفة والوافدين إليها، كما تحدث عن مساكن ودور أهلها؛ قصورهم وحصونهم وحارات المدينة المختلفة مثل حارة الزعفران، حارة جوهر، حارة القطيع، حارن حسين... إلخ بالإضافة إلى حواري الجاليات فيها مثل حارة اليهود، البانيان، حارة الدناكل أو الديالكة، حارة البرابر، حارة الزنوج (الحبوش)، كما تناول الباحث العادات والتقاليد الاجتماعية السائدة لدى أهل المدينة في تلك الفترة.

إن هذه الدراسة إضافة نوعية إلى عديد دراسات علمية منهجية تناولت عراقة مدينة عدن ورسوخ عروقها في أعماق تاريخنا، مدللة على تواصلها الحضاري حتى اليوم على أنها مدينة حية نابضة بعبق الماضي والتطلع إلى المستقبل.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى